السياسة هي فنّ الإقناع والاقتناع. فلماذا يكون البعض منا في مواقف معينة و في لحظات معينة مجبر على الصراخ عندما يحاول أن يقنع الأخر؟ لماذا يتحول البعض إلى شبه حيوان يصرخ و يعوي و يخرج لسانه و أسنانه كي يقتنع الأخر بما يقول؟ و اقصد بالبعض جميع من تفكر فيه الآن. فقد يكون هذا البعض شخص عادي أو وزير أو صديق أو رئيس أو إمام. و أحيانا يتحول الصراخ إلى ضرب و ربما إلى جروح أو قد يتطور إلى قتل. و هذا الكلام ليس نضري بل واقع يومي نشاهده في كل ربوع الجزائر. اَلخطابُ القادرُ على إقناع النّاس، خطابٌ لا يحتاج إلى شحذ السّيف وتأجيج العنف، لا يحتاج إلى الاستعانة بالعمامة أو القلنسوة، ولا حروز خنوع الناس وأنصاب خضوعهم، إنّما هو خطابٌ يراهن على ذكاء الإنسان ويرتهن له، ويعوّل على الحجّة والبرهان وليس على الطاعة والإذعان. الخطاب القادر على الإقناع لا يحتاج أصلا إلى الدعاية والتّحريض، ولا إلى الغواية والتمجيد أو الإثارة والتصعيد، لا يحتاج إلى مكبّرات الصوت.
قد نصرخ أو تصرخ الأحزاب و الجمعيات و الشخصيات و السلطة و الحكومة شهور و سنوات و لا يقتنع الناس بما تقول. بل يتأكد الناس أكثر فأكثر أن كلام هؤلاء هف و تمسخير و ضحك على الذقون.
لكن يجب أن تتوفر تلك الذقون كي يحدث الضحك عليها. الناس فاقوا. و في بعض الأحيان يتغابون كي يطول صراخ من يريد الإقناع بما لا يقتنع به الناس. الخطاب القادر على الإقناع لا يراهن على الإساءة والتخويف، ولا على التّرغيب والترهيب. ومع ذلك ثلاثة أرباع الخطاب في الجزائر ينقسم إلى قسمين نصفه ترغيب و النصف الأخر ترهيب.