توطئة تختصر قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عذابات الشعب الفلسطيني كلّه. لكنها، في الوقت نفسه، تُبرز إلى العلن أيضاً الهمجية الإسرائيلية التي لا تقيم للقوانين وللأعراف الإنسانية أيّ وزن، بل وتضرب بها عرض الحائط. فمنذ احتلال الكيان الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية عام 1967 وفرض سيطرته الكاملة على الأراضي الفلسطينية، لجأ إلى اعتماد سياسة الاعتقالات الجماعية للمواطنيين الفلسطينيين. وقد طاولت هذه الاعتقالات مختلف الأعمار، ولم تُميّز بين صبي وامرأة وشيخ وعجوز وشاب. وتشير التقارير إلى أن أكثر من مليون فلسطيني قد اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو جرى توقيفهم منذ العام 1967، في كافة المناطق الفلسطينيةالمحتلة. ووفق تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن من بين المعتقلين منذ العام 1967، يوجد أكثر من 12 ألف مواطنة وعشرات الآلاف من الأطفال؛ ولم تقتصر الاعتقالات على الأحياء فقط، وإنما شملت الأموات، حيث لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز عشرات الجثامين لشهداء وشهيدات استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى ولمئات الجثامين لشهداء استشهدوا في السنوات التي سبقتها. ووفق الإحصاء الفلسطيني، فإنه منذ بدء انتفاضة الأقصى في 28 أيلول / سبتمبر 2000، سُجلت أكثر من 70 ألف حالة اعتقال، من بينها قرابة 8 آلاف طفل، وعشرات النوّاب ووزراء سابقين، وأكثر من عشرين ألف قرار اعتقال إداري، ما بين اعتقال جديد وتجديد الاعتقال، و850 مواطنة، منهن أربع أسيرات وضعن مواليدهن داخل السجن خلال انتفاضة الأقصى، وجميعهن تحرّرن من الأسر... كما استشهد منذ العام 1967 أكثر من 200 أسير داخل السجون الإسرائيلية، نتيجة التعذيب والإهمال الطبّي والتصفية المباشرة بعد الاعتقال، أو إطلاق النار المباشر عليهم من قِبل الجنود والحرّاس وهم داخل السجون. ومن هؤلاء الشهداء 70 معتقلاً استشهدوا نتيجة التعذيب، و51 معتقلاً نتيجة الإهمال الطبّي، و 74 معتقلاً نتيجة القتل العمد والتصفية المباشرة بعد الاعتقال، و7 أسرى استشهدوا نتيجة إطلاق النار المباشر عليهم من قِبل الجنود والحرّاس وهم داخل السجون... في بحثنا هذا سوف نتناول قضية الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وخرق الكيان للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية. وكذلك نتناول الإجراءات التعسفية وصنوف التعذيب التي يتعرّض لها هؤلاء الأسرى الأطفال خلال الاعتقال، وأثناء التحقيقات، مع عرض شهادات عن التعذيب، وكذلك آثار ما بعد الاعتقال على هؤلاء الأسرى، نفسيًا واجتماعيًا.. وعلى الرغم من استمرار "إسرائيل" في جرائمها ضدّ الشعب الفلسطيني، إلاّ أن ذلك لم يُثن الشعب الفلسطيني عن الاستمرار في المقاومة والصمود الرائع. وإن المعارك التي يخوضها المعتقلون الفلسطينيون في كلّ فترة هي عنوان جديد من عناوين البطولة التي سيُشرق من خلالها فجر الحريّة. ولذلك، فإن قضية المعتقلين، وعذاباتهم، تبقى جرحاً مفتوحاً، لن يُغلقه إلاّ زوال الاحتلال عن كل الأرض الفلسطينية. خرق القوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية اعتمدت "إسرائيل"، كدولة احتلال، سياسة التكييف القانوني لمصالحها السياسية والأمنية، وسنّت الأوامر العسكرية لفرض السيطرة على حياة السكان الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال بدون الالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني، والتي كان من المفروض أن تشكّل الإطار القانون الأساسي لترتيب تعامل دولة الاحتلال مع المواطنين الفلسطينيين وواقع حياتهم تحت الاحتلال. ففرضت المحاكم العسكرية سطوتها على كافة جوانب حياة الفلسطينيين، منذ أيلول (سبتمبر) 1967. وبدأت سلطات الاحتلال بتطبيق أحكام قانون الطوارئ البريطاني للعام 1945، على المعتقلين الفلسطينيين؛ بالإضافة لجملة من الأوامر العسكرية التي استحدثتها لخدمة سياستها الاحتلالية، إلى قانون "تامير" الذي يسمح بالاعتقال الإداري دون توجيه أيّ تهمة للمعتقل، ثم أخيراً قانون "المقاتل غير الشرعي" الذي تم تطبيقه على بعض المعتقلين، ومنهم من أنهى مدة حكمه في المعتقلات الإسرائيلية دون أن يطلَق سراحه بحجة خضوعه من جديد لذلك القانون! وأعلنت سلطات الاحتلال، في بداية مرحلة الاحتلال عام 1967، أنها ستطبّق "اتفاقيات جنيف" على الوضع الفلسطيني، وأن احتلالها مؤقّت جاء من باب الدفاع الشرعي لحماية أمنها، إلاّ أنها في نفس العام سرعان ما تنكّرت لتلك التصريحات، وأعلنت بأن "اتفاقيات جنيف" لا تنطبق على الأراضي الفلسطينية، ومن ثمّ بدأت بتطبيق قانون الطوارئ البريطاني لعام 1945. ثم أخذت بإصدار القرارات العسكرية دون أيّ ضوابط أو معايير دولية . وفي الإجمال، لا يمكن تعميم سبب واحد للاعتقال على كافة حالات الاعتقال التي تنفّذها سلطات الاحتلال. فالقليل من الأسرى تم أسرهم أثناء عمليات للمقاومة، وهم بذلك يخضعون لاتفاقية جنيف الثالثة بشأن الأسرى والمؤرّخة في عام 1949. والكثير من المعتقلين تم اعتقالهم على خلفية انتمائهم لفصائل مقاومة ولكن ليس أثناء عمليات المقاومة، وهؤلاء يخضعون إلى اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاع المسلح أو الاحتلال، والبعض تم اختطافه ثم وُجِّهت له بعض التهم، والبعض تم أخذهم كرهائن كما هو الحال بالنسبة للوزراء والنواب، وهؤلاء ضحايا لجريمة حرب استنادًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهناك من لم يتم توجيه تهمة محددة له، بالإضافة إلى بعض المحتجزين تحت مسمى مقاتل غير شرعي، وهذين الصنفين من المعتقلين هم ضحايا لجرائم حرب يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي . ومن خلال الوقوف على الشروط الواردة بشأن الأسرى في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة، فإن هذه الشروط لا تنطبق على المعتقلين الفلسطينيين. وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الرابعة هي التي تنطبق على غالبية المعتقلين في السجون الإسرائيلية وليس الاتفاقية الثالثة. ولذلك، فإن هناك حالة واحدة يمكن القول إنها تنطبق بحقّ جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، وهي كونهم ضحايا جريمة حرب، وذلك بسبب انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلي لقواعد القانون الدولي الإنساني المتمثلة في اتفاقيات جنيف، وذلك استناداً لما ورد في المادة (8/2) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث ذكر النص أنه "لغرض هذا النظام الأساسي تعني "جرائم الحرب" الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرّخة 12 آب / أغسطس 1949، أيّ أيّ فعل... ضدّ الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة .... " أما بالنسبة للأطفال الأسرى الذين تعتقلهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تحرمهم من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية. هذه الحقوق الأساسية يستحقّها المحرومون بغضّ النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم وديانتهم، وتشتمل: الحق في عدم التعرّض للاعتقال العشوائي، الحق في معرفة سبب الاعتقال، الحق في الحصول على محامي، حق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، الحق في المثول أمام قاضي، الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل. وأكدت المادة 77 من الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف، المقرّ في حزيران / يونيو 1977، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلّحة، لدى تطرّقها إلى قضية حماية الأطفال، على ما يلي: "يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص، وأن تُكفل لهم الحماية ضدّ أية صورة من صور خدش الحياء. ويجب أن تُعِدَّ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليهما.. ويجب وضع الأطفال في حالة القبض عليهم، أواحتجازهم أواعتقالهم، لأسباب تتعلق بالنزاع المسلّح، في أماكن منفصلة عن تلك التي تُخصّص للبالغين". وورد في المادة 37 من "اتفاقية حقوق الطفل"، التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989، وصادقت "إسرائيل" عليها في عام 1991، ما يلي: "تكفل الدول الأطراف: ألاّ يتعرض أيّ طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ولا تُفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم، وألاّ يُحرم أيّ طفل من حريّته بصورة غير قانونية أو تعسفية. وورد في المادة 16 من الاتفاقية نفسها: "لا يجوز أن يجري أيّ تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أُسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أيّ مساسٍ غير قانوني بشرفه أو سمعته. [و] للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أوالمساس" . ولكن لا تلتزم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهذه القوانين الدولية. وهي قرّرت منذ العام 1967 عدم خضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين لاتفاقية جنيف الثالثة على الرغم من توقيعها عليها، الأمر الذي جعل الأسرى والمعتقلين تحت سياط القرارات العسكرية التي لا تخضع إلى أيّ ضوابط أو معايير دولية. ويشكّل اعتقال الأطفال الفلسطينيين من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خرقاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية والاتفاقيات الخاصة بحماية حقوق الطفل، وخصوصاً اتفاقية الطفل المادة (16) التي تنصّ على أنه: "لا يجوز أن يجري أيّ تعرّض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أيّ مساسٍ غير قانوني بشرفه أو سمعته". ورغم ذلك، فإنَّ الاحتلال مستمر في اعتقال الأطفال الفلسطينيين الذين يُعانون في المعتقلات من أوضاع معيشية بالغة السوء؛ والأشدّ سوءً أن هذا الكيان يُعتبر الوحيد في العالم الذي يُحاكم الأطفال الفلسطينيين في المحاكم العسكرية، وذلك على الرغم من أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل، شدّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في النموّ والتطوّر، وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حرّيتهم، وجعلت منه "الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة". إلاّ أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول لها . التحوّل في التعامل مع الأطفال الأسرى ذكرت هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين أنه منذ عام 2000، وحتى الربع الأخير من العام 2015 اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 8500 طفل فلسطيني. وقد حاكمتهم أمام المحاكم العسكرية، ووجّهت لغالبيتهم تهمة إلقاء الحجارة؛ وصدرت بحقّهم أحكام تراوحت بين المؤبّد والغرامات المغلظة، وبينهما أحكام بسنوات متفاوتة. هذا فضلاً عن المعاملة القاسية التي يلاقيها هؤلاء الأطفال داخل السجون الإسرائيلية، من ضرب وتعذيب وإهانات وحرمان من التعليم والعلاج والترويح، وتنشئتهم في مناخ السجن الموحش وغير الآدمي، بما فيه من مخالطة للمجرمين والجنائيين اليهود، وعزلهم عن البيئة الخارجية ومكوّناتها التربوية والأسرية السويّة والملازمة لهذه الحقبة العمرية، مخالفة بذلك الاتفاقات الدولية المتعدّدة التي تشدّد على ضرورة توفير الحماية للأطفال. إلاّ أن سلطات الاحتلال تتغافل عن هذه الحقوق وتتعامل مع الأطفال الفلسطينيين كمشروع "مخرّبين". وإذا كان القانون الدولي يعتبر سنّ الطفولة هو ما دون الثامنة عشر، إلاّ أن "القانون الإسرائيلي" يعتبر الطفل الفلسطيني الذي بلغ الرابعة عشر أصبح ناضجاً. ولا تتورّع سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن اعتقال الأطفال من عمر الثانية عشر وحتى الثامنة عشر، والقيام بالزجّ بهم في معتقلاتها وتقديمهم للمحاكمات . وقد خصّت الدول منفردة الأطفال بالرعاية الشاملة وسعت من أجل تنشئتهم تنشئة سليمة عبر ضمان الخدمات الأساسية لهم مجّاناً، وبدون تمييز بين طفل وآخر، وفقاً للمادة (2) من اتفاقية حماية الطفل. بل واعتبرت بعض الدول في قوانينها أن الإحجام من قِبل الأُسرة عن منح الطفل الفرصة للاستفادة من هذه الخدمات بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون . وتخالِف سلطات الاحتلال جميع هذه القوانين، وتستند في تعاملها مع قضية الأطفال الفلسطينيين الأسرى إلى جملة من الأوامر العسكرية، من أهمها أربعة أوامر عسكرية، هي: 1- الأمر العسكري رقم 132، الصادر في 24 أيلول/سبتمبر 1967، والذي يعرّف "الطفل" الفلسطيني بأنه شخص دون سن السادسة عشرة، وذلك في تعارض مع نصّ المادة رقم "1" من "اتفاقية حقوق الطفل" التي تُعرّف الطفل بأنه كلّ إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة، ومع القانون الجزائي الإسرائيلي الذي يعرّف "الطفل" الإسرائيلي بأنه شخص دون سن الثامنة عشرة . ويسمح هذا الأمر لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن الثانية عشرة، بموجب الاعتقال الإداري، لمدّة ستة أشهر ومن دون تهم محدّدة. 2- الأمر العسكري رقم 378، الذي يتضمن بشكل أساسي القانون الإجرائي والجنائي المعمول به في المحاكم العسكرية، ويشمل الجرائم التالية: تدمير منشأة لقوات الجيش الإسرائيلي، أو حيازة أسلحة نارية أو متفجرات عقوبة أقصاها السجن مدى الحياة. المشاركة في عضوية مجموعة تسبّب أحد أعضائها بالموت المتعمّد عقوبة أقصاها السجن مدى الحياة. إلقاء أجسام، بما فيها الحجارة، على شخص أو ممتلكات - عقوبة أقصاها السجن عشر سنوات. وكانت التهمة الأكثر شيوعاً التي وجّهت للأطفال الفلسطينيين في المحاكم العسكرية الإسرائيلية، في عام 2009، إلقاء الحجارة. وبموجب هذا الأمر العسكري، يمكن احتجاز الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، لمدّة تصل إلى ثمانية أيام قبل مثولهم أمام قاض عسكري، بينما ينبغي عرض "المواطنين" الإسرائيليين أمام قاض في غضون 24 ساعة. 3- الأمر العسكري رقم 1591، الذي يجيز احتجاز أشخاص، بمن فيهم الأطفال، في الاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة. 4- الأمر العسكري رقم 1644، الذي أنشِئت بموجبه محكمة أحداث عسكرية في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2009 . أما بخصوص الأطفال الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم من مدينة القدس، ف"إسرائيل" تطبق عليهم القانون الإسرائيلي للأحداث لسنة 1971، والذي يُلزم المحكمة باتخاذ الإجراءات والوسائل كافة للامتناع عن اعتقال الأطفال أو التمادي في اعتقالهم.. وقد أحدثت محاكم الاحتلال تغييراً جوهرياً في سياستها بالتعامل مع الأطفال المعتقلين من مدينة القدس، في أعقاب المظاهرات والمواجهات التي اندلعت في أحياء المدينة المحتلّة عقب جريمة اختطاف وحرق الطفل محمد أبو خضير. ففي النصف الأول من العام 2014، كانت المحكمة تقضي بالإفراج عن الأطفال الذين يتعرّضون للاعتقال بادّعاء إلقائهم الحجارة، والمشاركة في مواجهات دون انتظار لتقرير ضابط السلوك، استناداً إلى البند 10 (أ) من قانون الأحداث الإسرائيلي للعام 1971 المطبّق على القاصرين المقدسيين. ولكن بعد النصف الثاني من العام المذكور، لم يعد هذا الأمر مطبّقاً على القاصرين المقدسيين. ولم يكن هذا التغيير الوحيد. ففي السابق، كانت الأحكام على القاصر الذي يُتّهم بإلقاء الحجارة دون إيقاع إصابة تتراوح ما بين عدم الإدانة أو الإدانة مع وقف التنفيذ، مع غرامة مالية ويُطلق سراحه. أما بعد 12 حزيران، فأخذت المحكمة تقضي بإدانة الطفل وسجنه ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر ونصف . ويقول محامي مؤسسة الضمير، الأستاذ محمد محمود، عن اختلاف الأحكام القضائية بحقّ الأطفال المقدسيين: "منذ العام 2010 إلى نهاية العام 2013، كانت المحكمة الإسرائيلية تقرّر الإفراج عن القاصر الذي يُتّهم بإلقاء الحجارة دون إصابة قبل صدور تقرير ضباط السلوك. وكان الحكم يصدر بعدم الإدانة بمعالجة قانونية حسب قانون الأحداث للعام 1971، وتحديداً البند (10/أ)، مع غرامة مالية تتراوح قيمتها ما بين 1000-4000 شيكل. وفي أواخر العام 2013 قدّمت النيابة الإسرائيلية استئنافاً للمحكمة المركزية في القدس، بغرض تشديد العقوبة على مُلقي الحجارة. وقبلت المحكمة الاستئناف، واستطاعت من خلاله إصدار قرار يشدّد من العقوبة القضائية على مُلقي الحجارة. ومن هنا بدأ التغيير لجهة إدانة الطفل المتزامنة مع وقف التنفيذ والغرامة المالية . ومع بداية العام 2014، استمرّ الحال على هذا النحو، إلاّ في بعض الحالات الاستثنائية، ومنها عدم قدرة الأهل على تسديد مقدار الغرامة أو رفض الطفل عقوبة الحبس المنزلي وتفضيله السجن الفعلي بدلاً منها. في هاتين الحالتين فقط كان