دعا الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى الأمة العربية والإسلامية إلى دعم صمود الفلسطينيين المقدسيين لمواجهة محاولات تهويد القدس ومصادرة أراضيهم من خلال توزيع الأعباء على كل دولة عربية وإسلامية حيث تتكفل كل دولة بقطاع من القطاعات الهامة كالصحة والتعليم والسكن والشغل، مبرزا في هذا الصدد الدور الذي قامت به الجزائر من أجل دعم القضية الفلسطينية خاصة في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وأكد الشيخ يوسف سلامة الذي يزور الجزائر بدعوة من وزارة الثقافة بمناسبة احتفالية القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية ل"المستقبل" أن الجزائر بحاجة إلى كافة أبنائها بعد أن تعافت من أزمتها التي عانت منها خلال العشرية السوداء. المستقبل :رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نتنياهو قال مؤخرا إن القدس عاصمة لإسرائيل، ما هي الخطورة التي تشكلها مثل هذه التصريحات على إسلامية بيت المقدس؟ الشيخ يوسف سلامة: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، في الحقيقة نتنياهو يقول ما يريد بأن القدس عاصمة موحدة، ونحن نقول أنها عاصمة موحدة لكن ليست لإسرائيل وإنما لفلسطين لأن القدس في عقيدتنا هي آية من القرآن الكريم، قال الله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"، فالقدس كانت ومازالت وستبقى مدينة عربية إسلامية إلى يوم القيامة وقد لفظت القدس المحتلين عبر التاريخ فلفظت الصليبيين وغيرهم وستلفظ هذا المحتل وستعود القدس إلى عروبتها وإسلاميتها. ماذا تنتظر القدس من العرب والمسلمين بالضبط، وهل المؤتمرات والأموال التي تعقد وتجمع لنصرة القدس كافية لمقاومة محاولات تهويدها؟ أخي الكريم الأمة العربية عليها واجب تجاه القدس لأن الأقصى ليس ملكا للفلسطينيين وحدهم ولكنها ملك للعرب والمسلمين، فهي أرض وقف إسلامي بنص القرآن، أما ماذا يفعلون فقد أرشدهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك يوم سئل في الحديث الذي روته ميمونة وأخرجه أحمد وابن ماجة قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس (ما شأنه ما أهميته ما مكانته) فقال عليه الصلاة والسلام "أرض المحشر والمنشر ائتوه وصلوا فيه فإن كل صلاة فيه كألف صلاة في غيره"، قالوا يا رسول الله ومن لم يستطع أن يأتيه من العرب والمسلمين قال:"فليبعث بزيت يسرج في قناديله فإن من أهدى له زيتا كان كمن أتاه"، لابد في الحقيقة للأمة أن تقف إلى جانب القدس وأن تساهم في إعمار الأقصى وأن تساعد مستشفى المقاصد بالقدس، وجامعة القدس والغرفة التجارية في القدس، وأن يساهم العرب والمسلمون في إقامة البيوت السكنية للمقدسيين وأن يدعموا العمال كي يبقوا مرابطين على أرضهم لأن القدس تتعرض لسياسة تهويد ممنهجة يخطط لها المحتلون ويعملون على نشرها. ماذا وصلكم من الدعم العربي والإسلامي؟ الخطر الذي يواجه القدس اليوم يحتاج إلى دعم أكبر وجهد أكثر، لو نظرت إلى يهودي واحد مثل مسكوفيتش يأتي من أمريكا ويتبرع ب600 مليون دولار لبناء مستوطنة جبل أبي غنيم التي هي وقف إسلامي والآن يعمل على بناء مستوطنة أخرى في رأس العمود.. هذا في الحقيقة جهد كبير (يبذله اليهود)، إذن لا بد أن تقوم هذه الأمة بدعم القدس فمثلا دولة تهتم بالتربية ودولة أخرى بالصحة وثالثة تهتم بالعمال ورابعة بالتجار وخامسة بالمساكن وهكذا نوزع العبء على الأمة، كي يبقى الفلسطينيون مرابطين على أرضهم. كيف يواجه الفلسطينيون المقدسيون عمليات تهويد القدس؟ الفلسطينيون لم ولن يفرطوا في أرضهم ولن يتنازلوا عن ذرة تراب عن القدس سيبقوا مدافعين عن هذه المدينة وما قصة أم كامل ببعيد، هذه المرأة التي دفع لها الإسرائيليون 15 مليون دولار ثمنا لبيتها ولكنها رفضت وقالت "لن أتنازل عن عقيدتي" فأوقفوا زوجها خارج البيت ونقلوه إلى مستشفى المقاصد في القدس فانتقل إلى رحمة الله شهيدا ثم أخرجوها من بيتها ونصبت خيمة الاعتصام التي تتناقلها وسائل الإعلام يوميا، هذه المرأة ضربت نموذجا على مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم ولكن هؤلاء بحاجة إلى عمقهم العربي والإسلامي كي يبقوا مرابطين على أرضهم. وماذا عن الدعم الجزائري؟ الجزائر تفي بالتزاماتها في جامعة الدول العربية، ونحن لا ننسى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أرسل أثناء الحرب الأخيرة على غزة جسرا جويا من الطائرات التي تحمل الغذاء والدواء، وأرسل وفدا طبيا لمعالجة الجرحى وإسعافهم، الشعب الجزائري تبرع بمئات الوحدات من الدم ليختلط الدم الفلسطيني بالدم الجزائري من جديد ولا ننسى أن الجزائر ممثلة في رئيسها يوم كان وزيرا للخارجية عام َ1974 هو الذي أسمع صوت فلسطين إلى العالم عندما أدخل الرئيس ياسر عرفات إلى الأممالمتحدة، وأن إعلان قيام الدولة الفلسطينية خرج من أرض الجزائر عام 1988، وأن "بومدين غوث؛ الجزائري أوقف وقفية في القدس، وأن الجزائريين والمغاربة قد حاربوا مع صلاح الدين فأوقف لهم الملك الأفضل نور الدين الابن الأكبر للقائد صلاح الدين حارة المغاربة اعترافا بفضلهم. الخلاف بين حركتي فتح وحماس أثر على قوة المقاومة في مواجهة العدو الواحد، فما هو الدور الذي يجب أن يلعبه العلماء والمشايخ في إصلاح ذات البين بين أبناء القضية الواحدة؟ ما حدث من انقسام فلسطيني هو صفحة سوداء يجب أن تطوى وأن يترفع الفلسطينيون وقاداتهم على خلافاتهم وأن يفتحوا صفحة جديدة من الحب والوئام والأخوة والعالم اليوم ليس فيه مكانة للضعفاء ولا للمتفرقين، والحقيقة أن القاهرة تستضيف جلسات الحوار الفلسطيني وأتصور أن الجلسة القادمة في شهر جويلية القادم ستكون الجلسة الحاسمة والخاتمة، ونسأل الله أن يوفق قادتنا الذين نحترمهم جميعا ونجلهم أن يتفقوا على كلمة سواء تعيد اللحمة إلى هذا الوطن والابتسامة إلى الشعب الفلسطيني كي نقف أمام الهجمة الفلسطينية في تهويد القدس ومصادرة الأراضي. اختيرت القدس هذا العام عاصمة أبدية للثقافة العربية، ماذا يمكن لهذه التظاهرة أن تقدم من دعم للقدس في ظل رفض إسرائيل لأي شكل من أشكال الاحتفال بهذه المناسبة؟ والله هذه خطوة لأن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية ونشكر الجزائر التي أضافت كلمة "أبدية" وهذا من حسن الفأل لأنها كانت ولازالت عاصمة للعرب والمسلمين، ولا بد أن ننتهز هذه المناسبة لنجدد ربط الأمة بأقدس مقدساتها والتي هي قضيتهم الأولى والمعروف أن ارتباط المسلمين بالقدس ليس ارتباطا عمليا عابرا، لأن اليوم فيه نقف تحت بيت المقدس وفيه حفريات، وهذا الارتباط ليس مناسباتيا وإنما هو ارتباط عقائدي، لأن فلسطين أرض المحشر والمنشر ولأن الأقصى نهاية الإسراء ومعلوم أن حادثة الإسراء من المعجزات وأن هذه المعجزات جزء من العقيدة الإسلامية وارتباط المسلمين بالقدس والمسجد الأقصى وبفلسطين هو ارتباط عقدي، وأنا شاهدت كراسة حول البرنامج الذي أعدته وزارة الثقافة يشتمل على محاضرات وأناشيد وطبع كتب وهذا النشاط ليس مقصورا على الجزائر العاصمة بل يشمل جميع المحافظات (الولايات) الجزائرية وهذه خطوة عظيمة وممتازة لإعادة قضية القدس إلى مكانها المرموق لأن العالم أحيانا ينشغل بالانقسام الفلسطيني وأحيانا ينشغل بالحرب في باكستان وأحيانا ينشغل بالحرب في الصومال وبالأزمة الاقتصادية العالمية وبأنفلونزا الخنازير... لا بد أن تبقى هذه القضية هي القضية المركزية للعرب والمسلمين ونحن نغتنم هذه المناسبة لنجدد هذا الأمر. الجزائر مرت خلال عشرية التسعينيات بوضع أمني صعب ولكنها تبنت في العشر سنوات الأخيرة نهج المصالحة الوطنية الذي مكنها من الخروج من النفق، فكيف تأصلون هذا النهج من الناحية الشرعية؟ الصلح خير والله عز وجل أمرنا به، فالإنسان العاقل هو الذي يأخذ بيد أبنائه إلى شاطئ السلام، فالجزائر تعيش كلها في سفينة واحدة فلماذا نسمح بخرقها هنا أو هناك لا بد أن نحافظ على هذه السفينة قوية وأن ننجو بها من تلاطم الأمواج حتى ترسو على شاطئ الأمان، والعشرية السوداء التي مرت بها الجزائر أستطيع أن أقول يقينا بالله عز وجل وبما رأيته أنها انتهت بلا رجعة وأن الجزائر بدأت تتعافى والحمد لله، فالشعب الجزائري تسوده روح المحبة والأخوة، وأنا هنا أحيي الأخ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هذا القائد الجزائري الكبير الذي رفع شعار المصالحة، فالقائد العاقل هو الذي يحافظ على وحدة شعبه والذي يرفع شعار درء المفاسد أولى من جلب المصالح، ويرفع شعار تعالوا نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، فنسأل الله تعالى أن يحفظ للجزائر أمنها واستقرارها وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونحن ندعم هذه الجهود وليذهب الجزائريون للرقي ببلدهم بلد السهول والهضاب والجبال بلد البترول، بلد الخيرات والحقول بلد المجاهدين والأبطال، يجب أن نتعاون كجزائريين من أجل النهوض بهذا الوطن العزيز ولعلي ما رأيته من فضائية القرآن الكريم ومشروع بناء مسجد الجزائر كمشروع ضخم إلا ويدل دلالة واضحة على أن الجزائر بدأت تتعافى وسداد ديون الجزائر هذا يبشر بالخير، وما سمعته أيام الحملة الانتخابية من الرئيس بوتفليقة من إقامة كليات ومشاريع الشباب الذين هم عماد الأمة وأملها ودمها وهم من سيتولون حمايتها، لذلك يجب أن نأخذ بيدهم وأن نردهم إلى جادة الصواب لأننا بحاجة إلى كل يد تعمل لخدمة هذا الوطن. أجرى الحوار في الجزائر: مصطفى دالع