ضمن صفقة تبادل الأسرى.. المقاومة تُسلم جثامين أسرى إسرائيليين اليوم    وهران تعيد الاعتبار للشهيد علي مقطيط    اللجنة الصحراوية لحقوق الانسان تدين القمع الممنهج للاحتلال المغربي ضد المعتقلين السياسيين الصحراويين    مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء: تحيين دراسة الجدوى في غضون 6 أشهر    إحصاء أكثر من 2000 مُصدّر المنتجات الجزائرية..تسوّق في أكثر من 120 بلدا    ميلة..استهداف زراعة دوار الشمس على مساحة 530 هكتارا    الجزائر-سلطنة عمان: التجارب الناجحة في الجزائر تفتح المزيد من فرص التعاون    إيليزي..معاجلة قرابة 200 عريضة في السنوات الخمس الأخيرة    الدرك الوطني يواصل تنظيم خرجاته الميدانية بمناسبة اقتراب شهر رمضان    الشطر الثاني من قناة تحويل مياه بني هارون إلى كدية لمدور    بوغالي: الاهتمام بالذاكرة الوطنية واجب مقدس لا يقبل المساومة    الكاتب "ياسمينة خضرا" يشكر رئيس الجمهورية على تهنئته له بعد فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا    متحف أحمد زبانة بوهران ..معرض لطلبة الفنون الجميلة تحت عنوان "شهداؤنا أمجادنا"    مجلس الأمة يشارك بفيينا في الدورة ال24 الشتوية للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا    أدرار: أزيد من 150 مشاركا في الطبعة الثامنة من المهرجان الوطني الجامعي للإنشاد    بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد عطاف يشارك بجوهانسبرغ في الاجتماع الوزاري لمجموعة ال20    المغرب: الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان فاقت كل الحدود    تصفيات كأس العالم 2026: بوتسوانا - الجزائر يوم 21 مارس على الساعة 00ر14    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة الوطنية 2025) : عملية القرعة يوم الاثنين المقبل بمركب محمد بوضياف    اجتماع الحكومة: دراسة عروض تخص عدة قطاعات    فلسطين : أبو ردينة يحذر من الحرب الصهيونية الشاملة على شمال الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة    اختتام برنامج حاضنة " مبادرة الفن" بالجزائر العاصمة    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    مرّاد يشدّد على تسريع وتيرة الرقمنة    بوجمعة يستعرض أهم التعديلات    رسائل خاصة إلى الذات في مواجهة الأزمات النفسية    عجال يلتقي وفد من جيترو    خط جوّي بين الجزائر وأبوجا    محروقات: سوناطراك تبحث مع "شيفرون" الأمريكية سبل تطوير علاقات التعاون    وزارة البريد والموصلات السلكية واللاسلكية تطلق بوابة إلكترونية للتكفل بعرائض المواطنين    صِدام ناري بين الريال والسيتي    إنجاز تاريخي    خنشلة : أمن ولاية الولاية إحياء اليوم الوطني للشهيد    الأمن الحضري الأول توقيف 04 أشخاص لترويج مهلوسات والسرقة    توقيف قائد مولودية الجزائر أيوب    طقس بارد وانخفاض في درجات الحرارة السبت والأحد    التربية أولا أم التعليم..؟!    الرئيس تبون يرغب في تكوين نقابات قوية    هذا ما يجب أن تعرفه ربة البيت عن التوابل الصحية    محرز يحطّم الأرقام في السعودية ويردّ على منتقديه    تأجيل القمّة العربية الطارئة إلى 4 مارس المقبل    نحو إنتاج 9100 قنطار من البطاطا و3300 طن من البرتقال    لبنان يستنجد بمجلس الأمن الدولي    الفاف تضرب بيد من حديد    انتراخت فرانكفورت مهتم بضم عمورة    المسرح الجزائري بحاجة إلى مزيد من الكاتبات والمخرجات    اجتماعات تنسيقية لوقف النشاط الموازي    الموسيقى عنصر سرد حقيقيّ في المسرح    نردّ على الجرم الأبدي بأعمال راقية    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة التونسية سلوى بن رحومة ل"الأمة العربية":
نشر في الأمة العربية يوم 07 - 08 - 2011

أصداء الشعر تقرع في نفسك وأنت تسمعها تتحدث عن قضايا وضع الثقافة، بعفوية لغة مرصوصة المفردات منصوبة العبارات، تشي بعمق الدراية بألم الحاضر وأمل المستقبل في المشهد الثقافي التونسي.. مستقبل انصرم ألق وميضه من وهج اللحظة الثورية التي مزقت ظلمة الواحدية الأحادية التي جثمت على روح التونسي مذ استقل وطنه.. لحظة ثورية وضعت تونس على مسار القصيد الذي دوى من أرضها بحكمه وحكمته في أرجاء الدنيا.. فكان الشعب الذي أراد الحياة.. فاستجاب له القدر..هي الشاعرة الرقيقة سلوى بن رحومة المناضلة العضوية في معركة الكتابة والكتابة الجميلة.. عضوية لأنها مثلما تنظم جميل العبارات تنظم كبرى المهرجانات والمؤتمرات، وكل أولئك إنما يعكس مدى شغفها للثقافة وهوسها برؤية شعبها يتسيد مقاماتها في عوالم الإبداع في هذا العالم.
