شعار العشرية: "الوطن مزبلة والصحفي حشرة" "بسينوغرافيا" متميزة كسرت مربع الخشبة واخترقت فضاء الركح، بدأ العرض المسرحي لمخرجه يحي بن عمار،حيث استهل بصوت مزغنة يخترق الصمت بإضاءة طفيفة مرافقة لهذه الشخصية الرمزية، و هي تؤدي أغنية "يا مقنين الزين" للراحلة فضيلة الجزائرية، أشهر أغنية عاصمية لأشهر مغنية في الغناء العاصمي، المميز لمزغنة، الإسم القديم للجزائر العاصمة. تتقدم مزغنة من الطرف الآخر للديكور، و تتوارى عن الأنظار في الوقت الذي يظهر "حسيسن" من الجانب الأول، ممددا فوق طرحتها بجانبه الآلة الكاتبة، بداية العرض كانت توحي بنهايته، و بمصير البطل الذي أدى دوره "توفيق ميمش"، حيث ستكون نهايته بقطع لسانه، عقابا له على جلبه للصحفي الإسباني "فاسكيز" حفيد الكاتب العالمي "ميقال دي سارفنتيس"، و الذي سيلقى حتفه لأنه كشف تورط رجال السلطة، في عمليات التهريب لآثار العاصمة ، وصفقات الأدوية منتهية الصلاحية. تصور المسرحية، صداقة خيالية جمعت حسيسن، ب"فاسكير" في ظروف استثنائية، حين قدم هذا الأخير للجزائر لزيارة الأماكن التي سحرت جده، و بدأها بالمغارة التاريخية التي كتب فيه "سرفانتيس" روايته الشهيرة "دونكيشوت"، لكنه قبل أن يزورها يجب أن يمر على مزبلة واد السمار، التي أصبحت مآل كل ما هو ثقافي وتاريخي في الجزائر، مرورا بواد الحراش، برائحته الكريهة، قبل الوصول الى مغارة "سرفانتيس" ببلكور، التي أصبحت هي الأخرى مزبلة بعد إهمالها من قبل السلطات. المزبلة متواجدة في كل مكان بالبلاد، أصبحت شعار الانتهازين، وخطاب السياسيين "انتم المزبلة، المزبلة منكم و إليكم.. ". و بسب المزبلة يقتل الصحفي، أو كما ينعته شخصيات العرض ب "الحشرة" وهي فعلا حالة الصحفي، و المثقف في تلك الفترة حيث كان مستهدفا من تيار الانتهازيين و تيار الإرهاب. في هذا الطريق الذي سلكه حسيسن و الصحفي، تتطور فيه الأحداث الدرامية، و تتعرى الكثير من الحقائق حيث انكشفت فضائح السلطة المتورطة في صفقات مشبوهة، للتهريب و القتل، متقاطعة مع جرائم القتل للإرهابيين في حق المدنيين، و في العمل دعوة صريحة لنبش الماضي، وكشف حقيقة الأحداث في العشرية السوداء ومن تسبب فيها، فتقول "العاصمة" حسيسن الذي سيتحول الى "دونكيشوت" البطل ، "أنت مريض، وكلنا مرضى، "لازم نحكيو"، و يعرف الناس "واش صرا"، "لازم الخوف يخرج منا .." أداء متميز وقعه كل الممثلين، كمال كربوز، و عبد الحق بن معروف في دور المسؤولين، كمال رويني، جموعي عبد الرحمان في دور التابعين وحاشية المسؤولين، و بشير سلاطنية في دور "فاسكيز"، و دور الإرهابي لرضا بوسعيد ، و اقتباس موفق من قبل " النص حميد قوري"، الذي نجح في التحرر من نص الرواية من خلال التقديم و التأخير في الأحداث، التي اختصر منها الأهم، فلم يبتعد عن مضمون العمل الأدبي، كما لم يأخذ به بكل محطاته، و من جهته قدم يحي بن عمار، رؤية إخراجية اعتمدت على الربط المباشر بين المشاهد، و الحوار السريع بين الشخصيات، والحركة المستمرة على الخشبة، ثم يكسر تلك الحركة بين الحين و الآخر، بصوت مزغنة التي أدت دورها الفنانة "أمينة بلعايد"، حين تقتحم الديكور الخالي من أي مجسم أو أثاث سوى ستائر بيضاء، وأرضية بيضاء لون العاصمة الجزائرية التي اشتهرت به على مر السنين. كما سجل العمل حضورا قويا للغة الرمزية فقدم المخرج المسؤولين ببدلة مزدوجة، دلالة على ازدواجية شخصيتهم، وتماشيهم مع كل التيارات في سبيل تحقيق أهدافهم و مصالحهم، وينتعلون "الكراسي" التي ترمز الى تشبثهم بالحكم و السلطة، ثم يصور بن عمارحاشية المسؤولين وهم يضعون "كمامات الكلاب" فوق رؤوسهم، متبعين مبدأ "لا أرى لا أسمع لا أتكلم"، ينفذون ما يأمرهم به أسيادهم، فينهبون، ويقتلون، ومن جهة أخرى يلف المخرج الإرهابي بوشاح أحمر، يرمز الى الموت الذي جلبه الأصوليون الى المواطنين، أما شخصية "مزغنة" فقط تعدد توظيفها ، بين الجزائر العاصمة، الضحية "عائشة" التي قتلها الإرهاب، و مايا شخصية في الرواية.