أزمة حقيقية تعيشها الأسرة الجزائرية، والمواطن الجزائري على العموم، وهذا في ظل أزمة سكن طاحنة وموجة الغلاء التي تشهدتها الإيجارات، ناهيك عن شراء المساكن الذي لم يعد متاحا للطبقة المتوسطة والفقيرة، هذا كله وعلى ما يبدو لا يوجد شيء يلوح في الأفق لحل قريب يمكن أن يكون مخرجا للأزمة التي يلجها كل يوم عشرات المواطنين الطامحين لكرامة من هذا الجانب، تخفف عن كاهلهم عبئا طال حمله. الظاهرة التي لها انعكاساتها وآثارها السيئة على المجتمع وحتى داخل الأسرة وتأثيرها الخاص على العلاقات الاجتماعية وسلوك الطفل، الذي هو شباب المستقبل. وفي هذا السياق، سمعنا من أحد المواطنين يشكو ويصرح أنه يعيش وزوجته وعددا من أبنائه في غرفة واحدة، وبالطبع ليس هو فقط، بل هناك الألوف من أمثاله، ومنهم من لم يحظ حتى بسقف يحمي عائلته قر الشتاء وحر الصيف. فماذا لو أراد الزوج ممارسة حقوقه الشرعية، وشاهده ابنه أو ابنته؟ وكيف لو حدث حوار مشحون أو مشادة كلامية بين الزوج والزوجة والذي قد يتطور لتشابك بالأيدي، إذا لم يسعهما التهدئة أو تدخل أحد لإصلاح الوضع في آنه؟ هناك أمثلة عديدة تعرض لها فتيان وفتيات صغار شاهدوا هذه العلاقة وحالات الشحناء والنزاع بين الآباء والأمهات، التي تم تخزينها في الذاكرة الأليمة لهم، والتي في الغالب وهم في سن المراهقة حتى تبرز حالات للانتقام لما حدث بمشاعرهم في الصغر وللظروف التي عاشوا فيها. "الأمة العربية" حاولت استطلاع الآراء حول هذه الظاهرة التي برزت في مجتمعنا وغذت الشارع بعديد المتأثرين بسلبية الواقع المرير والمفروض، والذي أنتج فئة منحرفة، هذا بينما أكد لنا حليم، وهو عون أمن، بأن الحل في التوسعة بالنسبة للسكن والتفريج عن الأبناء في الحياة المعيشية ولا بد للسلطات من مراعاتها للفئات المحدودة الدخل والتي هي من تعاني أساسا من هذ الأزمة، فما تقدمه الآن بالرغم من كونه سابقة مقارنة بالسنوات الماضية من ناحية القروض العقارية ومشاريع السكن، إلا أنها لم تحل المشكل بالرغم من تنفيسها عن البعض، ولابد من تدخلها في مسألة كراء الشقق والمنازل التي لم تعد في مستطاع المواطن البسيط، فإيجار أي منزل أو شقة لا يقل عن 15 آلف دينار، وفي أحسن الأحوال، بينما الأجر القاعدي لا يتعدى ال 12 ألف دينار، ومن أين له بتسبيق سنة إيجار سلفا على الأقل وسنتين، وهنا تضطره وتدفعه الظروف إلى اللجوء إلى سكن ضيق أو إلى البيوت القصديرية والعشوائية، ومن هنا تبدأ المأساة والمشاكل التي لا تنتهي وتكون لها آثار سلبية جسيمة على أفراد الأسرة كلها، وخاصة في المستقبل. وبانتشار الظاهرة، تبدأ جسامة الظاهرة تنعكس في المجتمع. من جانبها، ترى حفيظة وهي أم، أن العديد من الشبان والشابات يفضلون حياة العزوبية على العيش في هذا الواقع الذي يحطم كل آمالهم وأحلامهم التي خططوا لها، وقالت "بالنسبة لي، فإن مسألة السكن أصبحت تشكل مشكلة مستعصية علي، لها أثارها السلبية العديدة، فأنا متيقنة من أن الحياة في غرف ضيقة والبيوت القصديرية لا يساعد على التربية الكاملة للطفل، ولا على أن يكون سويا، خاصة وأن الذين يعانون أزمة السكن يعيشون في تجمعات سكنية متقاربة وفي الأحياء ذاتها، ولو سلم الطفل في البيت فلابد له من أن يتأثر بما تأثر به طفل آخر يعاني من ضيق السكن ومشاكله التي لا تنتهي. كيف تنتظر لشبان ومراهقين ينامون كل فرد وحصته وبعضهم يتوجه للمبيت لدا رفاقه أو في أماكن