في الوقت الذي تعيش فيه أمهات في وسط عائلي مفعم بالحب والحنان وهن يرين فلذات أكبادهن ينمون يوما بعد آخر، ويتدرجون في الحياة الاجتماعية من طفل صغير، شاب تم أب يتحمّل المسؤولية، هذه الصورة الإنسانية التي تعكس سُنة الحياة وسر خالق هذا الكون، قد تتلاشى لدى نساء أخريات حرمن من عطف أولادهن وهن في أرذل العمر وعصف بهن القدر، ليجدن أنفسهن في دور العجزة بعيدا عن مسرح الحياة الطبيعية لكل عائلة ملتئمة. هذا هو حال بعض النزلاء الذين إلتقينا بهم ب "ثكنة" بن شعبان الواقعة بالقرب من المستشفى الجامعي بوهران، ذلك الصرح الاجتماعي الذي تتكفل به بلدية وهران يضم (105) نزيلا وفئة النساء يمثلن أكثر من 50 بالمائة، هذه الوقفة التي أقل ما يقال عنها تضامنية لأنها لن تغير مجرى حياتهم اليومية التي تعودوا عليها داخل ذاك المبنى، إنما هي إلتفاتة أردنا منها أن تكون زيارة تفقدية ومعها نقف وطاقم الجريدة وقفة إجلال لمعاني الأم التي سهرت وربت وأنشأت أجيالاً تسهم في بناء هذا الوطن وتشييده. دار العجزة هذه وحسب مسؤوليها، كانت ملاذا للعديد من قهر الزمن، وهذا إن علمنا أن أكثر نسبة من هؤلاء الضيوف هم مرضى عقليون لا حول لهم ولا قوة وآخرين انحدروا من مستشفى الأمراض العقلية "بسيدي الشحمي" وبعضهم الآخر وبالنظر لعوزهم الاجتماعي وجدوا أنفسهم في الشارع كمتسولين أو كعابري سبيل، ولكن المركز المذكور حافظ على كرامتهم وضمهم إلى مبناه بعد أن إلتحفوا السماء وفرشوا الأرض في وقت مضى. * الحاجة "عوالي" 97 سنة رمت بها الظروف في المركز القصة هذه حدثت مع السيدة عوالي 97 التي وجدت نفسها في الشارع ذات يوم وذلك منذ 08 سنوات بعد ظروف عائلية قاسية، ومع مرور الوقت وتعودها على المكان رفضت العودة إلى المنزل رغم إلحاح ابنتها وحفيذاتها، وهو ما ينم على حياة دافئة وعيش هانئ وجدت فيه النزيلة راحتها مع الآخرين. وللإشارة، فيحتوي المركز على إطارات يتكفلون بهؤلاء النزلاء ويقاسمونهم فرحتهم وأحزانهم في مختلف الأعياد الدينية، كمديرة المركز وطبيب عام وطبيبتين نفسانيتين، وكذا مختص في الأمراض العقلية إلى جانب الدور الفعال الذي تلعبه بعض الجمعيات النشطة في المجال الإجتماعي بوهران. يحدث هذا، ووزارة التضامن الوطني قد حضّرت لمشروع تجريم الأبناء الذين يتخلون عن أولايائهم ويرمونهم إلى الشارع. ولولا تكفل الدولة بهؤلاء العجزة، لكان اليوم مصيرهم مجهولا، وهو ما قد نراه بالشارع بين الحين و الآخر حينما نجد شيخا يتسول طلبا للقمة العيش. وإلى حين بلورة المشروع على أرض الواقع، ينتظر أن يكون له صدى فعالا في بعث وإحياء التكافل الإجتماعي بين طبقات المجتمع الذي غاب أو تصدع في زمن العولمة.