يتم سجن الطفل". ويضيف المحامي محمد المحمود: "وفي خضم حملة الاعتقالات الواسعة التي شنّتها قوات الاحتلال عقب مقتل الطفل أبو خضير، بدأت المحاكم الإسرائيلية في تغيير سياساتها القضائية. فلم تعد توافق على طلبات إخلاء سبيل الأطفال قبل صدور تقرير ضابط السلوك الذي يستغرق 20-25 يوماً، ودون أن يتم الإفراج عنهم عقب صدور التقرير، الأمر الذي جعل الأهالي يفّلون عدم انتظار صدوره، ومطالبة المحامين بعقد صفقات مع النيابة تقضي بسجن الطفل ما بين شهرين وثلاثة شهور، وتجنّب إجراءات سماع الشهود التي تستغرق مدّة تزيد على أربعة أو خمسة شهور. وهذا الأمر الذي أفضى عملياً إلى سجن العديد من الأطفال بزعم ارتكابهم مخالفات أمنية لم يتم التحقق من وقوعها، أو من ارتكابهم لها. واليوم، لا تقبل المحكمة في المرحلة القضائية التي تسبق الإدانة، الإفراج عن الطفل إلى منزله، بل يكون القرار بالحبس المنزلي بعيداً عن مكان سكناه، ولا يُسمح له بالذهاب إلى المدرسة، إضافة إلى غرامة مالية" . وبشكل عام، يُحرم الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي من صفتهم كأسرى حرب، ومقاتلين من أجل الحريّة. وبهذا فهم يُحرمون من الحماية المقرّرة لهم وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبدل ذلك تجري معاملتهم وفق لوائح خاصة صادرة عن مصلحة السجون الإسرائيلية خاصة "بالسجناء الأمنيين"، ولا تكتفي لوائح مصلحة السجون الإسرائيلية بنزع الشرعية عن نضال الأسرى وقضيتهم العادلة، بل تذهب إلى حد هدر إنسانيتهم وكرامتهم. وعند النظر في "لوائح مصلحة السجون الإسرائيلية الخاصة بالسجناء الأمنيين"، وفي مقدّمتها "قواعد عمل بخصوص السجناء الأمنيين 00/02/03، للعام 2008"، يتّضح أن مفهوم "القانون" لدى السياسيين ومتّخذي القرار في مختلف المؤسسات والدوائر الإسرائيلية يتسم بالأداتية (instrumental concept of law)، الأمر الذي يجعل من القانون أداة لتنفيذ أهداف معيّنة، لا معياراً أخلاقياً يعكس قيماً ومعايير اجتماعية، لكونه مجرّد أداة يتم تغييره حين لا يلائم الأهداف الحالية. من هذا المنظور، يجب النظر إلى لوائح مصلحة السجون الإسرائيلية الخاصة بالأسرى الفلسطينيين لتوضيح هذا الدور الأداتي. وهذا ما يفسّر رفضها الاعتراف بانطباق اتفاقيات جنيف على الأرض الفلسطينيةالمحتلة وعلى الأسرى الفلسطينيين، ويجري استخدام تعبير امتيازات وليس حقوق لتسهيل عملية سحب هذه الحقوق باعتبارها امتيازات مردّها حسن النيّة، وليس الاعتراف بإنسانية الأسير وحقوقه . وتؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية أن النظام القانوني الإسرائيلي، بشقّيه المدني والعسكري، يسمح باستمرار التعذيب، ويحول دون تحقيق المساءلة القانونية، حيث أنه على الرغم من تقديم أكثر من 700 شكوى ضدّ التعذيب خلال العقد الماضي، لم يُفتح تحقيق جنائي في أيٍّ من هذه الشكاوى. وبالتالي لم تُوجّه لوائح اتّهام، ولم تتم مقاضاة أو إدانة أيٍّ من محقّقي جهاز الأمن العام الإسرائيلي . وخلافاً لما تنصّ عليه اتفاقية حقوق الطفل، من ضرورة معاملة الأطفال الأسرى بطريقة تراعي احتياجاتهم وسنّهم، فإن سلطات الاحتلال لا تأخذ بعين الاعتبار حداثة سنّ الأطفال الأسرى. إذ لا يتم الفصل بين البالغين والأحداث، أو يُسجن الأطفال الفلسطينيون مع الأحداث الجنائيين الإسرائيليين. وتغدو هذه المعاناة أصعب حين يتعرض الأطفال لما يتعرض له الكبار، من تعذيب ومن إهانات مختلفة متعمدة. وبالرغم من قرار السلطات الإسرائيلية سنة 1997، الذي يُقَّرُ بحقّ الأطفال الفلسطينيين الأسرى بالتعليم. فقد ظلّت إدارة السجون الإسرائيلية تمارس منع الأطفال الأسرى من حقّهم في التعليم بشتّى الطرق، من خلال مصادرة الكتب، والتضييق على فرص التعليم . ووقّعت دولة الاحتلال، كما بقيّة الدول التي وقّعت وصادقت على الاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م. وهي اتفاقية مُلزمة لها وواجب عليها تطبيقها، وفق ما جاء في نصّ المادة (146) من اتفاقية جنيف الرابعة والمخالفات التي تُعتبر جرائم، والتي نصّت عليها المادة (147) من الاتفاقية نفسها. وعندما أنشأت إتفاقية حقوق الطفل آليّة دولية لمراقبة تطبيق حقوق الطفل، وهي لجنة الطفل، فإن هذا لا يعني أن ضمانات حماية هذه الحقوق تقتصر على اللجنة وحدها. وذلك لأن حقوق الطفل تناولتها الإتفاقيات العامة لحقوق الإنسان الدولية والإقليمية على حد سواء. كذلك، فإن القانون الدولي الإنساني أسبغ حمايته على الأطفال بشكل خاص. وبالتالي، فإن وسائل حماية حقوق الطفل في القانون الدولي تتعدّد، حيث يستفيد الطفل من أعمال الهيئات والمنظمات الدولية المعنيّة بنشر وكفالة حقوق الإنسان. ومن المتصوّر أيضاً أن مراقبة تطبيق حقوق الطفل تدخل في اختصاص اللجان التي أنشأتها اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية. وإذا كانت حقوق الإنسان هي قِيم ومبادئ عالمية، فإن الإحترام الدقيق لحقوق الطفل هو بمثابة حماية جماعية ينبغي تحقيقها باستخدام كافة الوسائل المتاحة على المستويين الدولي والاقليمي . وتكمن مسؤولية الاحتلال في شقّين؛ شق إنساني وشق قانوني: الشقّ الإنساني: هو احترام حياة ومعتقدات وحريّة ألأسير وعدم الاعتداء عليه، ولا على كرامته، وأن يُعامَل معاملة إنسانية غير حاطّة بالكرامة، وأن لا يتعرض للتعذيب الجسدي أو النفسي لانتزاع اعترافات منه، كما له أن يكون آمناً على نفسه. الشقّ القانوني: وهي مسؤولية الاحتلال بتطبيق كافة القوانين والأعراف والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تنصّ على حماية حقوق وحريّة الأسير، وأن يُقدَّم لمحاكمة عادلة وأمام محكمة مشكّلة تشكيلاً قانونياً وغير متحيّزة ونزيهة، وأن لا يجبر على الاعتراف بشيءٍ أو بفعلٍ لم يقترفه . إن المخالفة الصريحة للقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الأسرى، لا تزال مستمرّة. وأحد أمثلتها تمثّل بإصدار قانون من الكنيست الإسرائيلي عام 2009، ويقضي بإيجاد محاكم خاصة بالأطفال. وقد تم افتتاح هذه المحاكم في سجن "عوفر". وهذا أحد أوجه السلوك المناقض تمامًا للقانون الدولي ولميثاق "جنيف" الرابع الخاص بالأطفال الأسرى، الذي ينصّ على عدم جواز اعتقال أو حجز الأطفال دون سن الثامنة عشر. تعذيب الأطفال أثناء الاعتقال عمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقب احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، إلى تكثيف عمليات اعتقال الأطفال الفلسطينيين. وكثّفت عمليات الاعتقال هذه خلال سنوات الانتفاضة الأولى، التي اندلعت في كانون الأول/ديسمبر 1987. وكانت "تهمة" معظم الأطفال المعتقلين في تلك السنوات إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال ومركباته. ثم جعلت من عملية اعتقال الأطفال عملية ممنهجة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000، وصارت تلجأ، أكثر فأكثر، إلى الاعتقال الإداري بحقّهم. كما قامت بإدانة وسجن أطفال تقلّ أعمارهم عن 14 عاماً. إن هذه الممارسات الإسرائيلية تخالف بشكل صريح الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدًا اتفاقية حقوق الطفل، التي شدّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في البقاء والنمو. وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حريّتهم، وجعلت منه "الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة". لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأوّل لها، ضاربة بعرض الحائط الضمانات التي تقدّمها المواثيق والمعاهدات الدولية، ومتنكّرة للحماية التي توفّرها أكثر من27 اتفاقية دولية للأطفال، فتعاملت معهم "كمشروع مخرّبين"، وأذاقتهم أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة من ضرب وشبح وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم، وحرمان من الزيارة. واستخدمت معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات بالقوّة، ما يؤثّر سلبًا على طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم؛ فيخرجون من المعتقلات وهم يشعرون بكثير من الغضب والكراهية، والرغبة بالانتقام من الاحتلال. ويتعرّض الأطفال الأسرى لكلّ أشكال التعذيب والانتهاكات المخالفة لأبسط القوانين الإنسانية، منذ لحظة الاعتقال وحتى وصولهم إلى مراكز التوقيف أو التحقيق، ومن هذه الانتهاكات: تحطيم أبواب البيوت أثناء