الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



30 ألف جزائري تحدوا الشرطة الفرنسية تلبية لنداء جبهة التحرير الوطني
الجبهة تهزم فرنسا الاستعمارية في معركة باريس عبر انتفاضة 17 أكتوبر 1961
نشر في الأمة العربية يوم 16 - 10 - 2009

طيلة 130 سنة من الاستيطان الأوروبي الفرنسي للجزائر المحروسة لم يتوقف الشعب الجزائر من التعبير عن رفضه لتدنيس أرضه الشريفة التى أنشئت بها عدة حضارات عريقة من بينها الحضارة الإسلامية بداية من استمرار المقاومة التى بدأت على يد الأمير عبد القادر مرورا بثورة سيدي الشيخ والشيخ بوعمامة والمقراني وصولا إلى بسالة لبوءة القبائل لالا نسومر وصولا عند ثورة أول نوفمبر التى قادتها جبهة التحرير التى استطاعت قهر أقوى الجيوش الأوروبية مجتمعة من فرنسيين وقوات الحلف الأطلسي وطيلة وجود هؤلاء الغزاة بأرض الجزائر قام الجزائريون ب 130 مظاهرة أكتوبرية أحدها كانت عاصمة الاستعمار الفرنسي باريس عاصمة لها.
في هدا الإطار كانت لجبهة التحرير الوطني التى قادت جيش التحرير ممثلة في العديد من العواصم العربية والأوروبية وغيرها حيث كانت فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا تمثل الجبهة بحكم وجود جالية جزائرية مهمة هنا ومن هذا المنطلق أقدم السلطات الفرنسية مند اندلاع الكفاح المسلح على اتخاذ إجراءات قمعية ضد المهاجرين الجزائرين سواء بباريس أو ضواحها في هذا الشأن بدأت الشرطة الفرنسية بتضييق الخناق على إطارات فدرالية الجبهة والمنخرطين فيها
وذلك بداية من صيف 1961 حيث عمد البوليس الاستعماري على إعلان الحرب على الجبهة من فرنسا باستعمال القمع كوسيلة لتصفية نشاطات مناضليها ...
ديغول نصب موريس بابون لكسر شوكة الجبهة بباريس
تاريخ موريس بابون الحافل بممارسة القمع مكنته من ربح ثقة شارل ديغول رئيس فرنسا الاستعمارية التي وجد فيه الرجل الأنسب لتولي منصب محافظ شرطة باريس لكسر شوكة الجبهة الجزائرية شخص معروف بعنصريته ونازيته خلال الحرب العالمية الثانية حيث شارك في عدة عمليات لتهجير اليهود الفرنسين بتواطؤ اللوبي الصهيوني مزايا إجرامية سمحت له بالحصول على الضوء الأخضر للتصرف في قضية المهاجرين بشتى الطرق حيث شكل قوة إضافية من الشرطة مهمتها مراقبة وتوقيف الأشخاص المنمين إلى فدرالية الجبهة وحسب المؤرخ الفرنسي جون لوك اينودي" أن معركة باريس المصادفة ليوم 17 اكتوبر 1961 شهدت تدخلات عنيفة من طرف الشرطة الفرنسية هذه الأخيرة تلقت حسب شهادة المؤرخ الفرنسي أوامر بإطلاق النار "حينما يشعرون فقط بأنهم مهددون وبدون تردد" وقد شاهدت فترة الممتدة بين أوت وأكوتبر 1961 اعتقال العشرات الآف من الجزائرين " ختمها محافظ شرطة باريس النازي موريس بابون بإعلان حظر تجول يوم 5 أكتوبر 1961 منع من خلال على الجزائرين التجول في شوارع باريس وظواحي أخرى ولم يكتف بهذا الأمر بل وصلت به الوقاحة الاستعمارية إلى فرض قيود على المقاهي والمطاعم التى يتردد عليها الجزائريون والتى ألزمها بإغلاق أبوابها في وجههم بدءا من الساعة الرابعة مساء ....
