لا أحد منا ينكر أن العمل قبل أن يكون التزاما من الشخص في سلوكه وممارسته اليومية لمهامه هو ضمير حي لا يغفل عن الواجبات، وإذا كان الضمير في معناه العام هو معيار أخلاقي مُكتسَب يحدد للفرد ماهية الخطأ والصواب، والمرفوض والمقبول، في سلوكه وسلوك الآخرين ضمن ثقافة معينة، فإن الضمير المهني يعني مدى توافر قاعدة معيارية داخلية لدى الفرد تدفعه للالتزام بالمواصفات والشروط الأخلاقية التي تقتضيها ممارسته لمهنته، كتبني الأمانة والصدق والوفاء بالوعد، وتجنب الخداع والكذب والتسويف. وهنا يجب التمييز بين الضمير المهني والمهارة المهنية بالرغم من التداخل النسبي بينهما. فالضمير المهني يختص بالعنصر الأخلاقي والقيمي، فيما تختص المهارة المهنية بعنصري الكفاية والاحتراف، إذ يمكن لصاحب مهنة ما أن يكون حاذقاً وكفواً في أدائه المهني من الناحية الحِرفية، لكنه قد يكون مفتقراً إلى ضمير مهني في الوقت نفسه. فالطبيب قد يكون بارعاً في التشخيص وفهم آليات حدوث الأمراض، دون أن يكون متجرداً بالضرورة من سمات الجشع واللامبالاة والقسوة تجاه مرضاه، وهذا هو الفساد الطبي. ويمكن للأكاديمي أن يكون متعمقاً في اختصاصه وكانزاً لمعرفة واسعة فيه، دون أن يكون مكترثاً بالضرورة بتنمية الشخصية العلمية لطلبته أو حريصاً على ترجمة ذخيرته المعرفية والمعلوماتية إلى ثقافة واقعية لها تأثيرها الإيجابي في الحياة اليومية للناس، وهذا هو الفساد الأكاديمي. وجود أو عدم وجود هذه القيمة أي الضمير المهني ومع اختلاف وجهات النظر حول وصف البعض لها بأنها خيوط واهية تلامس وجدان الناس، لم نعد نقيس عليها الأمثلة، وضعف تلك القيمة نتلمسها بكل جوانب الحياة سواء الجوانب القانونية أو الاجتماعية ووجود أي خلل فيها يؤدي إلى مشاكل معنوية كالالتزام بالمواثيق والعهود تحت أي ظرف من الظروف وهنا يتجسد بعدها الرمزي. وتعد الأمانة المهنية أوسع انتشاراً من حيث تظاهرها وعموميتها حيث ترتبط بالأداء المهني؛ فالتقصير بأداء مهنة معينة وعدم إنجاز ما هو مطلوب، يعتبر خللاً في الأمانة والموظف أمين لوظيفته أياً كان موقعه ومسؤوليته فقد يكون مسئولا مالياً أو إدارياً و..إلخ ونلتمس الأمانة من خلال أسس ومواقف نعيشها يومياً قد لا تثير انتباهنا كالالتزام بمسؤولية الدوام، وحسن الائتمان على الأموال العامة وترشيد استهلاكها، فلو تجسدت الأمانة في سلوكنا اليومي فإنها تؤدي في الحفاظ على تماسك المجتمع، هذه القضية المهمة التي تواجه إنسان هذا العصر فتضعه على المحك بين معرفته لقواعد المهنة والتزامه بها وبين الاغراءات العديدة التي تواجه العديد منا في مجتمعنا. إن الإنسان الواثق من نفسه يردد أفكاراً واقعية وصحيحة وصادقة وموضوعية، وغير الأمين يكرر أفكاراً غير موثقة ويصدق نفسه ويريد أن يصدقه الآخرون.