صدر مؤخرا عن دار العربية للعلوم رواية الأديب الفلسطيني سليم عوض عيشان العلاونة (النفق) وهو عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين ملحمة فلسطينية تتحدث عن أخوين فلسطينيين يعيش أحدهما في غزة والآخر في مصر، يتوجه الأول إلى القاهرة مع زوجته وابنه لزيارة أخته وخطبة ابنته، حيث تمت الخطوبة وحفل الزفاف بعدها قررت الأسرة العودة إلى غزة برفقة العروس لتبدأ الصراعات. الرواية شبكة من التفاعلات والعلاقات تتخذ لها مستويات متنوعة مسكونة بأسئلة الواقع الفلسطيني وهي سيناريو مكتمل الحلقات. فبعد الوقوف في الساحة والطابور الطويل منذ ساعات الليل المتأخرة في المعبر الحدودي، أبرز الشاب ووالداه الوثائق وجوازات السفر الخاصة بهم، ختمها الموظف ليسمح لهم بمغادرة مصر، عندما قدمت الفتاة وثائقها وجواز سفرها، والتي كانت عبارة عن وثيقة السفر الفلسطينية الصادر في القاهرة، توقف الموظف وقال أين تأشيرة المغادرة. كانت تلك العقبة الأولى تبعتها عشرات العقبات صنعت بالألم والقلق والتعب. اعتمد الروائي على أسلوب سلس خال من التعقيد والتورية مستخدما الوصف التصويري للأشياء والأشخاص وحتى في كوامن النفوس. مرت الأيام بل الشهور دون جدوى وكان الجواب دائما في أروقة وزارة الخارجية المصرية: آسف لا يوجد تأشيرات بالمغادرة حاليا، هذا ما كان من جانب الزوجة، أما الزوج فقد تاه في غياهب الأسئلة إلى أن أرشده أحدهم إلى الحل والرأي الأصوب وهنا مربط الفرس في الرواية. لتبدأ معاناة من نوع آخر، فقد وقع في فخ عصابة تهريب من خلال السرد يصف الراوي عصابات التهريب وملامحهم الإجرامية التي وقع في فخها الشاب وزوجته. اعتماد ضمير الغائب (السرد) الذي يمنح الرواية الطابع المشهدي (الدرامية). خمسة آلاف دولار هل تسمع خمسة آلاف دولار لا تنقص سنتا واحدا هل تسمع؟ رددها رئيس المهريين وهو ينفر بأصابعه الغليظة على ساحة الأتوماتيكيين بشكل عصبي.. أشار باليد الأخرى التي تحمل جهاز الاتصال ناحية بعض الرجال الذين كانوا يقفون قريبا من المكان، اندفع نحو الشاب رجلان عملاقان أمسكا به من يديه وقدميه وألقيا به في الطريق. لقد أبدع ونجح الراوي أيما نجاح في شد القارئ لتهيئة أجواء الدخول إلى الرواية وذلك اعتمادا على تقنية البناء والسرد. كان لابد للشاب من تدبير المبلغ لأن زوجته حامل في نهاية الشهر التاسع، فيقبل ذلك اللفظ في نهاية الأمر أن يجهز له ألف دولار آخر غرامة التعجيل الذي أسماه البريد المستعجل. بدأت رحلة لم الشمل بسرية تامة بما في ذلك تعصيب عيني الزوجة، وما رافق الرحلة من خوف وفزع، ولتسهيل مهمة العصابة كان لابد من تخدير المرأة ثم ربطها إلى لوح خشبي وكأنهم كانوا يتعاملون مع بضاعة اعتادوا على تهريبها، قام بوضع اللوح الخشبي الذي كانت المرأة مثبتة إليه بقوة، قام بوضعه على قضبان حديدية تشبه قضبان السكك الحديدية ثم قام بدفع اللوح الخشبي فأخذ يسير على عجلات بدائية بشكل مصغر بدائي وسيء. وبدأت الرحلة الشاقة داخل النفق. ازداد المكان وحشة بعد أن تحول النفق إلى ظلام دامس ومرعب، أحست أن دقات قلبها ستخرج كقرع الطبول في مجاهل غابات افريقيا وشعرت بضيق في الصدر وصعوبة في التنفس فانهمر العرق غزيرا من جسدها. ينهار أحد الأنفاق فوق الشبان ويظن الزوج أن زوجته ضحية ذلك الانهيار فيزداد رعبا وجنونا، اندفع ناحية الرجل الفظ: زوجتي، أه زوجتي هل دفنت تحت الرمال، لماذا لم يتم انقاذها.. لا.. لا أيها الأبله.. أيها الأحمق. لماذا؟ ببساطة.. لأنها كانت في نفق آخر وكل ما في الأمر أن وصولها سوف يتأخر لبعض الوقت لأن هذا النفق قد انهار وأخيرا يتم اللقاء، لقاء اختلطت فيه المشاعر بين فرح وأسى، فقد كانت الزوجة المسكينة في حالة يرثى لها. نظر الزوج ناحية زوجته المثبتة إلى اللوح الخشبي، تقدم الشباب ناحيتها بعد أن فكوا وثاقها، اقترب منها دقق النظر إليها تأكد فعلا أنها زوجته أحسن بالدوار.. بالغثيان.. بالارتعاش.. تساءل في سره بمرارة بصوت هامس. ولكن ما الذي فعل بها كل ذلك. حمل هذا الراوي المتميز القارىء معه إلى عوالم بعيدة، لم يكن واصفا فقط بل كان كاشفا لما يعانيه مواطنو غزة ويختتم روايته بمشهد حزين يرمز إلى كل الحزن، مشهد الزوجة وقد فاجأها المخاض. أرجوك يا سيدتي.. أرجوك.. حاولي أن تساعديني.. أن تساعديها.. هتفت بهن المرأة استنجدت بهن لمساعدتها.. سارعت بعض النسوة بالاندفاع اليها بعدما تأخرت قليلا.. ساعدنها على السير.. دخلن منزلا جانبيا.. اختفين بالداخل، وقف الشاب بباب المنزل باكيا يروح ويجيء ينتظر وضع زوجته لمولودها، مولودهما الأول. ناولت المرأة للشاب ما كانت تحمل بين يديها وهي مطرقة على الأرض، هتفت بصوت هامس وللخيبة الشديدة ككل الخيبات الفلسطينية الأخرى تلده ميتا: إنه طفلك ياسيدي، إنه المولود.. لقد ولد ميتا. عبدالقادر ليفا