المظاهرة تقررت يوم 10 أكتوبر في اجتماع كولونيا
30 ألف جزائري تحدوا شرطة موريس بابون
بعد شروع مصالح أمن الفرنسية بسان دوني ونوازي ونونتار على اعتقال مناضلي فدرالية جبهة التحرير بباريس قررت هذه الأخيرة الرد على القوانين القمعية لروجي فيري وموريس بابون بتظيم مظاهرة سلمية يوم 17 أكتوبر 1961 التى قررتها الفدرالية في اجتماع كولونيا بتاريخ 10 من نفس الشهر ي حيث استجابت الجالية الجزائرية لنداء الواجب الوطني بالتاريخ المحدد والذي استطاع فيه أكثر من 30 ألف جزائري من كسر قوانين مريس بابون خروجهم رغم أنه كان سلميا إلا أنه قبل بمواجهة نازية قمعية ليس لها مكان إلا في قوانين النازية وما شابه شارك فيها أكثر من 7 آلاف شرطي وثلاث وحدات وحاملتين من الفرقة الجمهورية لامن "سي اراس " التى حاصرت أهم الشوارع الباريسية مستعملة أبشع أنواع الوسائل القمعية من قنابل مسيلة للدموع والضرب بالهروات مع الإطلاق العشوائي للنار على إثر ذلك امتلأت شوارع وأزقة عاصمة الجن والملائكة بجثث المئات من الجزائرين رمي العشرات منهم أحياء في نهر السين في حين تم اعتقال أكثر من 12 ألف منهم وضعوا في قصر الرياضة بيار دوكوبيرتان أين تم ضربهم هم كذلك بالهروات. وقد أقدمت السلطات الاستعمارية على ترحيل أكثر من 1500 جزائري نحو الجزائر وقد كشفت بعض الشهادات التاريخية الموثقة بأن جثث بعض الجزائرين تم دفنها بحدائق بيوت الفرنسيين لإخفاء الجريمة ..
تاريخ فرنسا الاستعماري حافل بالمجازر المرتكبة ضد الشعب الجزائري
مجزرة ميناء الجزائر
كيف جرت المجزرة في ميناء الجزائر 5-5-1962
شهادة ضحايا مجزرة "أوأس" الإرهابية
اقترفت الحركة السرية المسلحة في العاصمة الجزائر أفظع الجرائم ضد السكان المسلمين ، وذلك عندما فجرت سيارة مشحونة بقطع الحديد والصلب والمواد المتفجرة أمام مركز العمال الرصيف في ميناء الجزائر ، كانت الساعة تشير إلى السادسة وعشر دقائق ، عندما كان مابين 1200 و 1300 عامل ينتظرون ككل صباح دخولهم إلى أرصفة الميناء عندما وقع انفجار ، فحصدت المواد المتفجرة وقطع الحديد جمهور العمال المحتشدين أمام المركز . والأفظع من ذلك أن عصابات الحركة السرية المسلحة كانت مختفية في العمارات المجاورة لمكان الانفجار تراقب نتائج العملية ، وقد سارعت تلك العصابات إلى إطلاق النار على الأفراد القلائل الذين نجوا من شظايا السيارة كما صبوا وابلا من الرصاص على الجرحى . عمال الرصيف الذين تمكنوا من الفرار لم يكن في مقدورهم كتم سخطهم بعد هذه المجزرة ، فاعترضوا سبيل سيارة يقودها سائق أوروبي تابع لشركة البترول الفرنسية كانت قد وصلت إلى مكان الحادث بعد مرور ربع ساعة من الانفجار ، فانهالوا عليه ضربا ثم ذبحوه
شهادة حية عن وقائع المجزرة