عمليات الاقتحام، واستخدام الكلاب في إجراء التفتيش ممّا يُرهب الأطفال، ووضع الأطفال خلال عملية التفتيش للمنزل التي تستمر ساعات، في البرد الشديد خلال فصل الشتاء، وتقييد الطفل الأسير أمام والديه، والاعتداء عليه بالضرب فور الاعتقال، وخلال عملية النقل إلى مراكز التحقيق. يقول عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، إن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تستثنِ الأطفال يومًا من اعتقالاتها، أكانوا ذكوراً أم إناثًا، ولم تراعِ صغر سنّهم، ودون أن تلبّي الحدّ الأدنى من احتياجاتهم الأساسية. كما ولم تحترم الاتفاقيات والقوانين الدولية في تعاملها معهم، فاعتقلت الآلاف منهم وعذّبتهم جسديًا ونفسيًا وعاملتهم بقسوة واحتجزتهم في ظروف مأساوية، وحرمتهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، واقترفت بحقّهم انتهاكات جسيمة وجرائم عديدة، وأصدرت بحقّهم أحكاماً بالسجن الفعلي وصلت في بعض الأحيان للسجن المؤبّد (مدى الحياة)" . ويضيف فروانة: إن كافة الوقائع والاحصائيات تؤكد على أن هناك استهداف إسرائيلي ممنهج للطفولة الفلسطينية، وأن أعداد المعتقلين من الأطفال بمختلف المراحل العمرية قد ارتفع بشكل مضطرد، وبوتيرة متصاعدة، منذ العام 2011، وأن تلك الاعتقالات قد ارتفعت أكثر، وبشكل غير مسبوق، خلال "انتفاضة القدس" التي اندلعت في الأول من تشرين أول/أكتوبر من العام 2015". كما اعتقلت سلطات الاحتلال خلال "انتفاضة القدس" (1899) طفلًا؛ ذكورًا وإناثًا، وهي أرقام كبيرة وغير مسبوقة، وتشكّل قرابة (37%) من إجمالي المعتقلين خلال "انتفاضة القدس". فيما تفوق بنسبة (338%)عمّا سجّل من اعتقالات للأطفال خلال الفترة نفسها قبل عام. ولا تزال تعتقل في سجونها ومعتقلاتها قرابة (450) طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 12- 18 عاماً، بينهم (16) فتاة أصغرهن الطفلة "ديما الواوي" من الخليل، والتي تبلغ من العمر "12 عاماً" وهي معتقلة منذ شباط /فبراير الماضي . وأحصت المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "بتسليم"، في تقرير أصدرته، اعتقال وسجن 835 طفلاً فلسطينياً، ما بين عامَي 2005 و 2011، قسّمتهم كالتالي: أكثر من 250 يبلغون 16 عاماً؛ 225 في سن 14 و 15 عاماً؛ 34 يبلغون 13 عاماً وما دون. ورصد مركز أسرى فلسطين للدراسات، في تقرير له نشر في (31/12/2015)، قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2015، ب6600 حالة اعتقال، بينها 1930 طفلاً و 291 امرأة. وقال رياض الأشقر، الناطق الإعلامي لمركز أسرى فلسطين للدراسات، بأن ما يقارب من ثلث حالات الاعتقال التي نفذها الاحتلال كانت لقاصرين تحت سن 18 عاما، فيما تميّزت اعتقالات العام 2015 بالتركيز على الأطفال الصغار ما دون 14 عاماً. بل واعتقال أطفال لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات. وأشارت "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال - فلسطين"، في تقرير صادر عنها، إلى ارتفاع عدد الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ اندلاع انتفاضة القدس في خريف العام 2015، إلى 440 طفلًا حتى نهاية شباط/ فبراير 2016، بينهم 104 أطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً. ويُعتبر هذا العدد هو الأعلى منذ كانون ثاني / يناير 2008، حين بدأت مصلحة السجون الإسرائيلية الإفصاح عن أعداد المعتقلين من الأطفال لديها . أسرى أطفال يروون تجربتهم تؤكد المعلومات الموثّقة أن جميع المعتقلين، وخصوصًا الأطفال منهم، قد تعرّضوا لشكلٍ أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، أو الإيذاء المعنوي والإهانة أمام الجمهور وأفراد العائلة والحاطّة بالكرامة، الأمر الذي يشكّل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان . وعن تجربة الاعتقال، يقول الأسير الطفل الفلسطيني، رشيد رسمي الرشق (14 عاماً)، من البلدة القديمة في القدسالمحتلة، الذي اعتُقل في 10 شباط / فبراير 2014، ويقبع حالياً في سجن "شارون"، عن تجربة الاعتقال إن ثلاثة جنود اعتقلوه من منزل عائلته بطريقة وحشية وحملوه إلى سيّارة عسكرية، وبدأوا بضربه في السيّارة على وجهه وبطنه، ثم اقتادوه إلى منطقة بجانب باب الخليل بالقدس، وأدخلوه إلى غرفة مليئة بالمحرّكات والماكينات ومشغّلات الكهرباء. وهناك دخل عليه جنديّان وضابط، وبدأوا يوجّهون له لكمات قوية على وجهه وطالبوه بالاعتراف. ثم قام أحدهم بدفعه على الأرض والدعس على ظهره. بعد ذلك نقلوه إلى معتقل "المسكوبية"، حيث استمرّ التحقيق معه 30 يوماً. وفي إحدى المرّات تركوه عارياً بلا ملابس حتى الصباح، وقد تعرّض لمضايقات من قبل السجّانين وإلى شبْح متواصل على كرسي وإهانات وشتائم بذيئة. وكان المحقّقون يُطلقون أصواتاً قوية وغريبة ومزعجة تمنعه من النوم، وسبّبت له أوجاعاً في الرأس . وقال ممثّل الأسرى الأشبال في سجن "عوفر" العسكري، الأسير عبد الفتّاح دولة، ضمن تقرير صحافي وزّعته هيئة شؤون الأسرى في (5-11-2015)، إن 130 أسيرًا قاصرًا وصلوا السجن خلال شهر تشرين أول 2015، وإن 49 من بين الأسرى القاصرين الذين دخلوا السجن في تلك الفترة تعرّضوا لاعتداءات وحشية وضرب على يد جنود الاحتلال والمحقّقين الاسرائيليين، وإن 5 حالات وصلت مُصابة بأمراض، و6 حالات مُصابة بالرصاص الحي. وبيّن التقرير أن الأسرى القاصرين تعرّضوا للضرب المبرح عند الاعتقال، وبعضهم أصيب بجروح وتورّمات، وأن الجنود قاموا بضربهم بواسطة البنادق والأرجل والعصي. وأوضح التقرير أن 71 من هؤلاء الأشبال تم اعتقالهم من البيت في ساعات متأخرة، وأن أعمار القاصرين تتراوح بين 13- 17 عاماً. وقد نشرت هيئة شؤون الأسرى أسماء الأسرى الذين تعرّضوا للضرب الشديد خلال اعتقالهم، ومنهم: أحمد نادي محمد غربية، من كفر نعمة، وقيس مجدي محمد الحايك، من أريحا، وأيهم مروان نعيم سيوري، من الخليل، وحسن داوود الرجبي، من الخليل، ورامي سعيد أسعد منشار، من الخليل، وفادي محمد علي، من رام الله، ومحمد محمود عمر اشتية، من كفر نعمة، وأنس جمال أحمد أبو شرار، من دورا، ومحمود خليل أحمد أبو مفرح، من تقوع، وعلي دياب علي صباح، من تقوع، وأحمد خالد أحمد عواد، من البيرة، ومحمود علي عبد صباح، من تقوع، ومحمد ذياب علي صباح، من تقوع، وسلام عادل أحمد قرعان، من البيرة ... وتشيرُ مؤسسات حقوقية إلى أنّ حملة الاعتقالات ضد الأطفال الفلسطينيين تتخذ شكلاً عنصرياً، ويظهر ذلك جلياً بطريقة التعامل معهم في المحاكم، سواءٌ المدنية أو العسكرية، بالمقارنة مع تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع الأطفال من أصل يهودي، مع التأكيد على أن أطفال القدس يتعرضون لسياسة تعسفية من قِبل المحقّقين خاصةً في سجن المسكوبية . كما وثّقت منظمات حقوقية شهادة للطفل طارق أبو خضير (15عاماً)، الذي اعتدت عليه وحدة خاصة تابعة لشرطة الاحتلال بالضرب المبرح، أثناء اعتقاله بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2014 من أمام منزله، في حي شعفاط، خلال الاحتجاجات والمواجهات التي شهدتها مدينة القدس على خلفية استشهاد الطفل محمد أبو خضير؛ وهو ابن عم المعتدى عليه طارق أبو خضير. وأظهر الشريط المسجّل من كاميرات البيوت القريبة كيفية اعتداء عناصر الوحدة الخاصة على الطفل أبو خضير بصورة وحشية، إذ تركّز الضرب على الوجه والصدر والظهر، وأدّى إلى إصابته بتشوّهات ورضوض في الوجه، والرأس، والصدر. فقدَ طارق الوعي جرّاء الضرب الشديد، ونُقِل إلى المستشفى لتلقّي العلاج لساعات عدة. وعلى الرغم من خطورة وضعه الصحي، فقد تم نقله إلى مركز التحقيق بقرار من المخابرات الإسرائيلية. واعتبر محمد محمود، محامي مؤسسة الضمير، أن الضرب الذي تعرض له الطفل طارق أبو خضير كاد يودي بحياته، وكان بهدف القتل . وقال الطفل الأسير "عطا عيسى"، من مخيّم الجلزون، في إفادة وثّقها مكتب إعلام الأسرى، إنه اعتُقل الساعة الثالثة فجراً يوم 5/11/2015، بعد اقتحام منزل ذويه وتكسير محتويات البيت، ومن ثمّ اقتادوه معصوب العينين ومقيّد بالسلاسل إلى معسكر "بيت إيل"، وأبقوه في البرد الشديد وتحت المطر لساعات طويلة. وأضاف بأنه نقِل قسراً إلى مركز تحقيق "بيتح تكفا". وهناك تعرّض للضرب على مكان إصابته في القدم، لإجباره على الاعتراف بإلقاء حجارة على دوريات الاحتلال، حيث أنه تعرض لإصابات بالرصاص في ركبته اليمنى في وقت