"الأمة العربية": المتمعن في مسار إسهامك في الحركة الثقافية يجدها تجربة متفردة وهذا من منطلق كونك تشتغلين على مسارين متوازيين العمل الإبداعي والعمل تنظيمي من خلال عضويتك ونشاطك في الكثير من الهيئات والجمعيات، ألا ترين أن قد يستنزف بعضا من قواك الإبداعية الأدبية؟
سلوى بن رحومة : هي المعادلة الصعبة سيدي، فلا إبداع من فراغ.. الفراغ يقتل المبدع والعمل الجمعياتي أولا يكثف إنسانيته ويعطي معنى له كإنسان مبدع لأنه بالضرورة عمل تطوعي من جهة وعمل يطور صاحبه من جهة أخرى فالمبدع إذا جلس في بيته فقط للكتابة سوف يتآكل ويجتر نفسه وإن قرأ بعض الكتب الهامة فان ذلك لا يكفي وإنما الاختلاط بالناس وبمن هم في ميادين إبداعية مختلفة عنه أيضا يمكن أن يضيف لتجربة المبدع ..على أن الانصراف بحماسة مفرطة إلى هذه الأعمال الجمعياتية يمكن أن يقضي على لحظاته الحميمية للإبداع كأن تأكلك المواعيد وان يأكلك الجري وراء التنظيم والاستضافات فهذا ممكن اذا لم نكن نعرف أين نقف من المسالة في كل مرة .. على أن العمل الثقافي والجمعياتي في حد ذاته لابد أن يكون مشتركا في التخطيط والتنفيذ .. وهذا يعلمنا الكثير إلى جانب انه ليس كل مبدع قادر على خوض هذه التجربة من أولها إلى آخرها .. فكثير من المبدعين لا يمكنهم التفكير او انجاز اي نشاط أو المشاركة فيه لأنه يتطلب دربة وصبرا والفنان عادة منصرف لحاله لا صبر له ولا وقت لديه.
يرى الكثيرون أن التجربة الإبداعية الأدبية في تونس تميزت إقليميا بكونها، وهذا عكس جيرانها المغاربة شعرية أكثر منها سردية، بمعنى آخر أن قوة التونسيين هي في الشعر وليس في القصة أو الرواية كما هو الشأن في الجزائر والمغرب، إلى أي مدى يمكن أن يصدق هذا الحكم؟
الأسماء التي وصلت إلينا منذ عشرات السنين كالطاهر بن جلون وغيره كانت أقلاما نثرية في الوقت الذي وصلت فيه أقلامنا الشعرية إليكم على ما اعتقد مثل محي الدين خريف ثم منصف المزغني والصغير أولاد احمد .. وغيره وقد تواصلت هذه المعادلة إلى سنوات قريبة فالتونسيون سليلو أو أحفاد أبي القاسم الشابي لابد أن يكونوا شعراء ولا غرابة في ذلك .. ربما لأن التونسي أيضا شاعري ورمنسي يميل إلى الحلم والخيال ..يميل إلى الهدوء .. إلى البساطة مما يجعل الشعر مناسبا له في التعبير .. وهذا تخمين شعري ولا يزيد عن ذلك .... أما عن الرواية فمن اجل الترويج لها في تونس فقد بقينا سنوات نسمع بأن زمن الشعر انتهى وحلت محله الرواية واعتقد ان محاولة الترويج للرواية من مظاهر الإقرار بأنه لا مكانة كبيرة لها في تونس أو العالم أمام أقدمية الشعر وسيطرته على ذائقة المتلقي عموما فالشعر موروثنا الحضاري الذي يبقى إنشاده على ركح في أي مكان قيمة ثابتة مغذية للنفوس مهما كانت اللغة أو مهما كانت الصور والمضامين.
