تزداد أعباء الطبخ على السيدات خلال شهر رمضان، وتعم البيوت حالة استنفار قصوى لتحضير أشهى الأطباق، وتبدأ رحلة البحث عن الوصفات الجديدة، وتصاب النساء بحمى إسمها "حمى الكيفيات". بالرغم من أن قائمة المائدة الرمضانية مضبوطة أساسا على الشوربة والبوراك والسلطة، إلا أن ثمة أطباق أخرى في القائمة تختلف من مائدة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى، تتمايز فيما بينها والسبب يرجع بالطبع إلى ذوق ونفس ربة البيت ولمستها أيضا. وبما أن أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته، تنتاب السيدات حالة خاصة قبيل حلول الشهر وتستمر معهن طيلة أيام الصوم فتبدأ عملية تبادل وصفات الطبخ وتتبع برامج الطبخ التي تنتشر عبر الفضائيات وحتى على صفحات الجرائد، وهناك من تقوم بإدخال تعديلات على بعض الوصفات لتلائم ذوق الأهل، كما يمكن لأخريات ابتكار نكهات جديدة وتحديث الوصفات القديمة، الكل يقوم بمجهود لكن حسب المقدورات المادية طبعا. ولعل أحدث طريقة صارت تلجأ إليها النساء في رمضان هي التوجه نحو التكنولوجيا واعتماد "لغة العصر" أو ما يعرف بالمطبخ الافتراضي، الذي يحتوي على آلاف الوصفات ومن مختلف بلدان العالم سواء فيما يخص الأطباق أو الحلويات، وتقبل على هذا النوع من الوصفات النساء الموظفات اللواتي يستثمرن وقت العمل في المكاتب ويقضينه في الإبحار على النت من المطبخ المغربي إلى الشامي إلى الفرنسي وحتى الصيني، وفي هذا الصدد تقول آمال سكرتيرة بإحدى المؤسسات الاقتصادية "على الرغم من انشغالي بسبب كثرة العمل، إلا أنني أخصص ساعة أو أكثر في اليوم طوال الشهر أبحث عن وصفات وكيفيات من مختلف مطابخ العالم، ولعل أكثر مطبخ يعجبني هو المطبخ السوري وتمكنت من تحضير عدة أطباق كالتبولة والمجدرة وحتى حلوة الكنافة، أما أغرب مطبخ عثرت عليه هو الصيني وبصراحة فإن وصفاته مقرفة وغير مفهومة". من جهتها تحدثت سناء وهي عاملة بإحدى الإدارات العمومية عن وصفات الأنترنيت، فهي من أشد المدمنات عليها وخاصة مواقع الحلويات، ولم تنكر سناء أنها أصبحت تتقن طهي العديد من الحلويات بسبب شغفها بمواقع الحلويات الفرنسية والأوربية مؤكدة أنها تتحاشى تحضير البعض منها التي تضم في مقاديرها بعض المواد المحرمة عندنا، وفيما يخص الأكلات تضيف محدثتنا أن الأنترنيت ساعدها كثيرا في التعرف على المطبخ اللبناني وتعلم تحضير بعض الكيفيات قائلة أن التنوع في المائدة أصبح مطلبا ملحا وإضافة جميلة للمائدة الرمضانية من أجل شد أفراد العائلة إليها، وهي اليوم تقدم على المائدة الرمضانية الكبة والكوسا محشي وغيرها من الأطباق الشرقية. بالرغم من الانتشار الواسع لكتب الطبخ والحلويات عبر مختلف الأسواق وإقبال العنصر النسوي عليها، إلا أن الأنترنيت اليوم أضحى المنافس الشرس للكتب وحتى برامج الفضائيات، فمثلا إقتناء كتاب سميرة أو السيدة أرزقي –وهما أشهر سلسلتين في كتب الطبخ- لا يكون إلا بدفع ما يقدر بين 200 و250دج للكتاب الواحد، كما أن عدد الوصفات فيه محدود، بينما تمكن ساعة واحدة على النت إقتناء عدة وصفات ومن مختلف أنحاء العالم وهذا كله مقابل دفع مبلغ 40دج. وفي حديثها إلينا، تقول السيدة مريم "45سنة" أنها سمعت عن وصفات الأنترنيت لكنها تتأسف لأنها لا تتقن استخدام التكنولوجيا وبالرغم من هذا فإنها تحث بناتها على إحضار بعض الوصفات والكيفيات الجديدة من على النت، في حين تتابع هي كيفيات السيدة بوحامد على التلفزيون الجزائري، لكنها تقول أن وصفات بوحامد صارت تشبه وصفات أسامة السيد بسبب إسرافها في المقادير، فوصفاتها أضحت موجهة لطبقة معينة من المجتمع وليست في متناول السيدة البسيطة والعائلات المتوسطة والمحدودة الدخل، وترحمت محدثتنا على أيام السيدة أرزقي والوصفات الاقتصادية التي كانت تعرضها من حين لآخر من أجل إرضاء جميع الطبقات. وبعيدا عن الثراء والاقتصاد، نقول أن الأنترنيت صار أبرز مزود لوصفات الطبخ لكن يجب توخي الحذر والرجوع إلى مصدر الكيفيات إن كانت موثقة في كتاب مصرح بالنشر والتحميل على موقع إلكتروني أم هي مجهولة المصدر ولا يُعرف من وضعها.