تعج مراكز الردم التقني والمفرعات العمومية الكبرى والمزابل في النسيج الحضري في المدن منذ بداية شهر رمضان الكريم بعشرات الأطفال مزودين بعربات صغيرة لجمع النفايات الصالحة للاسترجاع، والتي لا تخرج في معظمها عن المواد البلاستكية والزجاج والكرتون وبدرجة أقل المواد المعدنية والحديدية من نحاس وفلاذ، والهدف جمع أكبر كميات لإعادة بيعها بأسعار تتراوح ما بين 3 و7 دينار للكيلوغرام الواحد، حسب نوعية النفايات، وهذا إلى شركات الاسترجاع التي تنشط في عمومها في مجال الصناعات الغذائية والصناعات الورقية والسيلولوزية. "الأمة العربية" استطلعت الوضع عن كثب في مفرغة وادي السمار وعدد من المفرغات البلدية بالعاصمة في وضح النهار تحت أشعة الشمس الحارقة. أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 سنة وكلهم من سكان الأحياء الشعبية الفقيرة القريبة من مفرغة وادي السمار بالعاصمة، يحلون بالمكان بعد طلوع الفجر مباشرة ويستمرون في العمل دون كلل أو ملل حتى بعد العصر لجمع أكبر عدد من النفايات وهم منقسمون إلى جماعات "متعددة التخصصات"، فمنهم من يجمع الكرتون وآخرون مهتمون بجمع الزجاج والبقية متخصصون في جمع البلاستيك يعبئونها في عربات صغيرة، والوجهة إلى مشغليهم من الشركات المتخصصة في التحويل والتي ترتبط بدورها بعقود عمل مع شركات الصناعات الغذائية والغذائية الزراعية والمشروبات والعصائر وشركات استرجاع الورق في المنطقة الصناعية القريبة. رحلة البحث عن المسترجعات تبدأ بعد الفجر وتستمر حتى العصر وقد تحدثنا إلى عدد من هؤلاء الأطفال، واكتشفنا على لسانهم أنهم يبيعون ما يتم جمعه بأسعار متباينة. فمثلا الكيلوغرام الواحد من الزجاج وهو الأغلى سعرا بعد النحاس يتراوح ما بين 6 و8 دينارا. أما البلاستيك، فبسعر 4 دنانير وهو نفس سعر الكرتون والمواد الورقية الأخرى. أما الفولاذ والمواد المعدنية الأخرى، فهو بسعر 30 دينار للكيلوغرام. في هذا الصدد، قال لنا "هشام.ق" وهو طفل ما يزال يتابع دراسته في الطور الاكمالي في الثانية عشر من العمر "أنا وعدد من زملائي نستغل العطل المدرسية لضمان مصاريف إضافية لعائلاتنا، الكل حسب تخصصه والجهة التي يعمل معها.. نقصد هذا المكان في الساعات الأولى من الصباح لجمع ما يمكن جمعه من المواد الصالحة للاسترجاع. فمثلا، أنا متخصص في الزجاج وأجمع ما يزيد عن 40 إلى 50 كيلوغرام من المادة في اليوم أبيعها لإحدى الشركات المتواجدة على مستوى المنطقة الصناعية بوادي السمار، يصل ما أحصله في اليوم الى 500 دينار وربما أكثر في بعض الأيام. في رمضان الوضع صعب، فرغم أنني لا أصوم يوميا، إلا أن الحرارة العالية والروائح الكريهة المنبعثة من أكوام القمامة تؤثر علينا كثيرا، والأمر صعب بالنسبة لزملائي من سن 16 و17 سنة الصائمين". أما عمر وهو متوقف عن الدراسة منذ سنتين ويبلغ من العمر 16 سنة، فقد قال لنا "المزبلة أصبحت تستقطب أعدادا متزايدة من الأطفال للعمل في هذا المجال، فبعد أن كان عدد الذين يعملون في هذه المزبلة لا يتعدى 10 إلى 15 ما بين طفل وشاب، أصبحت اليوم تعد العشرات بالنظر إلى مردود