اليوم الآخر هو يوم الجزاء، وهو يوم الحساب، وهو الحياة الثانية بعد الموت، وهو من وجوه إقامة العدل الرباني بين الخلائق. فينبغي أن نعلم أن الإيمان باليوم الآخر لا ينفك عن الإيمان بالله تعالى، ومنكره كافر مخلد في النار. ففي الحديث عن بيان الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره). وقد سمى الله تعالى اليوم الآخر بأسماء تدل على ما يجري فيه من حقائق وأهوال، فمنها أنه يوم الدين: لأن فيه إدانة الخلق ومجازاتهم على أعمالهم: (مالك يوم الدين) (الفاتحة:3). وهو يوم الحسرة على من تعدى وظلم؛ ولأن فيه حسرة الكافرين والعصاة على ما فرطوا في جنب الله: (وأنذرهم يوم الحسرة) (مريم:39). وهو يوم القارعة، لأنها تقرع القلوب بأهوالها: (القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة) (القارعة:1-2).ثم لماذا اليوم الآخر؟ إنه لا بد من اليوم الآخر؛ حتى لا يمضي الظالم من غير عقاب، والمظلوم من غير عوض، قال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة:7-8). (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) (طه: 111). وحتى لا يستوي المؤمن بالكافر والمجرم بالتقي، قال تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) (القلم: 36-37). وقال: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) (الجاثية:21).يأتي التذكير باليوم الآخر حتى تتفجر ينابيع الخير في النفس الإنسانية استعدادا لذلك اليوم العظيم؛ وتنفر من الأعمال الشريرة وتتخلى عنها، فيبر الولد بوالده، وتطيع الزوجة زوجها، ويحترم المسؤول رعيته ويعدل فيهم، ويمسك التاجر عن الحرام والربح الفاحش، وينفق الغني من ماله على المحتاجين ولا يبخل عليهم، قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) (الإنسان:9-10). ذكر اليوم الآخر لأن النفس الإنسانية تختلف في بواعثها على الخير، فمن الناس من يحرك جوارحه للطاعة الرغبة في الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه، ومنهم من تفزع جوارحه للطاعة بسبب الفزع من العذاب الأليم الذي أعده الله للمعرضين.