المرأة والمضايقات اليومية لعلنا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا بأنّ المرأة أكثر عرضة للمضايقات في حياتها اليومية من الرجل، وذلك لأنّ هذا الأخير بمقدوره التصدي لها بحزم تبعا لتركيبة شخصيته، لكن المرأة بوصفها الجنس اللطيف قد تصبح غالبا مُستهدفة للمضايقات المتنوعة من بينها المعاكسات والمساومات والاستفزازات والإهانات وغيرها، مما يدفعنا إلى طرح جملة من الأسئلة، وفي مقدمتها هل حقا نراعي مشاعر المرأة مثل بنت وأخت وزوجة وأم حتى ولو لم يكن هناك دم القرابة يجمعنا بها؟... هناك من النساء والفتيات من طُرح عليهن هذا السؤال، لكن البعض منهن رفضن الإجابة لأنهن بصراحة كما أفصحن لنا قد فقدن كل الثقة في رجل اليوم والمجتمع الرجولي بشكل عام، أما فئة أخرى من النساء فلكل واحدة منهن ترددت في الإجابة لسبب بسيط ألا وهو، لها رأيها الخاص حسب ما تلقاه من معاملات في تجربتها اليومية، في حين أفصحت لنا فئة أخرى منهن عن انشغالاتهن من الموضوع فجاءت ردودهن متباينة أحيانا ومتقاربة أحايين أخرى. الظاهرة فاقت المرض لتتحوّل إلى فيروس خطير بهدد المجتمع في الصميم بعض الطالبات الجامعيات اللواتي حاورناهن في الموضوع ( حليمة – كلية الحقوق )، أكدت إحداهن لنا بأنّ هذه المعاملات ترتكز أساسا في المعاكسات التي تتلقاها الطالبة بشكل خاص شبه يوميا من الرجل دون اكتراث لمشاعرها، وعليه فهو يرتكب الكثير من الحماقات في حقها إما من باب التسلية أو ملء الفراغ أو عمدا، ربما يظفر بواحدة تشاطره رغباته وتلبي نزواته حتى لا نقول مشاعره التي غالبا ما يغلّفها بشعارات الإعجاب والإطراء والحب والعشق وغيرها، لكن نفس الطالبة عبرت عن أسفها الشديد لوجود مثل هذه السلوكات المسيئة للجنس اللطيف خاصة وأنها تزداد مع مرور الأيام بشكل رهيب، بل اعتبرت الظاهرة حسب تصريحها.."قد فاقت المرض لتتحوّل إلى فيروس خطير بهدد المجتمع في الصميم، وعليه فإنني أطالب الجميع كل في موقعه للعمل قصد إيقاف هذا الوباء الزاحف والمضر بالمرأة بالدرجة الأولى، وإذا ما أصيبت المرأة في أنوثتها وشخصيتها فإنّ ذلك سيعود بالتأكيد سلبا على المجتمع.." أين ذهبت نخوة ومروءة الرجل.. بل خوفه من الله؟؟".. فئة أخرى من النساء لهن آراءهن الخاصة، حيث أكدت إحدى الموظفات في الإدارة على ضرورة البحث عن حلول ناجعة في أسرع الأوقات لمثل هذه التصرفات المسيئة لكرامة المرأة، فهي على سبيل المثال قد تعرّضت في أحد الأيام لمضايقة خطيرة تمثلت في مساومتها بين شرفها أو الحصول على منصب هام جدا في إحدى الشركات، لكنها كما قالت بصريح العبارة.."لم أصدق ذلك ومن حيث لا أدري، غادرت المكان دون رجعة هاربة وخائفة على نفسي في حالة بقائي في عين المكان"، وظلت أكثر من عام في بطالة مفتوحة حتى وجدت وظيفة في مؤسسة محترمة حسب قولها. وفي السياق ذاته، استطردت السيدة ( مليكة – حلاقة ).." قد آن الأوان لرد الاعتبار للمرأة، فالخطاب الرسمي في وادي والحقيقة في وادي آخر، على الأقل احترامها كإنسان وهذا ليس مستحيلا لأنها لا تطلب القمر بل تفهما من شريكها في الحياة الرجل، وإدراكا منه لدورها ومكانتها في المجتمع.." ثم سكتت هنيهة وأردفت مُتسائلة بلهجة شديدة ونبرات حادة " أين ذهب ضمير هذا الرجل الذي يضايق المرأة قصد قضاء حاجة في نفسه؟..أين ذهبت نخوته ومروءته بل خوفه من الله؟؟".. أين دور الأسرة والمدرسة في توعية الجميع وبشكل خاص الجمعيات باختلافها. من جهتهن بعض الفتيات تحدثن عن الظاهرة حتى طفح الكيل، حيث أن إحداهن ( عائشة – بدون عمل ) قالت " إنّ المرأة تتلقى الإهانة والإساءة يوميا وبالمجان، ذنبها الوحيد أنها ترفض الاستجابة لمعاكسة الرجل أو تركع لرغباته وتقبل عروضه التي باطنها المكر ولا تحمد عقباها.." وأضافت ( ليلى – بائعة في متجر للأزياء ) وكأنها تنتفض.." من المفروض أن يراعي الرجل مشاعر المرأة ويحميها لأنه يدرك جيدا بأن لا حول ولا قوة لها، ومع ذلك يتعمد مضايقتها ويستغل ضعفها الأنثوي..