وقد روى أحد الشهود وهو عامل جزائري صورة الفاجعة ((لقد كانت مجزرة فظيعة فقد وقعنا فيها على الأرض من شدة الانفجار ، وكان زملائي يصرخون من شدة الألم بينما قطعت أرجلهم وأذرعهم خربت بطونهم من شظايا، وكان الجرحى يسعون على بطونهم لابتعاد عن المكان خوفا من انفجارات أخرى بينما كان آخرون يجرون ويصحون وقد سقط منهم الكثير عندما فرغت أجسامهم من الدم ، إنني لم أسمع أبدا في حياتي انفجارا أقوى من هذا الانفجار ، أما أنا فقد انبطحت على الأرض وبذلك نجوت من الحادث، وقد وصلت سيارات الإسعاف بعد مرور وقت طويل على الانفجار ولكن إخواننا وصلوا بسرعة البرق إلى المكان وبادروا إلى نقل الجرحى إلى المصحات التي فتحتها الجبهة في حي القصبة و بلكور، وغيرها من الأحياء العربية، لقد فقدنا الثقة في المستشفيات الأوروبية وسارع المسؤولون الجزائريون عن النظام إلى تهدئة الزملاء الذين تفاقم سخطهم إلى أقصى درجة ، وفعلا فقد وصلنا إلى أقصى ما يتصوره العقل من الصبر، إننا لم نعد نطيق هذه الحالة، إن كافة المسلمين نفذ صبرهم و لا أظن أنهم سيلزمون الهدوء هذه المرة، لقد قتل منا الكثير واستهدفنا لكثير من الضربات. ونظرت حولي فلم أجد إلا ما يزيغ البصر ويضرم الأحقاد في النفس، فقد خربت جدران مركز العمال وكذلك جدران المباني المجاورة بالشظايا السيارة الملغمة بل أن بعض الجدرا كانت تهدد بالانهيار من فرط ما لحقها من أضرار، وكانت دماء الضحايا تلطخ الطريق والمركز وتهشم الزجاج جميع النباتات كما زرعت الأنهج بقطع الحديد المعوجة المحترقة وبالزجاج والأخشاب والحجارة المتناثرة ، وقذف محرك السيارة الملغمة من شدة الانفجار على مسافة 80 مترا من مكان الحادث . وسألت شاهدا أخرا فقال (أجل إن السيارة تمزقت إربا وزرعت الموت من كل مكان حولها، ولم نتفطن حتى لوجودها حيث أن الكثير من السيارات توجد كل صباح في هذا المكان، وبعد هذا كله فإننا لم نكن نتصور بأن الحركة السرية المسلحة ستتجرأ على الاعتداء على عمال الميناء بمثل هذا الشكل، لقد كنا آخر الجزائريين الذين بقوا يعملون في الأحياء الأوروبية ، ولم نكن نشتغل من أجل عائلاتنا فحسب بل كنا نشتغل من أجل تموين السكان الأوروبيون أيضا لقد كنا نعتبر أن النشاط يجب أن يستمر في الميناء، ولهذا فقد كنا نأتي من أجل تغذية عائلاتنا وكذلك من أجل استمرار الحياة في الميناء وإذا توقف الميناء فإن العاصمة تختنق ولكن ما حدث اليوم كل شيء إننا لن نعود إلى الميناء ولن يعود أحد للعمل في الميناء . )) .
وفي كامل الصبيحة كانت السيارات تجوب أنهج الأحياء العربية وعلى ظهرها المسؤلون الجزائريون عن الأمن الذين يحثون الناس على التزام الهدوء وقد ساد الهيجان سكان القصبة وساحة الحكومة التي طوقتها قوات الأمن والنظام واحتلتها السيارات المصفحة، كما وجهت نجدات إلى قوات الأمن المحطة بالأحياء سالمبي وبلكور وأهم الأحياء الجزائرية الأخرى ، و أما المصحات التي أنشأتها لجبهة فقد امتلأت بالجرحى وبلغ التأثر أوجه الناس الذين كانوا يسيرون في الطرقات كالمجانين، وقد هرعت بعض الجموع على إثر الحادث وأخذت كميات كبيرة من الأدوية. وقال لي جزائري آخر (( لم أفكر بأننا اتخذنا احتياطنا لكي لا تعتدي المنظمة الإرهابية على عمال الرصيف فقد اصطحب عدد كبير منهم أبناءهم إلى مركز العمل ظنا منهم أن السفاكين لن يجرؤوا على مهاجمة الصبيان ، و لكن رأيتم ماذا وقع ، إنها فضيحة إننا لا ننسى هذا الحادث ولن نتسام معهم بعد تقتيلهم الأطفال )) . وفعلا لقد لاحظت إن هذه الجريمة الاستفزازية أثارت سخط الجزائريين الذين بدأت أعصابهم تنهار من فرط المحن التي يقاسونها، لقد كنا نشعر ونحن نسير في القصبة أن ثورة عميقة سوف تسير في الخفاء وأن الحقد على الأوروبيين قد ينفجر على مستوى واسع ، ولذلك فإن الأوروبيين متخوفون جدا من عواقب هذه الحوادث ، إنهم يخشون انفعال الجزائريين بحيث كنت تستمع في كلا الجانبين نفس السؤال (( هل نحن على أبواب معركة هائلة أخرى بالعاصمة )) .