انطلاقا من تجربتك الشخصية في هذين الحقلين كيف تجدين المنزع الإبداعي لديك هل هو للشعر مائل أم للقصة انطلاقا من البيئة المعرفية والتونسية التي أينعت في ربوعها ملكتك الإبداعية؟
البيئة تنجب مبدعا والعائلة تشجع على اكتساح المجال الإبداعي والمقاومة شيء ذاتي يكتسب مع الوقت. هذه المقاومة هي التي تجعل الكثيرين يبتعدون عن درب الإبداع في وقت ما لأن عزيمتهم تفتر أو زادهم أيضا لكني اعتقد أن العزيمة لها تأثير اكبر من الزاد، فكثيرون هم الذين لا زاد إبداعي لديهم ومع ذلك يصرون على البقاء في الساحة الإبداعية رغم ابتذال عطائهم أو محدوديته ..
نحن ثلاثة إخوة تربينا بنفس البيت من أم واحدة وأب واحد أكلنا من نفس الزاد وتغذينا من نفس منابع الحياة ولكن مع ذلك أينعت شاعرة واكتفى البقية بالوظيفة العمومية.. لا نختار كثيرا أن نكون من المبدعين ربما نختار أن نمشي في الطريق لكن البداية تختارك الطبيعة.. يختارك قدرك.. إلا إذا أردت الهروب من هذا القدر ولعلك لا تنجح في ذلك أيضا .. انأ سعيدة جدا بقدري الذي أوحى إلي بالشعر في سنوات عمري الأولى ومع ذلك أحيانا عندما تشتد ضغوطات الحياة والإبداع أقول لمَ لم أكن مثل إحدى أختي اهتم بزوجي وبتربية أطفالي وهنا تنتهي ظروف الحياة .. !
الثنائية الضدية التي كرست التصارعية المعرفية في مجتمعاتنا كالأصالة والمعاصرة العلمانية والدينية الذكورة والأنوثة كثيرا ما أعاقت حركة نمو العقل العربي وصعبت من مسار اندراجه واندماجه في سياق التطور التاريخي للإنسانية، إلى أي حد بلغ وعينا بضرورة تلافي مثل هاته الثنائيات؟ وهل مسار الثورات التي تفجرت بداية من تونس يؤشر على ذلك؟
أنا معك في أن هذه الثنائيات مفتعلة إلى حد ما .. نتوكأ عليها كلما احتجنا تبريرا ضعيفا أو مغالاة ساذجة فلكي نقول بان لنا كتابات أو أقلام نسائية .. نقوم بتصنيفها في خانة النسوية لتصبح المقارنة جائزة بين قلم المرأة والرجل وكأننا نكتب بهرموناتنا لا بذواتنا الإنسانية و لك أن تقيس على ذلك في كل الثنائيات وصولا إلى العلماني والديني الذي ازدهر بعد الثورة عوضا عن أن ينحصر ويقل شانه .. ولعل ذلك ليس بغريب إذا وقفنا عند الأمور في قراءة عقلانية لا مثالية أو ذاتية.. فالثورة قد حررت مسار الكلمة والرأي لم لا وان اختلفنا.. لكن خوفنا من الاختلاف هو الذي يوقعنا في الإشكال .. فقد ربينا في ثقافتنا على اللون الواحد والرأي الواحد .. حتى أصبح رمزا للاستقرار ومن مظاهر الهدوء ..في حين الاختلاف يجعنا مضطرين لإعمال العقل والتفكير .. حتى ننتهي إلى رأي محدد بين الاثنين .. الخمول الفكري الذي سببته لنا الفترة السابقة جعلنا نستسهل الأمور ولا نقرأ عواقبها إذا ما استسهلتاها.. ألان بعد الثورة وأمام بركان مفتوح من الرأي المخالف صار كل يصارع من اجل رأيه لكن من اجل رأيه فقط لا أن يتواجد ومعه آراء أخرى وهذه في حد ذاتها ثقافة سبقنا الغرب إليها في حين نحن مازلنا في طور المحاضرات حول حرية الاختلاف ولم نتوصل بعد إلى جدواها والإقناع بها .. لكن هذا يبقى رهانا حضاريا يستحق أن نقارع من اجله لأننا إذا ربحناه.. حددنا الكثير من طريق الحداثة والديمقراطية وكنا أكثر قدرة على بلوغها كأهداف بطريقة صحيحة لا ديماغوجية .
