احتفت مؤخرا الأوساط الاجتماعية والثقافية بالقاصة محاسن الحمصي باقامة حفل توقيع مجموعتها القصصية "لم يعد لي إلا ..أنا" في مركز الحسين الثقافي وتحت رعاية أمين عمان عطوفة عمر المعاني، وأدار الأمسية التي شهدت حضورا ملفتا الشاعر جهاد أبو حشيش مدير دار فضاءات للنشر والتوزيع، بينما قدم الناقد د. محمد عبد الله القواسمة مداخلة نقدية، كما قدم القاص إياد نصار مداخلة أخرى. تسيطر هواجس المرأة المتمثلة في الانتظار، وغياب التواصل الإنساني، وقلة التقدير الحقيقي من الرجل، ومحاذير سوء القصد، والإحساس بالعزلة، والجفاف العاطفي على مجموعة محاسن الحمصي القصصية التي صدرت للتوّ عن دار فضاءات. ويغلب على المجموعة إحساس الأنثى بالخوف من الموت ومواجهة الحياة وحيدة. تفتتح المجموعة بمشهد امرأة تستعيد تاريخها المليء بالمعاناة والآمال المنهارة بعد رحيل شريك الحياة منتحرا، وهي تجلس في خشوع باكية أمام قبر والدها لترى أملا في نهاية النفق، يعيد إليها الروح بعد اليباس، وتختتم المجموعة بقصة قصيرة جدا عن امرأة تهيء نفسها لعالم الموت، وما بينهما جاءت قصص المجموعة حاملة هموم المرأة وتطلعاتها وخوفها من أن تضيع ذاتها في السائد الاعتيادي. تنقسم المجموعة إلى جزأين في مئتين وعشر صفحات من القطع المتوسط، اشتمل الجزء الأول وهو الأكبر على خمس عشرة قصة قصيرة تضم بين جوانبها عدة قصص قصيرة جدا، بينما اشتمل الجزء الثاني الأصغر كله على تسع وعشرين قصة قصيرة جدا. تنم المجموعة عن قدرة قصصية تتمثل في الجملة الحركية القصيرة، واللجوء إلى التداعيات والمناجاة التي تضمّنها ومضات فلسفية حول معاني الحياة، ومعاناة المرأة التي تحس نفسها وحيدة في هذا العالم، وتنتهج قصص المجموعة في كثير من الأحيان خطا آخر يبتعد عن النمط المعروف بتوظيف حبكة مأزومة الذروة تختتمها دهشة النهايات والمفارقات، إلى قصة تقوم على توظيف مشاهد الحياة المألوفة في إطار تأملي لا يخلو من إشارات رمزية، توظفها الكاتبة لتقفل النهايات المفتوحة لمشاهد الحياة اليومية. وباستثناء عدة قصص محدودة يرويها صوت بضمير الغائب، فإنّ صوت الراوي بضمير المتكلم يسيطر على أسلوب السرد في المجموعة، ما يوحي بميل المؤلفة إلى توظيف التجارب الذاتية في بناء عالمها القصصي. وإن كان من خصائص هذا الصوت صدقية التعبير المكثف، إلا أنه يقيد الكاتب في تطوير شخصيات أخرى خارج ذاته، أو توظيف رؤية كلية عن بعد ليعطي شخوصه حرية أكبر في إدارة أزماتها خارج قناعاته. في قصة "لم يعد لي إلا أنا" التي أعطت المجموعة عنوانها، توظّف محاسن الحمصي المعاني الرمزية للرحلة إلى شرق عمان للدلالة على رحلة اكتشاف الذات واسترداد الأمل في القدرة على مواجهة الحياة. وتبدو المؤلفة مشغولة بهمّ الأنثى التي تنتقل من دفء البيت إلى وحشة قسوة الحياة بعد موت الزوج الذي خلّف رحيله المرارة ومواجهة ذئاب الحياة الانتهازية. يبدو أنّ البطلة قد استوعبت درس النمل في الصبر الدؤوب وقررت أن تحيا.. "أراقب المشهد، أشرد بأفكاري، أحرّك مخيلتي، يا الله.. كم استغرقني الوقت لآخذ درسا من هذا النمل الدؤوب". كما في قصة "بي رغبة في البكاء"، فإنّ في قصة "سماء تنذر بشتاء قاس"، يبدو واضحا ميل الكاتبة إلى توظيف الحوار ذي الجمل الطويلة على نحو لافت، حيث يغدو الحوار وسيلة للتعبير عن الهواجس وتداعيات الأفكار أكثر من كونه جسرا للتواصل. إنها قصة المرأة التي تعيش لهفة الانتظار وقسوة الغياب أمام شاشة الحاسوب وعلى إيقاع انتظار رنةّ الهاتف من غير أن يبدو أن الانتظار له نهاية قريبة، بينما يعيش هو صعوبة التأقلم وضغوطات العمل في الغربة، غير أنّها في العمق قصة امرأة تبحث عن دور لها مع شريك الحياة، وعن دفء مفقود من رفيق درب بعيد عنها يعيش بإيقاع قاس يتركها تنتظر ولا يجد الوقت لعاطفة امرأة أضناها الشوق.