كان التعديل الحكومي الأخير الأكثر ''إثارة للتساؤلات'' على الإطلاق مقارنة بالتعديلات التي اتخذها الرئيس على مر السنوات التي قضاها إلى غاية الآن في رئاسة الجمهورية لكونه جاء بتغييرات لم يكن أحد ينتظرها وجعل منصب نائب الوزير الأول المستحدث في التعديل الدستوري لسنة 8002 عمليا بتعيين نور الدين يزيد زرهوني أول الشاغلين له. من الناحية السياسية فإن هذا التعديل يفهم على انه جاء لإعطاء دفع لبرنامج الاستثمار المرصود له مبلغ ضخم لم يسبق للبلاد ان عرفته منذ استقلالها وهو 682 مليار دولار، فالحنكة السياسية تستدعي دائما اتخاذ خطوات لاحداث التحول المطلوب والظرف الحالي كان بحاجة الى هذا التغيير لنفخ روح في عمل الحكومة الملامة على انها لم تعرف منذ الاشهر الماضية حركية تعكس انها بصدد تطبيق وعود الرئيس بوتفليقة امام الشعب الجزائري في حملته الانتخابية لرئاسيات 9002 واتهمها البعض بالجمود. التغيير الحكومي الذي أجراه الرئيس كان بنفس الطرق السابقة أي انه جاء جزئيا ولم يكن شاملا وهو التقليد المألوف لدى الرئيس منذ التغيير الذي اجري في أوت 9991 عندما استقال احمد بن بيتور وخلفه علي بن فليس، وذلك في محاولة لإحداث النقلة المنتظرة. في قراءة متأنية للأسماء المغادرة وكذا للوافدين الجدد يتبين ان الرئيس بوتفليقة أراد ان يعالج وضعا قيل عنه الكثير خاصة بالنسبة للقطاعات التي كثر عنها الحديث في الأشهر الاخيرة وفي مقدمة تلك القطاعات الطاقة والمناجم. فمنذ تولى شكيب خليل هذا المنصب في اوت 9991 لم يغادره ابدا، بل اكثر من ذلك فقد ارتبط القطاع باسمه اكثر مما ارتبط خليل بالقطاع بالنظر الى تجربته في الولاياتالمتحدة وفي الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في قطاع المحروقات والنفط، ورغم ان امين عام الافلان عبد العزيز بلخادم يقول إن مغادرة خليل للحكومة غير مرتبطة بالتحقيقات القضائية في صفقات أبرمتها شركة سوناطراك، الا ان هذا التفسير يبدو سياسيا اكثر منه اقرب للواقع، فهناك شبه إجماع في الساحة على ان تضحية الرئيس به نابع من كون استمراره يعني الإضرار أكثر بالقطاع وسمعة البلاد وشكيب خليل نفسه تحدث عن ضرر أصاب الجزائر في الخارج جراء تلك الملفات. وإذا كان خروج خليل من الحكومة يجد تفسيرا مقبولا إلا أن تعيين نور الدين يزيد زرهوني نائبا للوزير الأول طرح ويطرح أكثر من تساؤل، فهناك من يرى أن تعيينه في منصب نائب اول للوزير الأول يعد تشريفا له باعتباره أول شخصية تتبوأ هذا المنصب، فإن بعض المتتبعين يرون في مغادرته لوزارة الداخلية نهاية عهد ''زرهوني'' وهو الذي شغل ذلك المنصب منذ غادره عبد المالك سلال في ،9991 وما تعيينه هذا الا مقدمة لخروجه كلية من الحكومة كون المنصب الجديد سيحد من تدخله في عملها مقارنة بوزارة الداخلية التي يعد دورها محوريا وتتولى تسيير ملفات في غاية الأهمية منها في الوقت الراهن جواز السفر وبطاقة التعريف البيوميتريان. ولكن العارفين لشخصية زرهوني يؤكدون ان منصبه الجديد سيمكنه من ان يحتل مكانة متقدمة في اداء الحكومة ومن ثمة تعزيز سلطته داخل الجهاز التنفيذي. كما ان إسناد وزارة الداخلية إلى شخصية كانت قريبة من وزير الداخلية ممثلة في دحو ولد قابلية رئيس جمعية قدماء وزارة التسليح والاتصالات العامة(المالغ) يؤكد ان شيئا لم يتغير بالنسبة لحقيبة الداخلية التي تعد من اهم الحقائب الوزارية. والتغيير المثار للتساؤل أيضا هو رحيل وزير حركة مجتمع السلم الهاشمي جعبوب من الحكومة وليس من حقيبة التجارة فقط، ولكن بالنسبة لابن المدرسة العليا للادارة فان مغادرته هذه تبدو منطقية بعد مجلسين وزاريين يكون الرئيس قد صب فيه جم غضبه على اداء قطاعه فيما يخص ضبط السوق، وهي المسألة التي كادت في أكثر من مرة ان تحرك الشارع الجزائري بسبب الارتفاع الجنوني لمختلف أسعار المواد الاستهلاكية دون ان يوجد لذلك اي تفسير باستثناء التحجج بقاعدة العرض والطلب. ومن جهة اخرى يعكس رحيل حميد بصالح وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بعد اشهر فقط من توليه هذه الحقيبة حساسية هذه الوزارة وكذا الملفات المرتبطة بها حيث لم ينجح هو الآخر كما سابقه بوجمعة هيشور في المضي في تنفيذ مشروع الحكومة الالكترونية إضافة الى سوء ادارة ملف شركة جازي. وأما بالنسبة لقطاع الاتصال الذي عاد للافلان هذه المرة بعدما استرجعه الارندي في التغيير الماضي بعد تنحية عبد الرشيد بوكرزازة فيبدو ان الرئيس بوتفليقة من خلال تعيين مدير وكالة الانباء الجزائرية يريد اعطاء دفع لكل المشاريع المتوقفة من اعتماد لبطاقة الصحفي وتعديل قانون الإعلام وهو الذي وعد في خطابه أثناء أداء اليمين الدستورية بعهد جديد في قطاع الإعلام. واللافت للانتباه في التعديل الحكومي الجديد هو دخول وجوه تقنوقراطية كثيرة من امثال محمد بن مرادي المدير العام للوكالة الوطنية للأملاك العمومية الذي اسندت له حقيبة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والسياحة وكذا تنصيب سيدي علي بوكرامي الخبير المالي الدولى كاتبا للدولة مكلفا بالإحصاء تابعا لوزارة الاستشراف والتخطيط الموكلة لحميد تمار المجرد هذه المرة من وزارة الاستثمار. ولم يات تغيير تمار من حقيبة ترقية الاستثمار بدعوى الاستجابة لطموحات لويزة حنون كما يعتقد البعض، ولكن لكون الحكومة في الوقت الراهن لم تعد في الحقيقة مع شروعها في تطبيق سياسة الحمائية الاقتصادية تولي أهمية لمشاريع الخصخصة، فالوزير تمار سيكون مهمته في عملية الاستشراف اكبر مقارنة بالحقيبة السابقة. ومهما يكن من امر فإن متتبعين يرون في الحكومة الجديدة ''عمرا قصيرا'' حيث ما يلبث الرئيس ان يقوم بتغييرها لأهداف جديدة قد تكون مرتبطة بضرورات أخرى.