عطفا على السؤال السابق أي دلالة تحملها ظاهرة تأسيس جمعيات نسائية في مجال الإبداع الأدبي، كالنادي النسائي الأدبي مجيدة بوليلة الذي حضرتك عضو فيه؟ وهل الخطاب الأدبي يمنطق ويشرعن لمثل هاته الثنائية الانشطارية التي كثيرا ما رآها البعض أنها وهمية وهلامية؟
كان لابد من هذا السؤال ومن إجابة عنه حتى لا نقع في تنظير بعيد عن الواقع أو حتى لا يعتقد البعض أننا نقول ما لا نفعل.. نادي مجيدة بوليلة أكثر النوادي إشعاعا وعمرا في مدينتي صفاقس وهي ثاني ولايات الجمهورية التونسية . عمره يزيد عن 18 سنة حين تأسس كان مقصود أن يكون منبرا نسائيا لتقول فيه المرأة كلمتها وتثبت جدارتها في المساهمة من قريب في نشر الوعي والثقافة في البلاد ومع مرور الأيام صار السؤال يطرح هل بالإمكان أن نخرج من بوتقة النسائية إلى شراكة في النضال الثقافي .. كان التردد بالغا في كل مرة يطرح فيه أن تصبح العضوية فيه مختلطة .. رغم أن نشاطاته وبرامجه كانت مفتوحة على الجنسين أي أن المواضيع لم تكن فقط تهم المرأة وإنما كل ما يدور على الساحة كان يهم هذا النادي .. إلى جانب إن الحضور في نشاطاته كان مفتوحا والمشاركة في تفعيل نشاطاته من محاضرين وغيره كان أيضا مختلطا فقط كانت العضوية والإدارة فقط نسائية .. وقد أشع هذا النادي مع تواتر الذين ترأسوه من نساء مثقفات وذوات مكانة اجتماعية ونضالية . هذا وتجدر الإشارة إلى أن الاسم الذي يحمله يرجع إلى مناضلة تونسية بذلك الاسم كانت شاركت واستشهدت في حرب التحرير وهي من مدينة صفاقس وقد توفيت في السجن عن عمر يناهز العشرين سنة بعد أن أنجبت طفلتها . ولعل رمزية هذه المناضلة هي التي أوحت في البداية بفكرة نادي نسائي .. " تحررت " منه الآن عضوات النادي بعد الثورة ليصبح جمعية مختلطة في النشاط والعضوية .لكن هذا النادي لا يعكس بالضرورة ما هو موجود من توهج ثقافي ونسيج جمعياتي هو لبنة من نسيجها وبعض من كثيرها المتعدد في السياقات والمواضيع والأهداف على أن كل يسعى من موقعه كمثقف إلى نشر الوعي والأفكار الايجابية حتى نساهم جميعا في الحفاظ على المكتسبات والمرور بعدها إلى نيل مزيد من التقدم والانجاز.