سابق. وقد فرضت عليه محكمة عوفر حكماً بالسجن الفعلي لمدّة 10 شهور وغرامة مالية، وهو يعاني من مرض الحساسية في العيون ولا يقدّم له العلاج داخل السجن. بينما أفاد الطفل الأسير "سامي مروان حجاجرة" (15 عامًا)، من الخليل، بأنه اعتُقِل في 10/6/2016 عندما كان موجوداً قرب الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث قام الجنود بالاعتداء عليه وضربه على ظهره حتى سقط على الأرض. وقام أحد الجنود بضربه بجهاز اللاسلكي على وجهه، ثم بدأ جميع الجنود الموجودين في المكان بضربه على خاصرته وكليته بالأحذية والأيدي وتوجيه الشتائم له. وأضاف أنه جاء جندي وأنهضه عن الأرض وقام بضربه على رأسه، وحضر جندي آخر قام بضربه فأسقطه على الأرض مرّة أخرى. ولحقهم جندي آخر وبدأ بضربه بالركلات على كافة أنحاء جسده وهو صائم. وقال إنه عندما جاء موعد الإفطار رفضوا إعطاءه الماء للشرب، وكان عطشًا جدًا بسبب الصيام والحرارة والضرب الذي تعرّض له. كذلك لم يسمحوا له حتى بالذهاب إلى الحمّام، ثم نقِل إلى سجن عوفر وكان منهكاً ومريضاً، ولم يقدّم له أيّ نوعٍ من الرعاية. بينما قال الفتى محمد منصور ثوابتة (16 عاماً)، من سكّان بيت فجار قرب بيت لحم، إنه اعتُقِل يوم 28/5/2016، بعد اقتحام منزل ذويه فجراً، وهو تعرض للضرب منذ اللحظات الأولى للاعتقال، وتحديداً على ركبته التي تؤلمه حيث كان ينوي إجراء عملية جراحية فيها. وقد أبلغ الجنود بذلك، ما جعلهم يركّزون الضرب عليها، ممّا تسبّب له بآلام شديدة لا تُطاق. كما أبلغهم بأنه يعاني من مرض الفتاق، إلاّ أنهم استمرّوا في ضربه. وقال إنه اضطر إلى الاعتراف بأنه قام بضرب حجارة على دوريات الاحتلال، تحت التعذيب والضرب والترهيب الذي تعرّض له خلال التحقيق، وإنه تقدّم بشكوى ضدّ جنود الاحتلال الذين قاموا بالاعتداء عليه . أبرز الانتهاكات الإسرائيلية للأسرى الأطفال على الرغم من الضمانات التي تقدّمها المواثيق والمعاهدات الدولية، تتنكّر دولة الاحتلال للحماية التي توفّرها أكثر من27 اتفاقية دولية للأطفال، وذلك من خلال معاملتها القاسية والمخالفة للمواثيق والقوانين الدولية في تعاملها مع الأطفال الفلسطينيين المعتقلين لديها. ويمكن تلخيص أبرز الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال خلال عمليات اعتقالها للأطفال بما يلي: - تعمّد قوات الاحتلال اقتحام البيوت في ساعات ما بعد منتصف الليل وساعات الفجر المبكرة. - عدم السماح للأهل بحضور التحقيق في قضايا اعتقال الأطفال. - عدم السماح للمعتقل باستشارة محامٍ. - إرغام المعتقلين، وبخاصة الأطفال، على التوقيع على إفادات مكتوبة باللغة العبرية التي لا يتقنها الأطفال الفلسطينيون، ودون معرفة يقينية بمضمون الإفادة. - ابتزاز ومساومة الأطفال: تقوم المخابرات والشرطة بخداع الأطفال بالقول إنها ستفرج عنهم في حال قبولهم للاتهامات الموجّهة إليهم. وفي حال رفضهم إدانة أنفسهم، فإنها ستقوم باعتقال ذويهم. - الاعتداء على الأطفال بالضرب أثناء الاعتقال وخلال التحقيق. - تقييد الأطفال بقيود بلاستيكية. - الشتم والسب والتحقير. - التهديد بالقتل والعنف الجنسي . وقال عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، إنّ الغالبية العظمى من الأطفال تعرّضوا لأساليب تعذيب وحشية وتنكيل ومعاملة لا إنسانية خلال اعتقالهم واستجوابهم على يد الجنود والمحقّقين. وأبرزت شهادات الأطفال أساليب وحشية ولا أخلاقية تعرض لها القاصرون خلال اعتقالهم، هي: الضرب الشديد منذ لحظة الاعتقال بواسطة البنادق والأرجل والدعس عليهم من قِبل الجنود؛ إطلاق الكلاب البوليسية المتوحشة عليهم؛ استخدام القاصرين دروعًا بشرية خلال عمليات الاعتقال؛ التعذيب والشبح والإهانات والتهديد خلال عمليات الاستجواب؛ ترك الأطفال الجرحى ينزفون فترات طويلة قبل نقلهم للعلاج . ويتعرّض الأسرى الأشبال للضرب المبرح على يد الجنود خلال نقلهم داخل سيّارات الجيب أو الشاحنات العسكرية، وذلك بواسطة الأيدي أو أعقاب البنادق أو الرفس بالأرجل، ويتم إجبار الأسرى على الجلوس على أرضيّة الجيب العسكري، ويقوم الجنود بوضع أقدامهم على رؤوس الأسرى وأكتافهم، وفي بعض الأحيان، يقوم سائق الجيب بالإسراع بشكل مفاجئ فيهتزّ الأسير ويفقد توازنه ويرتطم رأسه بحواف الجيب الحديدية. ومثال على ذلك ما تعرّض له الأسير فرج محمود حرفوش، من سكّان خربة مصباح قضاء رام الله، والمعتقل بتاريخ (9/2/2009)، حيث تمّ ضربه من قِبل الجنود بالبارودة على كتفه. وعندما طلب الماء قدّموا له زجاجة من البيرة ليشرب منها، وعندما رفض الشرب انهالوا عليه بالضرب المبرح باستخدام البنادق. وكذلك ما جرى مع الأسير يوسف محمد أبو عفيفة، من سكان مخيّم العروب، والمعتقل بتاريخ (22/10/2009)، حيث انهال عليه الجنود داخل الجيب العسكري بالضرب بواسطة البواريد على كافة أنحاء جسمه، وقام أحدهم بضربه على أعضائه التناسلية بشكل مبرح. وقال تقرير أصدرته الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال: "تعرّض 324 طفلًا من أصل 429 طفلًا فلسطينيًا، أي ما نسبته 75.5%، اعتُقِلوا بين عامي 2012 و2015 ل "عنف جسدي"، يشمل "الدفع، الصفع، اللكم، الركل، أو الضرب بخوذة الجندي أو بندقيته". كما أن "179 طفلًا من أصل 429، أي ما نسبته 41.7%، اعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من منازلهم في منتصف الليل، و378 من أصل 429، أي ما نسبته 88.1%، اعتقلتهم قوات الاحتلال دون إبلاغ الوالدين بسبب الاعتقال أو مكان الاحتجاز" . وتروي المحامية هبة مصالحة حالة الأسير أمير عبدالغني سوالمة، من سكّان مخيّم بلاطة، (16 عامًا)، والذي اعتُقِل بتاريخ (19/2/2009)، أنه وضِع داخل حفرة ترابية من العصر حتى منتصف الليل وهو مقيّد اليدين ومعصوب العينين ودون طعام وشراب. وكذلك حالة الأسير سلامة مروان عبدالجواد، من سكان مخيّم عسكر، (16 عامًا)، والمعتقل بتاريخ (14/2/2010)، أن الجنود قاموا بضربه بأيديهم وأرجلهم وباعقاب البنادق على كافة أجزاء جسمه بوحشية . إن هذه الأفعال التي يقوم بها جنود قوات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الأسرى الأطفال، وتعريضهم لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، أو الإيذاء المعنوي والإهانة أمام الجمهور وأفراد العائلة، والحاطّة بالكرامة، ليشكل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فإسرائيل صادقت على اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل، في العام 1991. وبموجب ذلك ألزمت نفسها بتنفيذ كافة الحقوق والحماية المدرجة في الاتفاقية. لكنّ لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، المعنيّة بمراقبة تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، أعربت عن قلقها العميق خلال استعراضها الأوّلي لامتثال "إسرائيل" للاتفاقية في العام 2002، إزاء الادّعاءات والشكاوى من الممارسات اللاإنسانية أو المهينة والتعذيب وسوء المعاملة بحقّ الأطفال الفلسطينيين، خلال الاعتقال والتحقيق والاحتجاز. وما تقدّم يخالف القانون الدولي، وخصوصاً اتفاقية الطفل المادة (16) التي تنصّ على: "لا يجوز أن يجري أيّ تعرّض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أُسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أيّ مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته". وتنصّ أيضاً على أن "للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرّض أو المساس". وتؤثر هذه الانتهاكات والجرائم المروعة التي تُقترف بحقّ الأطفال الأسرى على واقع هؤلاء، ممّا يشكل خطرًا حقيقيًا على واقعهم ومستقبلهم وأوضاعهم الصحيّة. الاحتجاز والتحقيق والتعذيب.. والمعاناة تحتجز سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال الفلسطينيين الأسرى في عدّة مراكز توقيف واعتقال، معظمها عبارة عن معسكرات لجيش الاحتلال على امتداد فلسطينالمحتلة. وفي هذه السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يعاني هؤلاء الأطفال الأسرى من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، وتفتقر للحدّ الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى. ويتعرّض هؤلاء الأطفال لما يتعرّض له الكبار، من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدّد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل. وتشير إحصائيات وزارة