لو عددنا الخصال التي أوصانا الله بها وحرص في كتابه عليها وأثنى على المتحلي بها، لما حصرنا عددها، ولما حوتها مئات المجلدات... فالكرم والجود والتسامح والعفو والتواصل والتحاب والشجاعة ووو... خصال أصبحت تنقرض واحدة تلو الأخرى ولانرى لها أثرا إلا في الكتب، مع العلم انها من أبجديات الإيمان وركائزه. فماذا يبقى من إيمان الشخص إذا انتفت من سجل أخلاقه... إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ولكن للأسف ذهبت الأخلاق ولم يذهبوا. وقد آلمني حدثان عشتهما وودت آنئذ لو لم أكن على وجه البطحاء لأرى تلك المناظر، ناهيك أن أقول أني أنتمي إلى مجتمع يحصل فيه هذا... أيام كارثة الزلزال الذي أصاب منطقة بومرداس، كان من ضمن الوفود التي شاركت في رفع الأنقاض شخص ياباني نظر إلى صديق لي في التشريفات بالمطار وهو يهم بالرحيل وقال له جئت لأساعد في انتشال الضحايا فانتشلوا مني حقيبتي التي فيها أغراضي الشخصية وسرقوا مني كلبي الذي كان يساعدني في مهمتي...!!؟ ( لا تعليق). والحادثة الثانية وما أكثر هكذا حوادث: في أحد الشوارع العتيقة من عاصمتنا، زوج أوروبي طلبا من شاب أن يلتقط لهما صورة تذكارية بآلة تصوير لهما؛ وبدل أن يصوب العدسة إلى السائحين، أدبر هاربا ومعه آلة التصوير... ( لا تعقيب). وإن رحت أسرد ما يقع على مسمعي من ويلات وآفات أصبحت تنخر جسد مجتمعنا لما كفتنا أسفار وأسفار... ولم يكن الجزائري هكذا أبدا. يبيت على الطوى ويظله ولا يمد يده إلى حرام. وكم يشدني الحنين إلى أمثلة لأناس خلدتهم أخلاقهم... واني أسوق في هذا المقام قصة السموأل بن غريض بن عاديا الأزدي الذي ضرب به المثل في الوفاء... وإن عاش في الجاهلية كيف حافظ على الأمانة. فامرؤ القيس لما اراد المضي إلى قيصر، ملك الروم، أودع عند السموأل دروعا وسلاحا وأمتعة تعادل ثروة... فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فأبى الأخير أن يدفعها إلا إلى أصحابها قائلا: لا أغدر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء والواجب علي. وحاصره الملك في حصنه (الأبلق)، وكان ابن السموأل خارجه، فأخذه الملك رهينة وطاف بالحصن وهو يصيح بالسموأل: إن اعطيتني الدروع والسلاح أعدت إليك ابنك ورحلت عنك، وإلا فسأذبحه أمام عينيك... فقال له السموأل: ما كنت لأخون العهد، فاصنع ما شئت. فذبح ولده وهو ينظر. وجاء الموسم، فحضر ورثة امرؤ القيس، فسلم إليهم وديعة أبيهم واحتسب قتل ابنه وفاء لمبادئه... وصلى الله على من قال : "لا إيمان لمن لا أمانة له" .