هل حقا أن السبب خلف الهوان الذي يعيشه المثقف عندنا هي السلطة..؟ سؤال طرحته على زميلي إسماعيل يبرير، ونحن نجلس في مقهى لا يكاد يرتاده أحد من وضاعته، والأمر عادي أن يجلس المثقف في مقهى لا يرتاده أح، لأنه صار وباء يصيب بالعدوى كل من يقترب منه، والعدوى هنا ليست سوى الفقر والفاقة والمهانة. ولم يجبني إسماعيل، لكني جاوبت نفسي، ربما لأن صمته كان في مثل إجابتي، حتى وإن اعتبره البعض غريبا، إلا أنها الحقيقة، على الأقل بالنسبة لي، وهي أن مشكلة المثقف ليست مع السلطة، ولكنها مع المثقف ومع الذين استحوذوا على المشهد الثقافي والفكري والأدبي، والمثقف الذي ينتظر أن تنصفه أي سلطة مهما كانت هذه السلطة تحترم حرية الرأي، فهو واهم، لأن هذا لم يحدث حتى في أكبر البلدان التي تدعي الحرية. والأمر الآخر، أن مشكلة المثقف الحقيقية مع مثقفين مثله، اختاروا طريقا آخر لا يؤدي إلى الفكر، ولكنه يؤدي إلى المناصب والمكاسب عن طريق البيع والشراء في الذمم، ولا داعي للخوض في إشكالية توجيه الرأي العام من طرف المثقفين، لأن التوجيه يبدأ من هيئات حزبية وبألسنة ثقافية، فأغلب المثقفين الذين عندنا والذين نالوا مناصب رفيعة، رغم هزالة ما قدموه في الميدان الثقافي، لم ينالوه بأفكار مقتنعين بها، وإنما ببيع الضمير لأحزاب ليسوا فيها سوى عملاء، والأمر ينطبق على بعض اللواتي دخلن الشعر من غرفة فندق، وعليه فقد صار الأمر مخجلا جدا حين يدعي أي إنسان محترم أنه مثقف، لأنه لو صرح بذلك سيسأله مواطن عادي، هل: أنت "ابن كلب سيدي"؟