هذه التجارة والطلب الكبير على النفايات من أجل الاسترجاع من طرف شركات التحويل. أصحاب الشاحنات الكبيرة يستغلون الأطفال بحفنة دينارات وقد التحق في المدة الأخيرة شباب كبار في السن تتراوح أعمارهم ما بين 30 و40 سنة وهم من أصحاب شاحنات صغيرة للعمل في هذا المجال حتى أصبحوا بدورهم يشغلون أطفالا على مستوى المزبلة، حيث يقتنون عنهم ما يتم جمعه بسعر يقل بدينارين عن السعر الذي كانوا يبيعون به ما يجمعونه مباشرة إلى الشركات الاقتصادية، لكن عموما اختزلوا عنهم أتعاب النقل وفي هذا الصدد قال لنا سيد علي.ب: "نحن لا نملك سوى عربات صغيرة ومهمة دفعها حتى المنطقة الصناعية تحت أشعة الشمس في رمضان أمر ليس بالسهل، لذلك نفضل بيعها في عين المكان بأسعار متدنية... الله غالب". اجتياح مكثف للمزابل الحضرية في رمضان ولا يختلف الأمر كثيرا في المفرغات البلدية الصغيرة عما هو حاصل في وادي السمار، حيث تشرع جماعات من الأطفال في الصباح الباكر في مهمة البحث والجمع في المزابل المتواجدة بالأحياء الحضرية خاصة في هذا الشهر الكريم، حيث ترتفع نسبة النفايات من المواد الزجاجية والكرتونية والبلاستيكية تبعا لارتفاع مستويات الاستهلاك العام وقد صادفنا مطلع هذا الأسبوع أطفال في حي الموز بالمحمدية وآخرون في حي عدل بباب الزوار يجمعون كل ما هوصالح للاسترجاع مع فرق كبير مع أطفال مفرغة وادي السمار، حيث أنهم لسيوا متخصصين بل يجمعون كل شيء وبعدها يشرعون في فرز المواد لاحقا في أماكن قريبة. وتلجأ فئات أخرى من الشباب والأطفال إلى الأسواق الفوضوية وحتى النظامية لجمع الورق والكرتون وهوالنشاط المستفحل بشكل كبير في سوق الحميز وسوق دبي بحي الجرف بالعاصمة حيث تلفظ هذه الأسواق يوميا مئات الكيلوغرامات من مادة الكرتون والورق. وقد التقينا "عادل.ب" وهو طفل لا يتعدى عمره 14 سنة، وقال "التأثيرات الصحية التي عانينا منها في المفرغات الكبرى دفعتنا إلى مغادرتها، كثيرا من زملائنا أصيبوا بأمراض شتى مستعصية خصوصا التنفسية والأمراض الجلدية الأخرى، لذلك قررنا "الاستثمار" في المفرعات الصغيرة بالأحياء السكنية. فرغم أن المردود ضعيف مقارنة بما كنا نجمعه في المفرغات الكبرى، إلا أن "البركة في القليل"، كما قال. أما "الطاهر.ب" وهو شاب في العشرين من العمر، فهو متخصص في جمع الخبز لإعادة بيعه إلى مربي الأبقار والغنم في منطقة بئر توتة والرغاية بالعاصمة، وبوفاريك بولاية البليدة. خبراء: إمكانيات الاسترجاع متوافرة.. لكن غير مستغلة وسبق للعديد من مكاتب الخبرة والاستشارة المتخصصة في دراسات الاسترجاع، أن أكدت أن الجزائر لديها مؤهلات كبيرة في هذا المجال، لكنها غير مستغلة وجميع البرامج التي باشرتها الحكومة في هذا المجال كان مآلها الفشل بسبب غياب المرافقة والتأهيل والحاصل حاليا لا يعدو أن يكون سوى سلوكيات فوضوية وعشوائية في وقت كان الأجدر بوزارة الصناعة استحداث مراكز منظمة لعمليات استرجاع الورق والزجاج والكرتون مثلما هوحاصل في العديد من الاقتصاديات المتقدمة التي حققت نتائج باهرة في هذا المجال واقتصاد فواتير بملايين الدولارات سنويا.