لقد زرت أحد المصحات التي أنشأتها الجبهة في حي بلكور وشاهدت هناك مناظر تقشعر لها الأبدان ، فقد رأيت الجرحى وقد شوهت وجوههم وقطعت أعضاؤهم وهم يئنون في كل زاوية بينما كانت أنظارهم تائهة في الفضاء، وأنهم لا ينسوا، وكان بعضهم ممددا مباشرة على الأرض حيث أن الأسرة لم تعد كافية بالرغم من سيارات الشحن التي تتوافد على المصحة بالأدوية والأغطية والأفرشة . ورأيت في إحدى الحجرات جثثا ممزقة في ثيابها الملطخة بالدماء وقد تكدست فوق بعضها، ورأيت النساء يبكين وينتحبن و يندبن وجوههن.إن الجو متأزم للغاية والوجوه عابسة والأنظار تائهة ، إن ريح الحقد تهب على المدينة العربية ، وكلما تفاقمت فداحة الأضرار والخسائر كلما تزايد الخوف في الأوساط الأوروبية وقد شاهدت أصحاب السيارات الأوروبية تعود من حيث أتوا حالما يقتربون من القصبة وهم يتساءلون مع كل فرد في هذه العاصمة (( كيف سينتهي الأمر )) . إن القصبة والأحياء العربية الأخرى ظلت مطوقة من طرف قوات الأمن وحجر على أي أوروبي الدخول إليها ، ولكننا بوصفنا صحفيين تمكنا من الدخول فاستقبلنا بأنظار حادة محترزة ، ومن حسن الحظ التقينا بأحد المسؤولين الجزائريين عن المنطقة وكان شاحب الوجه كئيبا ومع ذلك فقد أظهر لياقة معنا وبادرته بالسؤال التالي ((على الرغم من نداءاتكم إلى الهدوء والقوات التي تعتمدونها وبرودة الدم العجيبة التي برهنت عليها لحد الآن الجماهير الجزائرية ، على الرغم من كل ذلك هل تظنون إنكم ستتمكنون من التحكم هي هذه الجماهير إذا وقع حادث أو حادثان آخران من هذا النوع هل تظنون إنكم ستقدرون على منع سكان القصبة من غزو المدينة الأوروبية )) (( أظن ذلك وعلى كل حال ذلك ما أتمناه ، إن شعبنا بلغ اليوم بعد سبع سنوات من الحرب درجة من النضج السياسي والنظام ما يسمح لنا بالتحكم في غضبه ، ومع ذلك فإنني اعترف أن الأمر يزداد يوما بعد يوم ، لقد بدأت ردود فعل العاطفية تتغلب على العقل ، إننا نضاعف وسائلنا كما ترون ولكننا لا ندري ماذا يخبئ القدر . أضف إلى ذلك فإن الحركة السرية تحاول أن تحصل على رغائبها ليست فقط بالإرهاب بل أيضا بالبؤس والتأزم الاجتماعي وذلك بحرمان لعائلات آخر مواردها ، ولو لا حركة التضامن الواسعة التي برهن عليها شعبنا في محنته لانتشرت المجاعة )) وسألته عن مشاريعهم الراهنة إزاء الأوروبيين فقال إننا نتأسف جدا لما نرى عددا كبيرا من الأوروبيين خاضعين بصورة عمياء للحركة السرية التي تقودها إلى الهاوية ، ومع ذلك فإننا نميز بين الأشياء ، إننا نعلم أن جزءا منهم حاقدون على أعمال المنظمة السرية وإنهم ينددون بجرائمها التي تؤدي إلى الكارثة . وقد ارتحنا لبعض مظاهر العطف الصادرة عن الفرنسيين مثل السيد دوفمال كبير أساقفة العاصمة الذي تبرع علينا بمصحة مسيحية ، وأمام تزايد عدد الجرحى تطوع عدد من الممرضات الأوروبيات وهذا شيء له قيمته بالرغم من الهوة الدامية التي تحرفها الحركة السرية المسلحة.
