لم تهمل مسرحية "مزغنة" أيا من أفكار الرواية "حارسة الظلال"، و جاءت في نسق درامي مليء بالإيحاء وثريا بالرمزية، هذه الأخيرة كانت الوتر الذي لعب عليه المخرج في قول ما لا يقال، مستغنيا عن الحوار فاتحا للمشاهد فضاء أوسع للفهم موظفا "السلم" و"كمام الأفواه" على الرأس دلالة على إسكات العقل الجزائري في التسعينيات ودلالات أخرى أضحكت وأبكت أيضا جمهور بشطارزي. * أعاد عرض "مزغنة" للمسرح الجهوي بعنابة أول أمس الاعتبار لمستوى المسرح الجزائري بعد صدمة "الصدمة" لمسرح وهران. رفع الستار عن رؤية إخراجية ليحيى بن عمار واكبت الطرح الجريء في "حارسة الظلال" للروائي واسيني الأعرج. * تجاوب نخبوي و شعبي سجلته مختلف طوابق قاعة المسرح الوطني التي عجّت بمتتبعي المشهد المسرحي الجزائري وبقرّاء واسيني، لنكتشف بأننا تخلصنا أخيرا من رهبة الاستثمار في روائع كتابنا الذين اخترقت أعمالهم الحدود، و إذا لم يستطع خوذي التحكم دراميا في فصول "الصدمة" فقد أتقن يحيى بن عمار ذلك في أغلب الوقت حتى تفوّق إخراجه وسينوغرافيته على أداء الممثلين في عديد المشاهد. * استعمل المخرج كل الركح وعمد إلى استخدام سلاسل مقيدة لجموعي عبد الرحمن، الذي كان يرمز للشعب وانسياقه للحكام واستخدامه من طرف المافيا التي لا تضم، حسب العرض، المشردين بقدر ما تضم مثقفين و سياسيين استباحوا كل شيء في سبيل إحكام قبضتهم من خلال وقوف كل من كمال كربوز وعبد الحق بن معروف على مدار العرض واقفين على الأحمر. * قتل الصحفيين وملاحقتهم من طرف السلطة والمتطرفين كان محور العمل. وأدى دور الإرهابي المطارد رضا بوسعيد الذي بدا مجرما أكثر منه متطرفا دينيا. وهو المشهد الذي أبدع فيه الصحفي المؤمن برسالته رغم الضغوط المتمسك بوطنيته "حسيسن" أو دونكيشوت. واستطاع ميميش أن ينقل معاناة أبطال مهنة المتاعب سنوات الدم والنار والذي انتهى به المطاف إلى قطع لسانه، ورغم ذلك رفع عليه الستار وهو يكتب على الآلة الراقنة في إشارة إلى روح التحدي. * الدكتور واسيني الأعرج ولحظات بعد إسدال الستار التقته "الشروق" فعبّر عن كبير إعجابه بمستوى العرض الذي حافظ، حسبه، على اللغة الجريئة والإيحائية لواقع يفهمه الجزائريون جيدا. وكشف في نفس السياق عن جديد مسرحي في الأفق سيولد من رحم "سيدة المقام".