مع بداية شهر جوان، يبدأ العد التنازلي لبداية موسم الحصاد بالنسبة للمتمدرسين في الأطوار الابتدائية والمتوسطة والثانوية والطلبة الجامعيين في جميع التخصصات، فضلا عن الامتحان الذي سيجتازه اشبال سعدان في جنوب إفريقيا بعد عمل شاق طيلة السنة توج بتأهل الفريق الوطني الى نهائيات كأسي إفريقيا والعالم وبلوغ الجزائر المرتبة الرابعة إفريقيا في الدورة الأخيرة.والمؤكد أن نسبة هامة ستحصد نتائج إيجابية كما هو الحال في شهادة التعليم الابتدائي حيث بلغت النسبة أكثر من 70 بالمئة، ويقابل النجاح الفشل كدرس للبعض وبداية التحول للبعض الآخر. خلال شهر نوفمبر من 2009 حينما كانت الحرب الإعلامية على أشدها بين الجزائر ومصر بسبب التصفيات المؤهلة لكأسي العالم وإفريقيا، انشغل الطلبة والمتمدرسون بالتفاصيل وأخبار الفريق الجزائري وتعليقات الفضائيات المصرية، وقد لاحظنا أن الاهتمام الأكبر بالجزئيات قد يؤدي الى انشغال الطلبة والمتمدرسين عن التحصيل الدراسي، وحتى الأساتذة لاحظوا أن نتائج الثلاثي الأول كانت كارثية وحتى نتائج السداسي الأول في الجامعات كانت كارثية، مما يعني أن الاهتمام بكل التفاصيل وكثرة مشاهدة برامج التلفزة يؤدي الى الرسوب المدرسي وتراجع المستوى الدراسي، ومع مرور الوقت وتراجع مستوى الفريق الجزائري من خلال المقابلات الودية التي أجراها مع كل من صربيا وإيرلندا والإمارات العربية المتحدة وقبلها الانهزام أمام مصر في نصف النهائي من كأس إفريقيا، فضلا عن الانهزام أمام نيجيريا للحصول على المرتبة الثالثة تراجع مستوى الاهتمام الشعبي بأخبار الفريق الجزائري، كما تراجعت نسبة مشاهدة الأفراد الجزائريين للقنوات الفضائية المصرية، الأمر الذي ساعد نسبيا على التركيز العلمي، والمؤكد أن تقديم امتحانات الأطوار الثلاثة الابتدائي والمتوسط والثانوي قبل موعد بداية العرس الكروي العالمي في جنوب إفريقيا يسمح للأولياء بالتنفس في انتظار النتائج الإيجابية، لكن على مستوى الجامعات هنالك وفي نفس الفترة تبدأ الامتحانات الشمولية للطلبة الذين لم ينجحوا في الامتحانات العادية، ومن المؤكد أنها امتحانات صعبة لأنها تتضمن كل المقرر السنوي من بداية السنة الجامعية الى نهايتها وفترة المراجعة قصيرة لا تتعدى أسبوعا، وفي أغلب الجامعات المحترمة نسبة النجاح في الامتحانات العادية الحقيقية لا تتعدى 40 بالمئة، مما يعني أن المأمورية صعبة ومعادلة النجاح تخضع لعوامل أخرى ومتغيرات خارجية. لقد قيل الكثير عن الإصلاحات في قطاع التربية الوطنية وتغنى الخطاب الرسمي لوزارة التربية بنجاح الإصلاحات من خلال نسب النجاح الباهرة في امتحانات التعليم المتوسط وامتحانات شهادة البكالوريا، في نفس الوقت ورغم تسجيل نسب النجاح في الجامعات وكثرة مناقشة مذكرات التخرج لنيل شهادة الليسانس وارتفاع عدد المناقشين لشهادة الماجستير ونسبيا شهادة الدكتوراه، إلا أن الملاحظ أن هذا التطور الكمي لم يصاحبه تطور نوعي، ففي علوم الإعلام والاتصال لاحظنا أنه على الرغم من الأعداد الهائلة المتخرجة سنويا من أقسام الإعلام على المستوى الوطني يجدون صعوبات كبيرة في التأقلم ضمن الحياة المهنية كصحفيين محترفين، والعديد منهم لم يتمكن من فرض جدارته بالشهادة في الميدان الإعلامي، والقلة القليلة تتمكن بشق الأنفس من فرض وجودها بعد سنوات من الجهد وإعادة التكوين والرسكلة والتمهين الميداني، والأمر سيان بالنسبة للتخصصات الأخرى إذا تعلق الأمر بمهن تنتمي للقطاع الخاص الذي يطالب بالنوعية أكثر مما يطالب بالكم الذي لا يزال يمتص من طرف المؤسسات العمومية وقطاع الوظيف العمومي لأنها مؤسسات غير تنافسية تستمد قوتها من قوة خزينة الدولة التي تستمد قوتها من قوة سلطة النفط وتقلبات السوق. إن سر النجاح على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الجماعات هو نجاح نسبي إذا ارتبط بعوامل غير موضوعية، لأن الواقع الاجتماعي التنافسي حتى وإن لم يكن يخضع لقوى موضوعية شفافة لكنه بالنسبة للأغلبية الساحقة ضروري، خصوصا أن تلك الأغلبية لا تعتمد على النفوذ لولوج عالم الشغل في ظل قواعد اقتصاد السوق التي لا تعترف الا بالمؤهل، أما الخدمات الاجتماعية فلا زالت موجودة ما دام البترول موجودا، ولكنها لن تبقى الى الأبد لأن المستقبل لمن ينتج عوالم مادية وغير مادية.