مشاريع المنظمة السرية الإرهابية في الجزائر
وثيقة "سالان" وبداية المجازر
لقد بينت الحوادث الدامية التي وجدت في بعض المدن الجزائرية وخاصة في وهران والعاصمة ، بعد وقف القتال أن المنظمة السرية مصممة على إحباط الاتفاقات الجزائرية الفرنسية ، و نشرت صحيفة لوموند الفرنسة فقرات ومعلومات مدققة عن برنامج ومشاريع المنظمة الفاشستية وهي برامج التي تنذر بأخطر الشرور إذا تمكن أصحابها من تنفيذها . حاولت منظمة الجيش السرية أن تخفي حتى اللحظة التي يبرم فيها وقف القتال أن تخفي بكل عناية نواياها المضبوطة قاصدة من وراء ذلك الاستغلال المفاجأة التي تتلو حيرة السكان وجهلهم لبرامج الإرهاب الأوروبي وقد شمل هذا الجهل إلى حر الأيام الماضية السلطات الرسمية ذاتها حيث أن المعلومات بشأن مشاريع المنظمة السرية ناقصة لكن عثورها على عدة مستندات ووثائق ببعض المعلومات حول هذه المشاريع . فقد علمنا أن التفتيش الذي جرى بإحدى الفيلات في ضواحي العاصمة الجزائرية أتت بثمار لا باس بها ، كما وقعت بين أيدي قوات الأمن في عمالة قسنطينة وثائق أخرى أتت بمعلومات هامة، يتضمن جزء من هذه المستندات كمية وافرة من المعلومات التفصيلية حيث وجدت بها عدة تصميمات لتجنيد الأوروبيين وبرامج مكتوبة بالألغاز وقوائم الأسماء ومشاريع خاصة بنشاط العصابات داخل المدن . ومن الطبيعي أن يسارع قادة المنظمة السرية حالما علموا باكتشاف هذه الوثائق إلى التخفيف من مدار تبليغ السلطات عليها و لا شك أن البرامج والتعليمات التي عثر عليها قد تم استبدالها ببرامج وتعليمات أخرى ، في ظرف قصير ومع ذلك فإن هناك تعليمات وتنظيمات عامة لا يمكن إلغاؤها أو استبدالها بسرعة اللهم إلا إذا كان قادة المنظمة قد ضبطوا منذ البداية نوعين من البرامج بحيث يسهل عليهم تعويض البرامج المكتشفة ببرامج مجهولة . إنه أهم وثيقة التي عثر عليها هي تلك التي تتضمن تعليمات أمضاها سالان في 23 فيفري المنصرم والتي يرفقها أمر عام بتوقيع الكونونيل الذي يقود المنظمة السرية في المناطق الشرقية من القطر الجزائري وقد صدر هذا الأمر العام في 4 مارس الجاري . أما التعليمات سالان في عبارة عن وثيقة من 6 صفحات و تبدأ بهذه العبارة (( إن الحدث المحتوم على وشك الوقوع )) ويعني بذلك وقف القتال ويضيف قائد المنظمة السرية قائلا (( يتعين علينا إذن أن نستغل الأيام القليلة التي تفصلنا عن وقف القتال لندرس بصفة مدققة الوضعية و ردود الفعل لتي سنتخذها ... أريد أن أسيطر بقدر المستطاع على الأحداث ، أريد أن أتسبب فيها و ليس أن أتحملها وبعبارة وجيزة أرفض مسبقا كل فكرة دفاعية بحيث نكون في موقف الهجوم العام ..)) ثم يأخذ سالان في تحليل العناصر التي يتألف منها الوضع الراهن فيلاحظ في صدد الحديث عن الخصم بأن قوات الأمن احتشدت في كبريات المدن وأنها وفرت لنفسها وائل هائلة من أجل الوقوف في وجه حركة تظهر في الشارع مهما كان مصدرها )) ويبدو تحت عنوان وضعيتنا الملاحظات التالية
