من جنون البقر الذي تسبّب فيه جنون البشر بشرههم وأنانيتهم إلى زكام الطيور الذي صار خطرا يهدد الإنسان في وجوده من شرق آسيا إلى أوروبا إلى إفريقيا وأوروبا والى بقاع الأرض كلها تنتقل الطيور حاملة الفيروس القاتل، تهاجر منذ بداية الخلق كدأب أسلافها في الهجرة والتنقّل دون جواز سفر عادي أو دبلوماسي، فلا أحد يوقف هذه الهجرة أو يغيّر اتجاهها فتلك سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولو حتى وزّعت على طيور الأرض كلّها جوازات سفر واستوقفت في المطارات العالمية. مهما قيل عن هذا الوباء الفتّاك، الذي تحمله هذه المخلوقات ومهما توسّعت بؤرته وانتشرت، فالدول المعنية حاصرته قبل استفحاله. وليست هي المرة الأولى الذي يواجه فيها الجنس البشري الأوبئة المستعصية، فعبر الحقب العابرة عرف الإنسان الكثير من الأوبئة التي كادت أن تقضي عليه، فالطاعون الذي كاد يقضي على العالم خلال القرون الوسطى كان مثل لعنة حلّت بالإنسان حتى كاد الجنس البشري أن ينقرض وتصبح حكايته مثل حكاية الديناصورات، لكن رحلة الحياة استمرت وبقي الإنسان محافظا على تفوقه وسيطرته على الكائنات الأخرى. وإن عدنا للحقيقة فإن أنفلونزا الطيور ليست خطرا على الإنسان، بل هذا الأخير هو الذي أصبح خطرا حقيقيا على نفسه بغروره الذي تفشى في الأرض وجهله وشراهته اللاّمحدودة واغتصابه لحق أخيه الإنسان وشركائه في الأرض من مخلوقات أخرى. أمور خطيرة تحدث في بيتنا الكبير، فالاحتباس الحراري الذي يهدّد الأرض ينبئ بعواقب وخيمة والتجارب النووية وتأثيرها على القشرة الأرضية وتلويثها لقاع المحيطات والمساحات الشاسعة من الصحاري، وتقلّص المساحات الغابية أمام تسلل المدن الإسمنتية إليها كل هذا أصبح خطرا مهولا لا يدرك حقيقته الإنسان العادي وما فتئ يحذّر منه العلماء. كائنات كثيرة كانت تشارك الإنسان الماء والهواء والغذاء دون أن تعتدي عليه أو تنهب شيء من حقه انقرضت بفعل غرور الإنسان، وأعداد أخرى منها تتقلص وستؤول عمّا قريب إلى الانقراض كنتيجة حتمية لبؤس البشر وأنانيتهم المفرطة على حساب كائنات لها الحق في الوجود كما ستنقرض بعد المجتمعات البشرية كنتيجة للإبادة الممارسة ضدها. وأمام هذا كله، هل فعلا أن الطيور هي الخطر الذي يهدد الجنس البشري بالفناء ..؟ الأكيد أن الطيور على أشكالها هي التي عليها الحذر من البشر كي لا تنقرض. فالإنسان الذي استعمل أعظم وسائل الدمار لإبادة الأطفال في غزة وقضى على 300 مليون إنسان في القارة الأمريكية ليس مستغربا أن يقوم بمحو ليس بلدانا من خارطة العالم بل العالم وخارطته، لأنّا وصلنا إلى عصر جنون البشر...