أثار ملف مؤسسة '' جازي '' لخدمات الهاتف النقال ومسألة البيع للشريك الأجنبي وتدخل الحكومة الجزائرية لتطبيق القانون من خلال حق الشفعة وشرائها نهائيا أو جزئيا ، العديد من النقاط ذات الطابع السياسي أكثر منه اقتصادي حول الاستثمار العربي والضمانات المترتبة عن وقوع مشاكل بين الدولة الحاضنة للاستثمار والشركة المستثمرة ،وكيف يمكن تصحيح الصورة المنبثقة عن رحيل العديد من المؤسسات العربية من السوق الجزائرية والأمثلة عديدة منها مصرف الريان القطري ، شركة إعمار الإماراتية ، مؤسسة سابك السعودية . إذا كان رحيل الشركات سابقة الذكر له علاقة بالطابع الاقتصادي المحض بسبب تداعيات الأزمة الإقتصادية وشدة المنافسة في السوق الجزائرية ، فإن رحيل '' جازي '' أو بيعها نهائيا يطرح علامات استفهام حول مؤسسة كانت ولا زالت أقوى مؤسسة في خدمات الهاتف النقال، تحصلت على رخصة استغلال التطور الحاصل في الجزائر من خلال عرض بلغ 737 مليون دولار متفوقة على الشركات الفرنسية والإسبانية وغيرها،وتحقق الحلم بدمقرطة قطاع الاتصالات اللاسلكية في الجزائر ،وتتحول معها مؤسسة موبيليس الى مؤسسة تخضع للإعتبارات التجارية بعدما كان من الصعب الحصول على رقم بالاشتراك أو بالدفع المسبق ومع دخول مؤسسة نجمة زاد التطور الحاصل في القطاع من خلال نمو هائل حيث احتلت الجزائر المرتبة الريادية في نمو القطاع على المستوى الإفريقي. من المؤكد أن قانون حق الشفعة جاء بعد فضيحة بيع مؤسسة أوراسكوم المصرية لمصنع الإسمنت بالمسيلة لشركة فرنسية '' لافارج '' دون علم الحكومة حيث استفاد المجمع المصري من الامتيازات الاستثمارية الجزائرية وباع المصنع بمبلغ خيالي في الوقت الذي لم تستفد الحكومة الجزائرية من عملية البيع ،وعلى هذا الأساس سعت الحكومة الى تغيير معاملاتها مع الشركات الاستثمارية ومنها مؤسسة '' جازي'' حيث طالبتها بتصحيح ضريبي قدر بأكثر من 006 مليون دولار عن سنوات 5002 و 6002 و7002 ، في انتظار سنتي 8002 و 9002 ورغم أن المسؤولين في جازي أكدوا مرارا أن الشركة ليست للبيع الا أن المفاوضات التي باشرتها الشركة الأم مع متعامل من جنوب إفريقيا أكدت أن هناك نية لبيع الشركة ويعتبر تدخل الحكومة الجزائرية في هذا الوقت بالذات تدخلا قانونيا لأن القوانين تغيرت وأن بيع '' جازي '' لن يكون نسخة مكررة لبيع مصنع الإسمنت ،ورغم هذا يعتقد البعض أن الإشكال سياسي أكثر منه اقتصادي بسبب ما وقع بين البلدين نتيجة لأحداث كرة القدم بين الجزائر ومصر و ما نتج عنها من تصريحات مست كرامة وشرف الجزائريين . بين الجزائر والعديد من الدول العربية اتفاقيات ومذكرات تفاهم من خلال اجتماعات اللجنة المشتركة ، وخلال السنة الجارية انعقدت العديد منها مع كل من سوريا وقطر وعمان وهذه الأيام مع الإمارات العربية المتحدة وفي كل مرة تطرح إشكالية حماية الاستثمارات العربية من تغييرات في الأنظمة والتشريعات والقوانين على الرغم من توقيع اتفاقيات عدم الإزدواج الضريبي وحماية الاستثمار ومجالس رجال الأعمال ولجان المتابعة والمراقبة والتنسيق ، لكن الى يومنا هذا لا زالت الوفود الاقتصادية تطرح علامات الاستفهام حول الخطاب الرسمي التطميني الداعي للاستثمار وتقديم تسهيلات وحينما تبدي تلك الدول الرغبة في الاستثمار بطريقة جدية وتطلب دراسات حول القطاعات التي ترغب الدولة الجزائرية أن تستثمر فيها تجد تداخلا في الصلاحيات وعراقيل بيروقراطية. ففي الوقت الذي تعالج فيه الدول الغربية ملفات المستثمرين الأجانب في مدة لا تتجاوز الأسبوع يبقى المستثمر الأجنبي والعربي خصوصا أكثر من ثلاث سنوات لم يتقدم قيد أنملة في مشروعه، يستأجر فيلا فخمة في أعالي العاصمة ويوظف بعض المستخدمين المحليين ويدفع الأجور وحتى الضرائب ويبقى ينتظر الموافقة النهائية والانطلاق في الأشغال وبعدها يعلن عن الانسحاب وهو ما وقع لشركة '' إعمار " وقد يقع '' للشركة الإماراتية الدولية للإستثمار '' في مشروع دنيا بارك الذي يعد حلما بالنسبة لجميع الجزائريين. فحينما تنظر للمجسمات ينتابك ذهول هل حقا يمكن أن يتحقق هذا المشروع في الجزائر ؟ هذا السؤال لا يطرحه المستثمر الأجنبي لأن هذا الحلم حقيقة تجسدت في أرض الواقع سواء في الإمارات أو الكويت أو عمان أو تركيا أو فرنسا أو بريطانيا ، فلماذا لا يتحقق والجميع يشاهد في عصر الهوائيات الفضائية والأنترنيت ما يعجز اللسان والقلم التعبير عنه . من المؤكد أننا لا زلنا نعيش حلما وهذا الحلم قد يتحقق وقد لا يتحقق يمكن أن ينجز في وقت قياسي ، كما يمكن أن يطول مثل مشروع المترو ،والكل يعلم أن المشاريع التي تنجز حاليا هي بفعل مخططات الاستثمار الحكومية الخماسية التي رصدت لها الحكومة الجزائرية مبالغ ضخمة بما فيها المخطط الحالي الممتد من 0102 الى 4102 وبين هذا وذاك يبقى الوقت وحده المتكفل بالإجابة عن مثل هذا النوع من الأسئلة.