مجهولة عن الوالدين، أن يكون سليما ذهنيا وسويا نفسيا؟". وقالت "أعرف ثلاث عائلات يسكنون في مكان واحد، ولا يفصل بينهم سوى عازل خشبي، وطبعا الأب والأم يتحدثان بصوت عال أو بصوت منخفض تجد من بجوارهم سواء أكانوا أطفالاً أو شباباً يسمعوا ويعرفوا أسرارهم، وطبعا البيوت أسرار، وفجأة تجد العائلة أسرار بيتها تتداول على كل لسان، وهذا شيء خطير جدا وله عواقب سلبية خطيرة". وقال لنا أحد الشباب الذين تحدثنا معهم حول الموضوع، وهو طالب جامعي، إن سعادة الفرد من سعادة الدار، فإذا كان السكن واسعاً ويعيش الإنسان في بحبوحة ويسر، نتج عن ذلك وضع مريح وطفل صحيح وسليم السلوك والنشأة والتربية، وهو بدوره ما يكون له تأثير إيجابي على دراسته وحياته. ولو نشأ الإنسان في مكان ضيق وغير صحي، فهنا توقع أي شيء يمكن وقوعه، لأن ذلك بكل تأكيد يؤثر على سلوك الطفل، من الجنسين، وهذه العيشة سيشوبها الكثير من المشاكل والتنافر والبغض والحقد على الآخرين، الذي سيتجسد في سلوكات أفراد الأسرة مستقبلا. وبالنسبة ل "عبدالله.م" وهو مستشار تربوي، فقد صرح لنا بأن أزمة السكن التي نعيشها وضيق المكان، خاصة إذا كانت الأسرة كبيرة أو في حالة ما إذا كانت هناك أسر تعيش في غرفة محدودة العدد، فإن لكل هذا تأثيرا كبيرا وانعكاسات خطيرة على الطفل وسلوكه وتعاملاته الاجتماعية، خاصة إذا ما أراد الزوج ممارسة حقوقه الشرعية وشاهده أو شعر به طفله أو طفلته، أو حدثت مشادة كلامية ومشاكل بين الأب والأم. ونتيجة لضغوط الحياة الصعبة، فإن الطفل سيحاول تطبيق ما رآه وشاهده وسمعه مع أي أحد يقابله، وهذا بالطبع يؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية فيما بعد، لأن هذا الطفل سيصبح شاباً، وهذا ما قد يؤثر على مستقبله وسلامته النفسية والاجتماعية في محيطه. وأضاف محدثنا أن هذا الأمر له تأثير نفسي سيئ جدا على الطفل وتنشئته، فقد يؤدي إلى عقدة نفسية أو إلى أن يكون ضعيف الشخصية أو عدوانياً، فمثلا عندما يرى أو يشاهد والده وهو يمارس حقوقه الشرعية مع أمه، سيشعر بامتهان كرامتها وانتهاك حقوقها، وهذا يدفعه إلى البغض وكره والده لشعوره بالإهانة وممكن أن يعتدي على إخوته أو أصدقائه وأقربائه بدافع الانتقام. أما الأستاذ عبد الحميد عبدلي، فقال "ماذا تتصور أن يحدث في حالة ما إذا سكن زوج وزوجته وثمانية أبناء في مكان ضيق أو غرفة واحدة؟"، وأكد بأنه لابد على السلطات أن تتدخل في هذا الأمر لصالح هذه الفئات التي تعتبر نفسها مهمشة، لأن هذا في مصلحة البلد نفسه بصفة أساسية، وأضاف بأنه على الإعلام أن يتدخل أيضا في هذا ويكون له دور في إبراز معاناة هؤلاء، لأن هذه المعاناة اليومية عواقبها وخيمة جدا مستقبلا، ولابد من حل مشكلة غلاء أسعار العقار وإيجاره والتي تحتاج لقرار سياسي حكيم وشجاع، وهذا لصالح الأجيال القادمة، ما يتطلب تضافر جهود الجميع من أجل ذلك. وأكد في حديثه لنا حول تداعيات ظاهرة ضيق السكن أكبر من ذلك أيضا، ليس فقط على الناحية النفسية والصحية والعلاقات الاجتماعية بين الناس، لكن هذا يؤدي كذلك إلى معاناة الناس، وبسبب هذه الظروف القاسية لا يستطيع أحد أن ينجح لأن الشخص الخائف والقلق، وخاصة إذا كان يعاني أزمة سكن، لا يستطيع أن يبدع وينتج أو يعمل على نجاح خطط حياته، إذن المسألة أعمق حتى من تنشئة الطفل وسلوكه، وبالتالي لابد أن يكون هناك استقرار في مسألة السكن وأن يكون لائقا.