يتضمن كتاب "مدخل إلى دراسات الترجمة: نظريات وتطبيقات" للمؤلف البريطاني جيريمي مندي، الذي أصدره مؤخرًا مشروع كلمة للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، عرضاً موضوعياً شاملاً للنظريات الرئيسة المطروحة في حقل دراسات الترجمة لأكثر من عشرين قرناً وللتطور الكبير الذي شهده هذا الحقل المعرفي في القرن العشرين. فقد تناول الكتاب الترجمة في إطاريها النظري والعملي ووفق منظور تاريخي يأخذ بعين الاعتبار الأطوار التي مرت بها الترجمة على مر العصور. فهو يعرض للموضوع بتقديم نبذة تاريخية عن نشأة حقل دراسات الترجمة مسلطاً الضوء على خلفية نشوء ما يعرف حتى وقتنا الراهن بالترجمة الحرفية والترجمة الحرة. وهو بذلك يعود بنا إلى عهد سيسيرو "في القرن الأول قبل الميلاد" والقس جيروم "في أواخر القرن الرابع بعد الميلاد" وإسهاماتهما في هذا المجال والتي شكلت الأساس الذي قامت عليه دراسات ترجمية مهمة في حقب تاريخية لاحقة. كما يشير الكتاب في مستهله إلى المدرسة الألمانية وروادها في القرن السادس عشر ومنهم المترجمان مارتن لوثر و شليرماخر وأولى المحاولات لصياغة نظرية منهجية في الترجمة على يد درايدِن ودوليه وتيتلر. ثم يعرج بنا إلى القرن العشرين ليركز على النظريات الحديثة في الترجمة وامتداداتها الفكرية والثقافية والفلسفية والسياسية ودورها الكبير في تعزيز التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب. ويحدثنا المؤلف جيريمي مندي عن أولى المقاربات الترجمية القائمة على فكرة التحولات وروادها فيني وداربلنيت وكاتفورد، والكُتّاب التشيك، وفان لوفين زفارت والنموذج الوصفي المقارن. ويناقش النظريات الوظيفية في الترجمة التي تقوم على فكرة نمط النص والفعل الترجمي والتحليل النصي المُكيَّف للترجمة ونظرية الغرض أو سكوبوس ومقاربات تحليل الخطاب واللهجة الخاصة وبالأخص نموذج هاليدَي في اللغة والخطاب ونماذج الترجمة التي قامت عليه وهي نموذج هاوس في تقويم جودة الترجمة ونموذج بَيكر التحليلي على المستويين النصّي والتَّداوليّ ونموذج حاتم ومَيسن المتعلق بالمستوى السيميائي للسياق والخطاب. ثم يتناول نظريات النُّظُم وفي مقدمتها نظرية النظام التعددي التي اقترحها إيفين زوهار ودراسات الترجمة الوصفية ومعايير الترجمة إضافة إلى نماذج أخرى في دراسات الترجمة الوصفية اقترحها لامبرت و فان غورب ورواد مدرسة التلاعب. كما يستعرض الدراسات الثقافية وعلاقتها بالترجمة بوصفها إعادة كتابة، والترجمة والجنس ونظرية الترجمة في مرحلة ما بعد الاستعمار وعدد من الأيديولوجيات المهمة في هذا الصدد، إضافة إلى مفهوم "لا" مرئية المترجم الذي جاء به فينوتي وربطه بالأجندات الثقافية والسياسية للترجمة، وآراء المترجمين الأدبيين في أعمالهم وشبكة القوة لدى صناعة النشر. ثم يفكك المؤلف نظريات فلسفية في الترجمة منها ما يراه ستاينر في اقتراحه التأويلي وما يصفه إزرا باوند ب"طاقة اللغة" والحركة التفكيكية ورائدها دَريدا قبل أن يختم الكتاب بفصل يتحدث فيه عن نشوء فرع دراسات الترجمة بوصفه فرعاً بينياً جديداً.