إن من نعم الله العظيمة ومِنحه الجليلة أن اختار بعض الشهور والأيام وفضلها على بعض(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص: 68)، فجعل لعباده مواسم خيرٍ يتنافسون فيها بالطاعات، ويحذرون خلالها مقاربة الخطيئات ليحظوا من ربهم برفعة الدرجات، وإجابة الدعوات، وإن من بين تلك الأيام التي خص الله بها أمة الإسلام يوماً اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضّله على ما سواه من الأزمان، ألا وهو يوم الجمعة، فهذا اليوم خصه الله بخصائص عظمى وشرفه بمزايا كبرى، فهو من أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلّها شرفًا، وأكثرها فضلاً، إنه يوم لا يقلّ أهمية ولا ينزل عن درجة العيدين، فهو عيد أهل الإسلام الأسبوعي، كما روى ابن ماجه في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا اليوم عيد جعله الله للمسلمين)، فحق على المسلم أن يُعطيه حقه، ويجتهد له ويُعظّم شأنه، ويتفرّغ لعبادة ربه، ويشكره على فضله ونعمه. ولقد جعل الله تعالى لأهل كل ملة يوماً يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا، فاختص الله عز وجل أمة الإسلام بيوم الجمعة وأضل الله تعالى عن هذا اليوم الجليل اليهود والنصارى فلم يوافقوه؛ ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد. فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة)، فواجب على المسلم أن يُعظّم ما عظّم الله، . قال الإمام ابن رجب رحمه الله: فهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات، فإن الله عز وجل فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا، واستكمل المسلمون صلواتهم فيه، شرع لهم العيد في يوم استكمالهم، وهو يوم الجمعة.