فلماذا لا يمارس نفس المعاملة مع أمثاله من الرجال؟... أما ( سمية – ممرضة)،أكدت بدورها بأنّ " المسؤولية لا يجب فقط إلصاقها بالشباب بل لها أسباب وعوامل نظرا لما يعلنون منه من فراغ كبير في حياتهم "..ثم استطردت متسائلة.."أين دور الأسرة والمدرسة في توعية الجميع وبشكل خاص الجمعيات باختلافها..أنا لست بصدد الدفاع عن هؤلاء الشباب الذين يعكسوننا في الشوارع ولكنني أريد وضع النقاط على الحروف محاولة تشخيص الداء وضرورة إنصاف الجميع..." أراء أخرى لبعض النساء اللائي عبرن عما يجيش في صدورهن ويجول بخلدهن، حيث صرحت السيدة ( فاطمة –أستاذة جامعية ) بأنّ الكثير من شباب اليوم بدون عمل أو دراسة، ومن بين هؤلاء كما قالت.." يُؤلمهم كثيرا أن يرون المرأة تعمل ولها مهنة مستقرة ومهمة في حياتها، وعليه فهم قد يُعبّرون عن سخطهم من هذه الوضعية وسوء حظهم في هذه الحياة، ولدى نجدهم يقومون بهذه السلوكات الاستفزازية تجاه المرأة والتي تبقى في صميمها مخالفة للدين الحنيف والأعراف والقانون والعادات وللآداب العامة."...كما أضافت في سياق متصل." نفس الشيء بالنسبة للرجال الذين يعملون ولهم مناصب جد هامة من المرأة في الجانب المهني، يريدون فقط التعبير عن رغبتهم الجامحة من خلال استغلال مراكزهم ومناصبهم للتأثير عليها، خاصة إذا كان مسؤولا عنها في العمل وذلك إما لإثبات نظرية ( السيد ) التي بفقدها في البيت مع زوجته من باب الإنتقام، أو لأنه أصلا مثل زير نساء يريد إشباع رغباته الحيوانية ليس إلا"... الظاهرة اجتماعية جديرة بالبحث والدراسة لتقدير مدى خطورتها... أما السيدة ( عاتقة – أستاذة في علم الاجتماع ) تقول في ذات الموضوع.." إنّ القيم الاجتماعية قد تغيّرت بوتيرة مُتسارعة بحكم التحولات التي شهدتها كل المجالات في حياة المواطن، وأيضا نظرا لنمط المعيشة والتفكير في ظل العولمة وغزو الفضائيات وعالم الأنترنت، فهذا الموضوع قد يراه البعض بسيطا ولا يلقى اهتماما بالغا، لكنها ظاهرة اجتماعية جديرة بالبحث والدراسة لتقدير مدى خطورتها وعواقبها السلبية على أفراد المجتمع ككل، ناهيك عن كونها دخيلة على مجتمعنا المحافظ المعروف بما اصطلح على تسميته ب ( النيف )، فكيف وصلنا إلى هذه الدرجة؟..الأكيد أنّ هناك الكثير من العوامل والأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في استفحال هذه الظاهرة ليس فقط في مجتمعنا بل في كل المجتمعات العربية والإسلامية..." محاولة الشخص الذي يعاني التهميش والإقصاء في المجتمع أن يفرض وجوده. أما الدكتورة ( نادية – علم النفس) قالت في الموضوع نفسه.." إنّ المضايقات التي تتعرض إليها المرأة ليست في مجتمعنا فحسب بل أنّ بعض الإحصائيات تؤكد بأنّ خطورتها في بعض الدول المتقدمة تفوق الوصف..كما أن هناك دوافع وعوامل من بينها غياب التربية الدينية والأخلاقية ومحاولة الشخص الذي يعاني التهميش والإقصاء في المجتمع أن يفرض نفسه والتعبير عن وجوده، إلى جانب التأثير المباشر لما تذيعه وتبثه القنوات الفضائية على المشاهد العربي وبشكل خاص من خلال متابعته للمسلسلات والأفلام المخلة بالأخلاق والآداب العامة، ناهيك عن التسيب الخلقي داخل الأسرة التي بدأت تتفكك وتتخلى عن دورها التربوي وأيضا فقدان الرابطة العضوية بين الآباء والأبناء ، وعليه يجب العودة إلى مقوّماتنا الشخصية وكذا تنمية الضمير في أبنائنا وزرع روح المبادئ في نفوسهم والخصال الحميدة فيهم منذ نعومة أظافرهم، لأنّ المسؤولية تبقى مشتركة بين كل شرائح المجتمع"..