الأسرى الفلسطينية أن حوالي 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال الأسرى ناتجة عن ظروف اعتقالهم غير الصحيّة، وعن نوعيّة الأكل المقدّم لهم، وعن انعدام النظافة. وأعلن نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، في تقرير مشترك أصدراه لمناسبة يوم الأسير الفلسطيني (17-4-2016)، أن "نحو 7000 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، بينهم أكثر من 400 طفل وطفلة موزّعين على سجني "مجدو" و"عوفر"؛ بالإضافة إلى 69 أسيرة، بينهن 16 طفلة وفتاى قاصرة" . (30) وأضاف التقرير أنه "منذ بدء انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000، ولغاية صدور التقرير، سُجّلت أكثر من (90) ألف حالة اعتقال، بينها أكثر من (11.000) طفل تقلّ أعمارهم عن الثامنة عشر، ونحو (1300) امرأة فلسطينية، وأكثر من (65) نائبًا ووزيرًا سابقًا. وأصدرت سلطات الاحتلال قرابة (25) ألف قرار اعتقال إداري، ما بين اعتقال جديد وتجديد اعتقال سابق" . وزاد التقرير أن أشهر تشرين أول، تشرين ثاني وكانون أول 2015، شهدت أحداثاً بارزة على الساحة الفلسطينية، تزامنت مع الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة على حُرمة المسجد الأقصى، وكان لها الأثر الواضح والخطير على قضية الأسرى. فقد اعتقلت قوات الاحتلال خلالها نحو (4800) مواطن، منهم نحو (1400) طفل وقاصر، غالبيتهم من محافظتي القدس والخليل. كما وصادق كنيست الاحتلال على قانون تشديد العقوبة على راشقي الحجارة، وإلزام المحاكم بضرورة الحكم عليهم كحدٍ أدنى عامين وحدٍ أقصى أربعة أعوام، وذلك في خطوة استثنائية تتعارض مع جوهر ومعنى سياسة العقوبات في القانون الجنائي. وصادق أيضاً بالقراءة الأولى على مشروع قانون يسمح بإنزال عقوبة الحبس الفعلي على الأطفال الفلسطينيين دون (14 عاماً). بالإضافة إلى مشاريع لقوانين خطيرة أخرى، وهي: مشروع قانون إعدام الأسرى، وحرمانهم من التعليم والاتصال، علماً أن هذا الحرمان كان قائمًا دون قوانين، علاوة على مشروع قانون "الإرهاب"، وتشديد العقوبة على محرّري صفقة "شاليط"، وتطبيق القانون الجنائي على الأسرى الأمنيين . يتعرّض الأطفال خلال فترة اعتقالهم لأساليب متنوّعة من التعذيب والإهانة والمعاملة القاسية، وذلك منذ لحظة إلقاء القبض عليهم والطريقة الوحشية التي يتم اقتيادهم بها من منازلهم في ساعات متأخرة من الليل، إضافة إلى المعاملة المهينة والمذلّة التي يتعرّضون لها أثناء نقلهم للمعتقلات أو مراكز التحقيق؛ هذا عدا عن الأساليب القاسية وممارسة التعذيب بحقّهم. ويُشار إلى أن العديد من القاصرين انتُزعت منهم الاعترافات بالقوّة والتهديد، وحكِموا غيابياً . ولم تتوان المحاكم العسكرية الإسرائيلية عن إصدار أحكام عالية بحقّ الأسرى الأشبال، مصحوبة بدفع غرامات مالية باهظة، حيث كانت القدس مسرحاً لعمليات اعتقال القاصرين منذ منتصف العام المنصرم؛ ومعظمهم أُفرِج عنهم بشروطٍ تمثّلت بدفع غرامات مالية، أو فرض ما يُعرف بكفالات طرف ثالث، أو حبسهم منزليًا أو إبعادهم عن أماكن سكنهم أو خارج القدس . وبالرغم من قرار السلطات الإسرائيلية سنة 1997، الذي يُقرّ بحقّ الأطفال الفلسطينيين الأسرى بالتعليم، فقد ظلّت إدارة السجون الإسرائيلية تمارس منع الأطفال الأسرى من حقّهم في التعليم بشتّى الطرق، من خلال مصادرة الكتب، والتضييق على فرص التعليم. وتؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية أن النظام القانوني الإسرائيلي، بشقّيه المدني والعسكري، يسمح باستمرار التعذيب، ويحول دون تحقيق المساءلة القانونية، حيث أنه على الرغم من تقديم أكثر من 700 شكوى ضدّ التعذيب خلال العقد الماضي، لم يُفتح تحقيق جنائي في أيٍّ من هذه الشكاوى. وبالتالي لم توجّه لوائح اتّهام، ولم تتم مقاضاة أو إدانة أيٍّ من محقّقي جهاز الأمن العام الإسرائيلي . وتحرم سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، وتشتمل: الحق في عدم التعرّض للاعتقال العشوائي، ومعرفة سبب الاعتقال، والحصول على محامٍ، والمثول أمام قاضٍ، والاتصال بالعالم الخارجي، والحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته، وحقّ الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل. وتتعامل سلطات الاحتلال مع الأطفال الأسرى من خلال محاكم عسكرية تفتقر للحدّ الأدنى من معايير المحاكمات العادلة. ولهذا، فهم يعانون من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، كنقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرفٍ لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتان، والإهمال الطبّي، ونقص الملابس. ويتلقى الأطفال الأسرى أحكاماً عالية، كالسجن المؤبّد، والسجن لمددٍ تتراوح من سنة إلى 15 عاماً. وغالباً ما تكون هذه الأحكام مقرونة بغرامات مالية من 1000-6000 شيكل. ومعظم العقوبات التي تفرضها محاكمُ الاحتلال على الأطفال المقدسيين، وفقاً للمحامينَ الذين يترافعون عنهم هي: فرضُ غرامات مالية، وكفالات، أو ما تُعرف بكفالاتِ طرف ثالث، والإقامة الجبرية بالبيت، إضافة إلى الإبعاد عن مكان سكناهم. وتؤكد المؤسسات الحقوقية أنّ الأطفال الأسرى محرومون من الرعاية الصحيّة والعلاج الطبّي المناسب. وعادةً ما تكون أقراص المسكّنات هي العلاج لمختلف أنواع الأمراض. ولا تزال سلطات الاحتلال تماطل، وأحياناً ترفض إجراء عمليات جراحية للمرضى منهم . يتوزّع الأطفال الفلسطينيون الأسرى على عدّة سجون: بيت إيل، عتصيون، النقب، تلموند، عوفر، مجدّو، هشارون، الدامون، الرملة للنساء، وغيرها. وتفتقد هذه السجون للشروط الإنسانية، إذ تتسرّب مياه الأمطار في الشتاء إلى الغرف والخيام، وتنتشر فيها الروائح الكريهة بسبب الازدحام، وتتميّز بسوء مرافق الصرف الصحّي فيها، وقلّة تعرّضها لأشعة الشمس والهواء. ويعاني الأطفال الأسرى، إلى جانب ذلك، من سوء الطعام ونقصه، ومن انعدام النظافة، وانتشار الحشرات والزواحف، ومن نقص الملابس، وعدم توفّر وسائل اللعب والتسلية، والحرمان من زيارة الأهالي. كما يتعرّضون في حالات كثيرة للعزل والضرب من السجّانين، والاحتجاز مع البالغين والمجرمين والمنحرفين. شهادات عن واقع تعذيب الأطفال في السجون تمارس سلطات الاحتلال عملية مدروسة وممنهجة في تعذيب الأطفال الأسرى، وثبُت من خلال شهادات للأطفال، إضافة إلى عدد من شهاداتِ المحامين المدافعين عنهم، بأنّ الأساليب المستخدَمة بحقِّ الأطفالِ تهدف لخلقِ طفلٍ فلسطيني يعيش حالة رعبٍ من الجندي الإسرائيلي، وبالمقابلِ لقد رُصدتْ العديد من المطالبات الحقوقية بوضع حدّ لإسرائيلِ تُجاه هذه السياسة؛ إلاّ أنّ تلك المطالبات لم تلق آذاناً، رغم وجود بعض الحقوقيين والمؤسسات الإسرائيلية التي انتقدتْ تصرّف الشرطة والمحقّقين ومجريات المحاكمات التي تجري بحقّ الأطفال. إلاّ أن الأمر السياسي الإسرائيلي القائم يفرض على أفراد الشرطة، وكذلك على المحقّقين، والقضاة، سياسة معيّنة، كما يجري تحديداً في القدس . ويؤكد عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق فى هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين الفلسطينيين أن كافة الشهادات تؤكد على أن "جميع الأطفال الذين مرّوا بتجربة الاعتقال أو الاحتجاز، وبنسبة (100%)، قد تعرّضوا لشكلٍ أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والإيذاء المعنوي، أو المعاملة القاسية والمهينة، وزُجّ بهم في سجون ومعتقلات وأماكن احتجاز تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الشروط الإنسانية". وأشار فروانة إلى أن "المشاهد القاسية التي وثّقتها عدسات الكاميرات وعرضتها وسائل الاعلام المختلفة، والتي تُظهر بشاعة الاحتلال في التعامل مع الأطفال، إنما هي غيضٌ من فيض، وأن جرائم أبشع منها مرّات عدّة قد حدثت ولم تتمكن الكاميرات من توثيقها، فيما نقِل عن الأطفال المعتقلين شهادات مروعة تكشف فظاعة ما تعرّضوا له خلال اعتقالهم، من تعذيب وتنكيل وضرب دون مراعاة صغر أعمارهم وضعف بُنيتهم الجسمانية، ودون مراعاة إصابة بعضهم بالأعيرة النارية، كحالة الأطفال: عيسى المعطي، وجلال الشراونة، وأحمد مناصرة وغيرهم. ومن يرى ويقرأ شهادات الأطفال يُصاب بالذهول وبالصدمة من فظاعة الجرائم" . كما تعرّض 66 طفلاً للحبس الانفرادي، لفترةٍ متوسطها 13 يوماً، في الفترة ما بين (الأعوام 2012 – 2015)، بحسب تقرير صادر عن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال. وفي عام 2015، وضعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الطفل عبد الفتّاح عوري (17 عاماً) في العزل الانفرادي لمدّة 45 يوماً، في حين قدّم أكثر من 90% من الأطفال الذين وضِعوا في العزل الانفرادي اعترافات" . ومن أساليب التعذيب التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الأسرى الأطفال خلال فترة التحقيق: 1. عدم الاتصال بالعائلة للإبلاغ عن مكان احتجاز الطفل أو نقله. 2. عدم الاتصال بالمحامي. 