في شأن السكان (( أعتبر أن سكان المدن الكبيرة بلغوا الوحدات العسكرية فرصة الإعلان عن وقف إطلاق النار لتقطع الخطوة الحاسمة وتدخل في الكفاح بقيادة ضباط صغار السن ..)) في شأن المقاومين في الجبال (( أن المقاومين الذين لدينا في الجبال لا يشكلون أداة حاسمة لإنجاز مهمتنا ، ولهذا فإني ألح على تنفيذ البرامج الراهنة بكل استعجال ...)) و يستخلص الجنرال سالان من هذه الملاحظات نواياه على النحو التالي فيقول استنادا على العناصر المسبقة الذكر فإني أنوي
- إفساد مناورات الخصم وإرغامه على تغيير برامجه جزئيا أو بصفة كاملة .
-الهيئة التنفيذية الجديدة من أداء مهمتها .
- إقامة نشاطنا على الوسيلتين اللتين بين أيدينا أي الجيش والمقاومين في الجبال من ناحية ، ومن ناحية أخرى السكان المدنيون باعتبارهم جيشا في أوائل الأمر وبحرا نسبح فيه في آخر الأمر ، والغرض من ذلك هو استغلال التعفن يجب أن ينتج عن مناوراتنا .
- اعتمادا على المعلومات التي عبرت عنها في عدة مناسبات التي أريد منكم أن تقوموا برد ملحوظ
- وأخيرا بودنا يساهم التراب الفرنسي بقدر الإمكان في تنفيذ برامجنا بصفة عملية وإيجابية ...))
ثم تأتي بعض التفاصيل في وثيقة سالان ، فيقول بخصوص اختيار التاريخ في تنفيذ هذا البرنامج ((( نظرا إلى أن وقف القتال أمر محتوم فإنه تاريخه سيكون هو تاريخ الشعور في هذه المرحلة الجديدة من نشاطنا .
وأما النشاط ذاته فإنه يجب أن يكتسي صبغتين
- إنشاء مناطق ثورية في الأرياف على أساسا الوحدات العسكرية التي تلتحق بنا والمقاومين الموجودين في الجبال
-مضاعفة الجوالثوري إلى أقصى حد داخل المدن الكبيرة ويتوجه سالان بأمر إلى قواد المناطق ليحثهم على (( الشروع في جلب الوحدات العسكرية التي أبت في الانضمام إلينا )) ويعرب عن رغبته في (( أن تتكون بين 15 مارس و 20 مارس بكامل القطر المناطق الثورية ))
ولكن سالان يوجه عناية خاصة للمدن الكبيرة فيقول (( يجب علينا تكسير النظام الذي يحفظ به الأمن فيها )) ويعد في هذا الصدد الأوامر التالية
- إطلاق النار بدون تردد على وحدات الجندرمة المنتقلة والحرس الجمهوري
-اللجوء إلى استعمال جميع الوسائل والشوارع مثل مراكز توزع البنزين .
-في حال الهجوم من طرف المسلكين يجب دعوة السكان الأوروبيين إلى التزام منازلهم في موقف دفاعي، وفي نفس الوقت تنتصب فرق دفاعية مسلحة في المواقع مختارة للدفاع عن السكان إذا عجزت قوات الأمن عن صد الهجوم .
-كل هذه العمليات ليس بالضرورة أن تقوم بها فرق الانقضاض المختصة بل يجب أن يشترك فيها المدنيون المسلحون.
- تخرج الجماهير إلى الشوارع بأمر من قواد المناطق يتطور في صالحنا ...
