أكد السفير الأمريكي في تونس، روبرت غوديك، أن إدارة الرئيس أوباما تعتزم العمل بالتوصيات الواردة في تقرير خاص أعده مسؤولون سابقون في الحكومات الأمريكية المتعاقبة ورمى لمعاودة النظر بالموقع الهامشي الذي مُنح للمغرب العربي في السياسات الأمريكية. وأوضح غوداك ردا على سؤال في آخر لقاء مع الصحفيين قبل نهاية مهامه في تونس، أن تغيير السياسة يتطلب وقتا، لكنه أكد أن الإدارة الحالية ماضية بتقويم الرؤية السابقة وإيلاء اهتمام أكبر لشمال إفريقيا. وكانت إدارة أوباما كلفت قبل عام بالضبط (أفريل الماضي) فريقا رفيع المستوى بدراسة آفاق تغيير التعاطي الأمريكي مع المغرب العربي لجعله منطقة اهتمام استراتيجية، أسوة بالشرق الأوسط، وليس مجالا مُلحقا بالمشرق العربي. وأعد الفريق دراسة شاملة ومكثفة في 15 صفحة، في نشرة مشتركة بين معهد بوتوماك للدراسات السياسية في جامعة أرليغتن وبرنامج إدارة النزاعات في جامعة جون هوبكينز بواشنطن تحت اسم ''مشروع ورقة عن سياستنا في شمال إفريقيا'. أما العنوان الكبير الذي تصدر الدراسة بعد المقدمة فهو غني عن التعليق ومضمونه "لماذا تستحق المنطقة المغاربية الاهتمام: المعاهدات والفرص والخيارات من أجل التزام أمريكي حقيقي في شمال إفريقيا''. غير أن المبادرة لا تستمد أهميتها من موضوعها الجديد فحسب، وإنما أيضا من تشكيلة الفريق الذي سهر على إعداد الورقة، ما يُؤشر إلى أننا قد نكون إزاء انعطاف في السياسة المغاربية للولايات المتحدة في عهد أوباما. المشرفان على الدراسة هما ستيوارت أيزنستات وزير الدولة للزراعة سابقا الذي عمل مستشارا للرئيس جيمي كارتر بين 1977 و1981 ووليم زارتمان رئيس المعهد الأمريكي للدراسات المغاربية. أما المشرف الفخري (الذي شارك في اجتماعات الفريق) فهو الجنرال ويزلي كلارك قائد قوات الأطلسي سابقا (بين 1997 و2001 أي في عهد الديمقراطي كلينتون)، وتُعرفه المراجع الأمريكية على أنه قائد عسكري ورجل سياسي. ديموقراطيون وجمهوريون وضم الفريق 13 عضوا بين أكاديميين وسفراء سابقين ومسؤولين سياسيين وعسكريين في الإدارات الديموقراطية السابقة. وهم يشتركون في معرفتهم الدقيقة بقضايا المنطقة منذ عقود واطلاعهم عن كثب على التحديات التي تواجهها وإدراكهم للعوائق التي تعطل إقامة علاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة. ومن الأعضاء البارزين في فريق العمل نذكر وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت التي قادت الديبلوماسية الأمريكية بين 1997 و2001 على عهد كلينتون ورئيس المركز الدولي لدراسات الإرهاب يوناه ألكسندر ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة فوردهام جون أنتليس ونواب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط السابقين تشستر كروكر وروبرت بلليترو وديفيد ويلتش وإدوارد ووكر والسفيرة روبن رفائيل ومساعد وزير الشؤون الخارجية الأسبق لحقوق الإنسان والديمقراطية لورن كرينر وهو الرئيس الحالي للمعهد الجمهوري الدولي. ويدل وجود جمهوريين في الفريق على أن الوثيقة لا تعكس موقف فريق الديموقراطيين في الإدارة الأمريكية فقط وإنما تشكل رؤية وفاقية وتأليفية للحزبين، وهذا أحد تجليات منطق المؤسسات التي تخدم المصلحة القومية بغض الطرف عن التباعد التكتيكي في الرؤى بين الفريقين. وأول ما يلفت الانتباه في الوثيقة هو التواصل بين المشاريع الأمريكية تجاه شمال أفريقيا، على الأقل على صعيد الإدارات الديموقراطية؛ فنائب وزير الخارجية السابق للشؤون الاقتصادية ستيوارت أيزنستات (وزير الزراعة لاحقا) هو الذي صاغ المشروع الشهير الذي يحمل اسمه وطاف به على العواصم المغاربية في سنة 1998 داعيا إلى إقامة سوق مشتركة مغاربية واعدا باسم إدارة كلينتون بتكثيف الاستثمارات الأمريكية في شمال أفريقيا وتوسيع المبادلات التجارية مع بلدانها. ما جديد الوثيقة بالنسبة الى ذلك المشروع؟ يقول مؤلفو الدراسة موجهين كلامهم إلى إدارة الرئيس أوباما ''إن للولايات المتحدة مصالح معتبرة في المنطقة المغاربية تستوجب التركيز على تأمين الاستقرار لها والأمن لكل بلد من بلدانها من أجل تمكينها من التقدم نحو تكامل اقتصادي وسياسي إقليمي أكبر، وتعاون أوسع مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يُتيح توسيع الحريات السياسية وتنشيط التنمية الإقليمية''. واعتبر مؤلفو الدراسة أن المغرب العربي وُضع في موقع هامشي في السياسة الخارجية باعتباره المنطقة المنسية بين الشرق الأوسط وأفريقيا، مُبرزين موقعه الاستراتيجي في المتوسط وفي الطرف الغربي للعالم الإسلامي، ومخاطر تنامي الإرهاب فيه والفرص الاقتصادية والثروات الطبيعية التي يمنحها للولايات المتحدة. وأكدوا أن الولاياتالمتحدة لا تخدم مصالحها بإرجاء الاهتمام المعتبر والكامل بالمنطقة، "فمن دون مقاربة مفهومة ومنهجية لتعزيز التكامل المغاربي ستتزايد التهديدات للأمن والاستقرار في اتحاد المغرب العربي''. واستدلت على ذلك بدراسة صدرت في 2008 عن معهد بيترسون للاقتصادات العالمية وأظهرت الفوائد التي يمكن أن يحققها التكامل الاقتصادي للبلدان وكذلك للتعاون عبر الأطلسي. ولفتت الوثيقة الانتباه إلى أن شمال أفريقيا بقي يُنظر إليه في الولاياتالمتحدة على أنه منطقة تخضع للمسؤولية الأوروبية، ''رغم عراقة علاقاتها التاريخية مع الولاياتالمتحدة وأهميتها من حيث موارد الطاقة والأمن والاستقرار والتجارة والتنمية، ومجالات عدة أخرى''. وعلى هذا الأساس حض أعضاء الفريق الإدارة الحالية على أن تتغلب على الصعاب و''تتجاوز الإهمال السابق وتأخذ مشعل الزعامة لتطوير المستقبل المغاربي''. ورأوا أن هذا التوجه ''سيمكن من بلورة سياسات أقوى للتجارة والاستثمار الداخلية والخارجية وتعاون فعلي أكبر في مكافحة الإرهاب وروابط أوثق بين الدول والمجتمعات المدنية، بالإضافة لإيجاد الآليات الحازمة للتقليل من الفوارق، وهي أمور تفيد البلدان المغاربية نفسها وتخدم كذلك المصلحة الأمريكية''.