3. عدم الحصول على وجبة طعام مناسبة. 4. انتهاك الحقّ الإنساني بالنظافة وتغيير الملابس الداخلية. 5. الضرب المبرح، وهو عملية مستمرّة منذ لحظة الاعتقال حتى دخول السجن. وغالباً ما يمتدّ الضرب ليشمل جميع أنحاء الجسم، خاصة في المناطق العليا والرأس. 6. الحرق بأعقاب السجائر. 7. الهزّ العنيف، جيث يتم حمل الطفل وهزّه بشكل متكرّر، الأمر الذي يعرّضه لفقدان الوعي فى بعض الأحيان. 8- التهديد بإبعاد العائلة ونسف المنزل. 9- تقييد الأيدي والأرجل وعصب الأعين. 10- سكب الماء البارد على المعتقل في فصل الشتاء، والماء الساخن في الصيف. 11- الزجّ به في غرف العار (غرف العملاء)، من أجل انتزاع اعترافات بطريقة مخادعة. 12- الضغط على الأطفال الأسرى وابتزازهم للارتباط مع الاحتلال . 1. الحرمان من النوم، من أجل الضغط على الطفل وتحطيم معنوياته. ومن أساليب تعذيب الأطفال أثناء فترة الاعتقال: 1 الزجّ بهم في زنازين وغرف لا تصلح للحياة الآدمية، وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من شروط الحياة الصحّية.. 2 الإهمال الطبّي للمرضى منهم. 3- الحرمان من التعليم . 4 الحرمان من زيارة الأهل والمحامي. 5 العزل والحبس الانفرادي. 6 الضغط النفسي. 7- حشر عدد كبير منهم في غرف صغيرة . 8- حرمانهم من الأغطية الكافية والملابس والفرشات للنوم. 9- السبّ والشتم بأقذع الألفاظ والشتائم للأطفال، أثناء التنقل والخروج للفورة. 10- الإذلال والإهانة: حيث يُجبر الطفل على سبّ الذات الإلهية، أو الأقارب كالآباء والأمهات، أو البصق على السجناء الآخرين. 11- الحرمان من الطعام المناسب. 12- البقاء في زنازين معتمة طوال اليوم، دون وجود وسائل إناره مما يؤثر على النظر. 13- الحرمان من النظافة وتغيير الملابس. 14- عدم استخدام المراحيض إلاّ بعد ساعات طويلة . وورد في تقرير صادر عن "مركز أسرى فلسطين للدراسات"، أن المحامية السويدية "بيرجيتا إلفستروم"، والتي أوفِدت من قِبل الحكومة السويدية لمتابعة أعمال الجهاز القضائي، أقرّت بأن "إسرائيل" تتصرّف كعصابة إجرام في التعامل مع الأطفال الأسرى، حيث قدّمت تقريرها إلى الحكومة السويدية مدعّماً بالوثائق والشهادات، وأثبتت تورّط الجهاز القضائي الإسرائيلي في عمليات التعذيب التي تمارسها أجهزة الأمن بحقّ الأطفال المعتقلين. وقالت إنها لم تصدّق ما رأت وما سمعت، حتى أنها لم تتمالك أعصابها بسبب قوّة التعذيب الذي يطال أولئك الأطفال . واتهم المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان (بتسيلم) "إسرائيل" بتعذيب الأطفال الفلسطينيين فى سجونها، وأنها تستخدم العنف والتنكيل بحقّ الأسرى الأطفال ممّن هم دون سن 18 عاماً، مُخالفة بذلك المواثيق الدولية التي تحرم ذلك. وأوضح المركز فى تقرير أعدّه لإفادات عدد من الأسرى القاصرين، أنه يتم تعذيب الأسرى الأطفال ساعة الاعتقال وداخل السجون، وأن "إسرائيل" استخدمت أساليب تحقيق جديدة، مثل: رشّ الأسرى الأطفال بالماء البارد والساخن، وإجبارهم على تناول مكعّبات من الثلج، وتغطيسهم بالماء البارد لفترات طويلة في جو قارص؛ إضافة إلى تسليط سمّاعات تُصدر أصواتاً مرتفعة على أذني الطفل المُحقّق معه . وقد اشتكى الأسير الطفل محمد سعيد شحادة (13 عامًا) من ظروف التحقيق والتنكيل التي خضع لها في سجن "المسكوبية"، غربي القدسالمحتلة. وأوضح نادي الأسير في بيان صحفي أن الاحتلال أخضع الطفل شحادة لمحاكمة عسكرية رغم حداثة سنّه، وأصدر بحقّه حكمًا بالسجن لثلاثة أشهر ونصف، وغرامة مالية بقيمة (9000 شيكل)، ووقف تنفيذ لخمس سنوات . وأفاد محامي نادي الأسير مهنّد الخراز أن الطفل المعتقل في معسكر اعتقال "سالم"، نشأت السيّد، من طولكرم، البالغ من العمر 15 سنة، قد حاول الانتحار في (1-8-2004)، بسبب الإهمال الصحّي، عن طريق تمزيق شرايين يده وصدره من ناحية اليد اليسرى بشفرةٍ كانت معه ومحاولة شنق نفسه عن طريق لف قطعة من القماش حول رقبته. إلاّ أنه حال دون ذلك صراخ المعتقلين ومناداة إدارة السجن حيث تمّت معالجة الجروح... وقال المحامي إن سبب ذلك هو وضع السجن المزري وعدم تقديم العلاج الطبّي للأسير المذكور .. ويعاني الطفل المعتقل في بعض مراكزِ التحقيقِ من وضعِه داخل زنزانة صغيرة تتسع لفرشة واحدة، وقسم من تلك الزنزانة تكونُ حفرة في الأرض، ومكان مقزز ومتسخ لقضاء الحاجة، وتخرج منه روائح كريهة، والفرشة بالية متسخة، وأحياناً بطانية خفيفة قذرة، والزنزانة باردة مع إضاءة صفراء تلمع طيلة الوقت دون توقف، ولون الحائط رمادي يؤلم العينين، ومدببة لا يمكن الاتكاء عليها، ويبقى الطفل المعتقل داخلها لأيام طويلة تصل أحيانًا إلى عشرات الأيام، ويتم إخراجُه يومياً ليتم التحقيق معه لساعات، وذلك لإحباطِه، وإذلالِه، والحصول منه على اعترافات بأمور لم يقمْ بها، والإدلاء بشهادات ضد أطفال آخَرين أبرياء، وذلك حسبَ ما بيّنه محامي نادي الأسير في حديث صحافي . ووصفت الأسيرة المحرّرة الطفلة "سلوى جمال طقاقطة" (13 عاماً)، من بيت لحم، فترة اعتقالها لثلاثة شهور في سجن الاحتلال بأنها كانت "أياماً صعبة للغاية". وروت الطفلة المحرّرة "طقاطقة" أنها تعرّضت لحظة اعتقالها للضرب والسحل على الأرض والشتم من قِبل جنود الاحتلال، وذلك بعد اعتقالها قرب دوّار مجمع مستوطنات" غوش عتصيون" جنوب بيت لحم، واتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن. وأضافت "طقاطقه" بأن القصّة بدأت معها بتاريخ (23/3/2016)، وكانت تدرس في الصف السابع الأساسي بإحدى مدارس بلدتها بيت فجار جنوب بيت لحم، عندما تم اعتقالها، بعد أن كانت تقف قرب دوّار مجمع مستوطنات غوش عتصيون، حيث هاجمها جندي من جيش الاحتلال، وطرحها أرضًا، وضربها مع جنود آخرين، قبل نقلها إلى التحقيق في معسكر"عصيون" واستمرار شتمها وضربها وإهانتها. وعن الأوضاع في السجون، تقول الطفلة المحرّرة طقاقطة: "إن السجن مليءٌ بالحشرات، وكانت الحياة التي تعيشها الأسيرات صعبة جداً، من انتهاكات لحقوقهن الإنسانية، إضافة إلى شوقهنّ لأهلهن، وانتظار لحظة الإفراج عنهن" . واشتكى (41) أسيراً من الأسرى القاصرين الأطفال في سجن "هشارون" من النقص الشديد في أدوات التدفئة وحرمانهم من شراء المدافئ، وذلك رغم ظروف البرد القارس. ونقل محامي نادي الأسير للأسرى في السجن عن الأسرى القاصرين، أن إدارة السجن لم تسمح لهم بإدخال أو شراء المدافئ الكهربائية، إلى جانب النقص الدائم في الأغطية . وأشار مكتب إعلام الأسرى في الضفة الغربية إلى أن الأطفال الأسرى في سجن "عوفر" يتعرّضون لحملة قمع ممنهجة، ويرفض الاحتلال توفير احتياجاتهم الأساسية، وخاصة توفير فرشات للنوم وأغطية، وكذلك ملابس داخلية.. وأدّى الاكتظاظ والعدد الكبير إلى مضاعفه معاناة الأطفال، وخلق نقص شديد في كلّ احتياجات الحياة، وكلّ مستلزمات الأسرى، حتى البسيطة منها. ونتيجة الاكتظاظ والعدد الكبير لا يجد العشرات من هؤلاء الأسرى الأطفال أماكن للنوم بشكل إنساني، ويضطرّون للنوم على الأرض رغم ما تسبّبه من أمراض ومعاناة. ولكن لا يوجد بديل آخر أمامهم. وفي مدينة القدسالمحتلة، بيّنت إحصائية صادرة عن "لجنة أهالي الأسرى المقدسيين"، في تقرير لها تناول الفترة الممتدّة من (15-9-2015 حتى 17-4-2016)، قيام سلطات الاحتلال باعتقال ما لا يقل عن 1705 مواطنين مقدسيين، من بينهم، 87 سيدة، و890 شاباً، و35 من كبار السنّ اعتُقلوا في الفترة الأخيرة، ضمن حملة استهدفت روّاد المسجد الأقصى. وأظهرت الإحصائية أن من بين العدد الإجمالي من المعتقلين خلال الفترة ذاتها، اعتقال قوات الاحتلال 617 قاصراً (595 من الذكور، و22 من الإناث)، إلى جانب 76 قاصراً ما دون سن ال 14 عاماً. وأضافت الإحصائية أن عدداً كبيراً من هؤلاء المعتقلين تم الإفراج عنهم بعد خضوعهم للتحقيقات. كما صدرت بحقّهم لوائح اتهام، ومنهم من تم تحويله للحبس