- وعلى كل حال فإنه من الضروري أن يدرك كل شخص مهما كان مستواه أن هذا العمل لا يجب أن يجري في مرة واحدة أي أنه ليس انقلابا ولكنه حملة متسللة الحلقات في الوقت والمساحة وأن هذه الحملة يمكن ويجب أن تكون حاسمة .
ويخصص قائد المنظمة السرية فقرة لدور التراب الفرنسي فيقول (( إن المندوب العام للمنظمة في فرنسا سيسعى إلى تنسيق وسائله وإمكانياته في فرنسا على غرار ما يجري بالجزائر، وأنها من البديهي أن الوضع هناك له مميزاته المتجهة بصفة خاصة نحو خلق جو سياسي بمناسبة نشاطنا في الجزائر ))
هذا واكتشفت قوات الأمن وثيقة ثانية بعنوان (( البرنامج العام لنشاط الدعائي )) وتكمل هذه الوثيقة الصادرة في 24 فيفري التعليمات الخاصة بالنشاط المسلح ، وتتعلق الوثيقة الثانية أولا بتنوير الأذهان حول حقيقة الخصم بالنسبة للحركة السرية المسلحة، والخصم يتمثل قبل كل شيء في الهيئة التنفيذية التي تعتبرحكومة الجبهة في الجزائر ، وتتضمن الوثيقة من ناحية أخرى التعليمات الضرورية لمواجهة التأثيرات التي يمكن أن تحدثها الحملة الإخبارية التي تقوم بها الحكومة، ويتمثل الرد على الحملة الرسمية في السخرية من الضمانات الممنوحة للأوروبيين ضمن اتفاقات إفيان ويوجد من بين الوسائل الدعائية التي يدعو إليها سالان توزيع النشريات والمعلقات والمناشير والإكثار من الكتابات على الجدران والإذاعات السرية .
أما الوثائق المحجوزة الأخرى فإنها تفصل بعض النقاط التي تضمنتها التعليمات السابقة لسالان، ومثال ذلك أن الوثيقة التي حررها قائد منطقة قسنطينة تلح بالخصوص على ضرورة التحاق وحدات عسكرية بالمتمردين وظهور مناطق ثورية ، ويقول في هذا الصدد (( أنه من المستحسن أن تضم بعض هذه المناطق مدنا بدون أن يؤدي ذلك إلى وقوعنا في حالة دفاعية )) ويقول في شأن النشاط الخاص بالمدن (( أسلوبنا سيتمثل في خلق في خلق كافة الحوادث الممكنة والخاصة في حالة تظاهر المسلمين مع تحاشي اصطدامنا بقوات الأمن ، بل يجب أن نجر هذه القوات إلى تسليط قمعها على المسلمين الموالين للجبهة )) . وأما بخصوص علاقات المنظمة السرية بالمسلمين فإنه ورد في بعض الوثائق مايلي (( إن التجربة بينت بأن أفراد قلائل من الفرنسيين المسلمين الذين هم من أصل جزائري أو المنصبين في عاصمة الجزائر تطوعوا للقيام بعمل مسلح في الأحياء الآهلة بالفرنسيين المسلمين )) وهنا فقرة أخرى تعطينا فكرة عن الاغتيالات التي جرت مؤخرا ضد الجزائريين العاملين في المراكز الاجتماعية والصيدليات بعاصمة الجزائر تقول هذه الفقرة (( يجب الاعتداء على الشخصيات الإسلامية المثقفة الذين يمثلون سندا للثورة على الأخص الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة المسلمين فكلما يشك في أن واحدا منهم يعطف على الجبهة يتعين اغتياله، ومعنى ذلك أنه يجب أن يشعر الوسط الإسلامي بضرورة استمرار وجود فرنسا في الحياة اليومية. ...)).
مصادر البحث
مجلة الجيش عدد555 شهر اكتوبر 2009
كتاب المعارك السرية بين مخابرات الثورة الجزائرية ومخابرات الاستعمار الفرنسي
الجائزة الاولى ملتقى هواري بومدين
مجلة لانوفال ابسرفتور الفرنسية عام 1990


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.