مهرجان صفاقس هذا العام جاء في ظروف استثنائية، سمتها الوهج الثوري الذي انفلق ضياؤه من الأرض التونسية، ما الذي يمكن أن يغيره عن سابقيه عدا ميزة تبدل الزمن السياسي التونسي أو الإقليمي؟ وهل مجرد تواجد شاعر ثائر كسميح القاسم يمكن أن يدلل على خصوصية هذا العام؟
هذه السنة 2011 سنة استثنائية في كل شيء سنة بدأت بالثورات وستنتهي بالنصر إن شاء الله . سنة استثنائية في حياة تونس والتونسيين ولابد أن يكون لذلك برنامج مهرجان صفاقس وكل المدن التونسية استثنائيا أيضا . ولعل مهمتي هذا العام كنائبة رئيس مكلفة بالنشاط الفكري في المهرجان تجعلني أتحدث أكثر عن برنامج صفاقس الذي كان فيه حنين إلى برامج مهرجانات الثمانينات حين كان لنا متسع من الحرية لنقيم الحفلات التي نريد أن نؤسس بها ثقافة توعوية مختلفة عن السائد والمألوف فلا غرابة أن دعونا هذه السنة فرقة جذور الفلسطينية ومعها الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم ونحن قد دعونا في الثمانينات مرسال خليفة .. مظفر نواب.. المجنون رقم 7 وغيرها من العروض الهادفة .. هذا ما ربيت عليه الذائقة التونسية وما شكل ذوق التونسيين الذين قاموا بالثورة .. والآن بعد الثورة لابد أن نعود من جديد لهذا التوجه كي نوفي الثورة والشهداء حقهم ومادام في يدنا زمام الأمور فقد برمج المهرجان في صفاقس عرض مسرحية الفاضل الجعايبي "يحيى يعيش " التي كانت تجوب خارج البلاد أكثر مما تعرض في تونس نظرا لقوة نصها ولما تقدمه من نقد لاذع لا يروق عادة للحكومات إلى جانب عرض لامال الحمروني وهي المغنية الملتزمة التونسية التي هزت عرش السلطة في الثمانينات وحتى التسعينات بأغانيها الملتزمة .. ثم عرض شريط لا خوف بعد اليوم لمراد بن شيخ الذي افتتحه في مهرجان كان السنمائي هذه السنة احتفاء بالثورة التونسية .. أيضا عرض لامال المثلوثي وهي مغنية ملتزمة شابة ساهمت إسهامات كبيرة في صفوف الشعب الثائر أيام الثورة .. وندوة حول الثقافة البديلة ما بعد الثورة .. دعونا لها عددا من عقول الجهة ومفكريها للمحاضرة حول الموضوع وتسيير النقاش الذي سوف يفضي إلى تحديد الوجه أو الوجهة الثقافية التي يراها التونسي والشاب التونسي على وجه الأخص لعلنا بها نحاول أن نبث فيهم مسؤولية تحديد الخطوط الكبرى لثقافة نناضل من اجلها معتقدين اعتقادا جازما أنها معركة الشعوب الأولى والأخيرة وإذا صحت صح الشعب واذا مرضت انتكس معها .. لقد حاولنا في هذه البرمجة أن نشرك العديد من الفعاليات والجمعيات أن نشرك الكثيرين من الشباب لكن مع ذلك أرى أن أشياء كثيرة يفترض مراجعتها في صلب العمل والبرمجة في الدورات القادمة.
بالحديث عن التحول الثوري الذي عرفته تونس وصدرته بحتمية التاريخ وتلقائية الجغرافيا لجيرانها العرب، هل تخشى سلوى أن يؤثر اجترار هذا الحدث على مسار تطور الخطاب الإبداعي الأدبي مثلما يحدث عادة عقب نجاح كل ثورة، أم أن مزية عدم أدلجة الثورة الشعبية في تونس يجعل المنتج الأدبي ينأى عن السقوط في مطب الاجترار الإبداعي الثوري المسيس والممأسس والممنهج؟
أراك بهذا السؤال تقصد المنحى ألالتزامي للخطاب الإبداعي ما بعد الثورة.. لا خوف عليه بل لعله متنفس للعديدين الذين كانت كتباتهم وأصواتهم لا تعرف النور .وإذا تغيب أو غيب الإبداع في هذا الاتجاه صار للساحة الإبداعية بشتى أنواعها لون واحد .. التنوع ضروري وهذا النفس الملتزم ضروري أيضا وان كان لا يمكن أن يكون اللون الوحيد لأنه لا يعكس ذوق العموم وإنما ذوق النخبة أو يزيد لكن وجوده ضمان لنا جميعا بعدم الانحدار في هوة التردي الذي كنا نعيشه يفرضه علينا واقعنا إلى درجة أننا استسهلناه وتطبعنا عليه . الثورة أوجدت أصواتا جديدة ونماذج جديدة في الإبداع أيضا يكتب لها الحياة مثل "السلام" وغيره.. ربما تكمل طريقها هذه الإبداعات وربما لا تكمله الآن ..ربما نعود إليها في وقت لاحق لنطورها.. وربما لا نعود ..المهم ألا نؤذ أي جديد .. فكل ما هو تنوع هو مفيد للمبدع وللمتلقي حتى يطور نفسه ولا ينتج إبداعا جامدا ثم ينزعج من قلة المهتمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.