المنزلي، أو تسلّم قراراً يقضي بإبعاده عن البلدة القديمة أو المسجد الأقصى المبارك والقدس. وأكّدت الإحصائية أن 509 أسرى مقدسيين يقبعون في سجون الاحتلال، من بينهم 10 سيّدات، وخمس فتيات قاصرات، إلى جانب ثمانية أسرى أمضوا أكثر من 20 عاماً في السجون، و53 أسيرًا يقضون أحكامًا بالسجن لأكثر من 25 عاماً. ويقبع 23 أسيراً مقدسياً في سجون الاحتلال قيد الاعتقال الإداري، منهم أربعة أطفال. كما أعيد اعتقال سبعة من محرّري صفقة "وفاء الأحرار". ويقول رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين، أمجد أبو عصب، إن "عشرة أطفال موجودون في مؤسسات الأحداث، وهي أشبه بالسجون، وينتظرون أن تبلغ أعمارهم ال14 كي يتم عرضهم على المحاكم الاحتلالية، وبالتالي إدانتهم وسجنهم"، مؤكداً أن "هذا العام صدرت بحق عدد من الأطفال أحكام عالية، وفيها خرق واضح للقانون الدولي فيما يخصّ الأطفال بطريقة فاضحة"، وفق قوله. ويضيف أنه في نسبة عدد الأطفال المقدسيين في سجون الاحتلال بالنسبة للعدد الإجمالي في المعتقلات هي 28 في المائة. وهذا مؤشّر على مدى استهداف الاحتلال لهذه الفئة، إضافة إلى 70 طفلاً يخضعون للحبس المنزلي، وهم محرومون من التعليم والمغادرة لتلقّي العلاج، وجزءٌ منهم مُبعدون عن منازلهم إلى مناطق في الضفة أو الداخل الفلسطيني المحتل . آثار ما بعد الاعتقال يترك الاعتقال الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحقّ الأطفال الفلسطينيين، آثاراً وخيمة عليهم، من الناحيتين النفسية والاجتماعية، داخل المعتقل وبعد الاعتقال. وقد أشارت نتائج مسح الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال الفلسطينيين من عمر 5-17 عاماً، أن هذه الفئة العمرية تعاني آثاراً نفسية تتراوح ما بين 1.5% إلى 11.5%. وقال التقرير السنوي الذي أصدره مركز الإحصاء الفلسطيني: إن أغلب نسبة من هذه الآثار ناجمة عن العصبية الزائدة والصراخ المستمر، وبلغت 11.5%، فيما تساوت المعاناة لكلٍ من الخوف من الوحدة بشكل دائم والخوف من الظلام بشكل دائم، وبلغت 10.8% لكلٍ منهما. وكشف التقرير أن المعاناة النفسية لدى هؤلاء الأطفال أفرزت آثاراً سلبية على سلوك هذه الفئة، تمثّلت في إشعال الحرائق وضرب وشتم الآخرين وتعاطي السجائر. وقد رصدت دائرة الإرشاد النفسي الاجتماعي في وزارة الأسرى، من خلال تعاملها مع الأطفال المحرّرين، الأعراض الأوّلية التالية الناتجة عن تجربة الاعتقال: - الخوف من الخروج من البيت. - القلق والتوتر. - عدم القدرة على ضبط الانفعال. - عدم القدرة على التركيز. - نظرة المجتمع: المجتمع ينظر إليهم على أنهم أطفال، يتوقعون منهم الطاعة وأداء الأدوار التقليدية، علماً بأن الأطفال المحرّرين يكونون قد تجاوزوا طفولتهم، ولم يعودوا يستطيعون اللعب. - لا أحد يفهمهم. - مهارات الاتصال لديهم ضعيفة جداً: لا يتحدثون معهم عن تجربتهم ولا يشجّعونهم على التعبير عن أنفسهم. - الأسرة تحسّ بهشاشة الأطفال المحرّرين، وبالتالي يُفرطون في حمايتهم. - الفصائل والأحزاب السياسية تفهمهم، لكن بطريقة سلبية: يقولون للأطفال إنهم أصبحوا رجالاً، ولا يتفهمون حاجتهم للنماء الطبيعي والحماية. - لا يستطيعون العودة إلى المدرسة لشعورهم بالحرج من إعادة السنة مع أطفال يصغرونهم سنّاً . وعن آثار الاعتقال والنفسي والإجبار على العمل على الأطفال المقدسيين، أكد الأخصّائي الاجتماعي والنفسي في جمعية الشبّان المسيحيين، محمد الطويل، أن 85% من أطفال القدس عانوا من الاضطرابات النفسية إثر تعرّضهم للاعتقال، لافتًا إلى أن الانعزالية والعدوانية والعصبية والتبوّل اللاإرادي من أكثر العلامات التي ظهرت على الأطفال. وفي السياق، يقول مدير برنامج المساندة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش "إن أكثر من 85% من أطفال القدس الذين تم اعتقالهم يعانون من آثار سلبية ونفسية بدأت تظهر عليهم أثناء الاعتقال أو بعد الإفراج عنهم. وهناك حالات تعاني من اضطرابات نفسية شديدة كان من الصعب التعامل معها من خلال جلسات التأهيل العادية، بل تم تحويلهم إلى مستشفيات الطبّ النفسي لصعوبة وضعهم" . وحذّرت مؤسسات حقوقية متنوّعة، ومنها الميثاق لحقوق الإنسان، من خطورة التأثيرات السلبية طويلة المدى نتيجة هذه الانتهاكات، وأوّلها على نفسية وشخصية الطفل، ومنها: - يشعر أنه يعيش في بيئة غير آمنة، وأن أقرب المقرّبين إليه لا يستطيع حمايته في حال وقوع الاعتقال. وقد يلجأ إلى تصرّفات عنيفة مع أقاربه وأصدقائه كردّة فعل. - تدنّي التحصيل العلمي للطفل المتعرّض للاعتقال، الذي وبسبب الاعتقال يعزف عن الالتحاق بمقاعد الدراسة، ويستعيض عن ذلك بالبحث عن عمل، ممّا يزيد من عبء المجتمع بشكل عام، ويخفّض مستوى التحصيل الأكاديمي والعلمي. - نزوع البعض إلى المخدّرات بعد أن تعرّفوا عليها داخل السجون الجنائية، ورغبة آخرين في الانعزال عن المجتمع . إن ما تقدّم يُثبت أن الاعتقالات التي تقوم بها سلطات الاحتلال بحقّ الأطفال الفلسطينيين هي استهداف مباشر لهم، ولها آثار سلبية على حاضر هؤلاء الأطفال ومستقبلهم. ويترك التعذيب الذي يُلحق الأذى بالأطفال، والذي حرّمته القوانين والمعاهدات الدولية، جروحًا نفسية ومعاناة من اضطرابات ما بعد الصدمة، بالغالبية العظمى منهم. كما أن للتعذيب تأثيرًا مدمّرًا على هؤلاء الأطفال وعلى أُسرهم ومجتمعاتهم. وهذا يوجب على سلطات الاحتلال وقف هذه الأفعال الإجرامية بحقّ الأطفال، ويحتّم على المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية التحرّك الفاعل والعاجل من أجل العمل لوقف هذه الجرائم الإسرائيلية بحقّ الأطفال الفلسطينيين، ومعاقبة وتوقيف ومحاكمة وإدانة مُرتكبيها. خاتمة تنتهك سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً للنصوص والواقع، قواعد القانون الدولي الإنساني تجاه الأسرى الفلسطينيين، وخصوصًا الأطفال منهم. وتواصل قوات الاحتلال انتهاكاتها بحقّ الأسرى الأطفال تعذيبًا، ومن خلال عمليات الدهم والاعتقال، وأثناء التحقيقات، وفي المعتقل. وتُثبت الشهادات المشفوعة بالقسم، التي أدلى بها عدد كبير من الأسرى الأطفال، أن الانتهاكات بحقّهم لا تتوقف منذ لحظة الاعتقال وحتى داخل المعتقل، ما يترك آثارًا جسيمة على هؤلاء: جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا.. وتخالف الممارسات الإسرائيلية بشكل صريح الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديدًا اتفاقية حقوق الطفل، التي شدّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في البقاء والنمو. وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حرّيتهم، وجعلت منه "الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة". لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأوّل لها، ضاربة بعرض الحائط المواثيق والمعاهدات الدولية، ومتنكّرة للحماية التي توفّرها أكثر من27 اتفاقية دولية للأطفال؛ فتعاملت معهم "كمشروع مخرّبين"، وأذاقتهم أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة من ضرْب وشبْح وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم، وحرمان من الزيارة، واستخدمت معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات بالقوّة، ما يؤثّر سلبًا على طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، فيخرجون من المعتقلات وهم يشعرون بكثير من الغضب والكراهية، والرغبة بالانتقام من الاحتلال. إن هذه الممارسات بحقّ الأسرى الأطفال المُخالِفة لقواعد القانون الدولي والإنساني، يجب العمل الجاد على وقفها من قِبل السلطة الفلسطينية والفصائل والمؤسسات والهيئات القيادية المعنيّة، عبر التحرّك العاجل والفاعل محلّيًا وعربياً ودوليًا، واستخدام آليات عمل تساهم في فضح استهداف هذه الفئة من الأطفال ووقف تعذيبهم وضمان حماية واقعهم ومستقبلهم.. والعمل أيضاً على محاكمة قادة الاحتلال على جرائم الحرب التي يقومون بها. وبناءً عليه، يجب العمل الجاد لتدويل قضية الأسرى، وخصوصاً الأسرى الأطفال، بإثارة هذه القضية إعلاميًا، وعقد المزيد من المؤتمرات الخاصة بالأسرى في عواصم عربية وغربية، وفي دول متنفّذة بالقرار، للتعريف بهذه القضية، وتشكيل رأي عام ضاغط يُسهم في الضغط على المؤسسات الدولية المعنّية بهدف التخفيف عن الأسرى الأطفال والبالغين والعمل الجدّي لإطلاق سراحهم. كاتب فلسطيني مقيم في بيروت