تحدث الكاتب والدكتورصالح بلعيد من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة تيزي وزو، بالجزائر، في هذا اللقاء الذي جمعه مع "الأمة العربية"، عن وضع التراث الشفوي الأمازيغي الذي يعاني الاندثار، واصفا خطورة الوضع بقوله " الأمازيغية الحالية رقم زائد للفرنسية، ورقم ناقص للعربية". ونوه محدثنا في ذلك، إلى ما يعترض الباحثين من صعوبات موضوعية أومصطنعة والتي حالت دون تعميم الأمازيغية، وبين وجود أزمة في التخطيط اللغوي عندنا وما يقابله من عمي حضاري بفعل طغيان اللغات الأجنبية، يبقى الخطر يداهمنا في عقر ثقافتنا وأصولنا، شأننا في ذلك ماعبر عنه أحد الشعراء الحكماء:" تعوي الذئاب من لا كلاب له، وتتقي صولة المستأسد الضاري، هذه واحدة من النقاط التي أثارها الباحث والأستاذ صالح بلعيد في هذه الدردشة القصيرة. "الأمة العربية": كيف تقيم واقع تدوين التراث الشفوي الأمازيغي من نصوص حكائية أوشعرية أوثقافية؟ الدكتور صالح بلعيد: بالنسبة للتقويم الأولي أقول إنّ التراث الشفوي الأمازيغي متنوع وكبير وغني، فهومادة خام يتلاغى به في الأسواق، وعلى ألسنة المداحين، ويحكى في الليالي الباردة أمام الكانون. ولكن الحضارة المعاصرة لم تفلح في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بحيث يكاد التفكير في التراث الأمازيغي يندثر بفعل الكهرباء وبفعل العمى الحضاري الذي نلهث من خلاله إلى اللغات الأجنبية. ومن هنا فإنّ عدم اللحاق بما هوفي أفواه بعض الخاصة يكاد يفقدنا تراثنا الغني. ولهذا فإنّ التقييم الذي خرجت به يؤسف له لأنّ الاندثار لهذا التراث هوالسائد". في رأيك، ما هي العقبات التي تعترض سبيل الباحثين المعاصرين؟ إنّ الباحثين المعاصرين لا يكلفون جهدهم في النزول إلى الميدان، وهم يريدون البحث في المكتبات أوما هوجاهز، ومن هنا ما نزال نعيش على النقول تلوالنقول، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الباحث المعاصر يفتقر إلى منهجية الارتحال إلى مواطن الصفاء اللغوي، مواطن لم يصل إليها السابقون، وهذا لعدة عوامل، منها: نقص المحفزات؛ عدم مأسسة المازيغية في الإطار الذي يضمن بالفعل أنّها لغة وطنية؛ نقص مراكز البحوث في الهوية والتراث المازيغي؛ التباين بين القول والفعل في النصوص القانونية؛ وعدم تعميم الأمازيغية. أتتفق معي إن قلت أن حمى الفرنسية تجتاح اللسان العربي الأمازيغي على حساب التوافق الاجتماعي؟ إنّ الأمازيغية بالفعل أخت العربية والعربية ليست عدوة الأمازيغية، فهما يتكاملان، لكن الخطاب الرسمي غير واضح في المسألة، بل نرى امتداد الأجنبيات على حساب العربية والأمازيغية. وإنّ الأمن اللغوي والنفسي عامل أساس في أن يقع التقارب بين اللسانين، وهذا ما كان عند الأجداد، ولكن حمى الفرنسية كما ذكرت بدأت تخلق الضرة للعربية، والعكس يصح للأمازيغية. في تقديرك، ما السبيل إلى توثيق هذا التراث الغني، بحكم حاجتنا القوية لتحقيق الأمن الثقافي والنفسي؟ من المؤكد أن الانسجام الاجتماعي أمن وطني مثله مثل الأمن الغذائي، وهوذاته أمن نفسي، فلا نريد من جزائري يسكن في تبسة أوفي تلمسان أوفي تيارت أوفي تيزي أن يصحب معه مترجماً، ومن هنا فإنّ الأزمة في التخطيط اللغوي الذي لم نوليه ما يستحق، فهل المجلس الاقتصادي الاجتماعي درس مرة مسألة الأمن اللغوي؟ لم يحصل هذا أبداً، أين نحن من التخطيطات المستقبلية؟ أين نحن من الاهتمام بالتنمية البشرية. ولذا يصعب علينا الآن توثيق هذا التراث ما دمنا لم نخطط التخطيط المناسب لقضايانا اللغوية. ويجب أن يعرف الجزائري أنّ الأمازيغية في شكلها الحالي لا تبشر بالخير، فهي لصالح الفرنسية، فنحن لدينا معاهد للغة الفرنسية رقم1، وهي التي تدرس الفرنسية، ولدينا معاهد رقم2 وهي التي تدرس الأمازيغية الآن. وبكل أسف فالأمازيغية الحالية رقم زائد للفرنسية، ورقم ناقص للعربية وللانسجام النفسي والأمن الثقافي، وهذا في ظل غياب الاهتمام بتحقيق هذا التراث الغني. ونرجوممن يهمه الأمر، من ولاة أمورنا أن ينتبهوا إلى هذه المسألة، فنحن لا نريد سودان الجنوب. نحن الجزائريون لنا ما يجمعنا وليس لدينا ما يفرقنا، فعلينا تحقيق الأمن الثقافي الذي يعمل على انسجامنا، وعلى مسؤولينا متابعة المسألة اللغوية بجدارة.