سيسجل التاريخ الحديث لتونس عموما والعالم العربي خصوصا، أن سقوط الرئيس زين العابدين بن علي يوم الجمعة 14 جانفي 2011، فارا إلى المملكة العربية السعودية بعد رفض فرنسا إستقباله، سيسجل هذا التاريخ أن تونس احتضنت أول انتفاضة شعبية في العالم العربي، لم تحمل ألوانا خارجية ولا مؤامرة من الأجهزة الغربية . سيسجل أنها كانت تونسية محضة لا غربية ولا شرقية. لذلك ستكون نتائجها أقوى من أي انقلاب أبيض في العالم، كما ستكون في تداعياتها أقوى من أي عملية سياسية أخرى في العالم العربي. أخيرا وبعد أزيد من عقدين فعلها "التوانسة" بكل شجاعة، فعلها التوانسة وأرغموا أقوى نظام بوليسي على الاستسلام تماما، مثلما أرغموا واحدا من أكبر طغاة العالم العربي الذي رسم لديكتاتورية عمّرت 23 سنة في شمال إفريقيا، هؤلاء أرغموه على الرحيل فرارا نحو المجال الجوي الدولي، مرة في ايطاليا ومرة بفرنسا، إلى أن استقرت طائرته بمطار جدة السعودي.ما يحسب لانتفاضة تونس، أنها كانت عربية وطنية بلا رائحة خارجية، بل إنها كانت الإنتفاضة العربية الأولى في العالم العربي، التي أدت إلى إسقاط حاكم استعصى على كل الأصوات الحقوقية التي ناضلت طيلة حكم بن علي زحزحته.سقوط "شاه" تونس أذهل العالم العربي، حيث ساد الصمت جل العواصم العربية، التي لم يستيقظ بعضها لحد الآن، حيث شكك الكثير في قدرة الشارع التونسي على إجبار الرئيس بن علي ودفعه إلى التنحي عن الحكم، الذي ظل يبني أسواره منذ أن انقلب على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 7 نوفمبر 1989، ورغم وعود التغيير التي قدمها للشعب التونسي آنذاك، إلا أن بن علي انغلق على نفسه وبالبلد، لدرجة أن الجمهورية التونسية تحولت إلى قلعة خوف وانغلاق، أقلقت المنظمات الحقوقية في العالم، لتجاوزات نظامها في حق كل الأصوات المخالفة أو المعارضة.اليوم وبعد سقوط شاه تونس، يبقى أمام التونسيين رهان آخر أكبر وأخطر، يتعلق ببناء مرحلة سياسية جديدة تختلف اختلافا جذريا عما كانت عليه طيلة العقود الماضية، سواء في مرحلة بن علي أو سلفه الحبيب بورقيبة، مرحلة بناء ديموقراطي حقيقي تتسم بالتعددية وإطلاق الحريات، التي خرج من أجلها الشعب التونسي، مطاردا بن علي الذي تحول في العالم برمته إلى رمز للفساد والديكتاتورية.