هي لم تعهد ذلك الصمت، لقد عهدت حياة الصخب و الجامعة و الرفاق ... بعد انتهاء الحفل خرجت و زملائها، وافترق كل في طريقه، و هي اصطحبها رفيقيها "سلمى" و "مراد" إلى البيت، و قد لاحظا انشغالها طول الطريق .... ولم تتوقف سارة الحديث عن ذلك الرجل اللغز ... منذ مدة لم تختل بنفسها كي تفكر في شخص ما، ولكنها في تلك الليلة وفي عيدها العشرين قضت ليلها تفكر وتسترجع تلك اللحظة التي جمعتها بذاك الرجل ... أما هو فمشاغله كثيرة و مغامراته متعددة و رزنامة أعماله المثقلة بالمواعيد، و النجاح و الخيبات، لم تعد تكفي لامرأة أخرى أو على الأرجح لضحية أخرى .. و في الوقت الذي كانت تقضيه، وهي تفكر فيه، كان هو متنقلا في مواعيده بين هذه و تلك ..... - هل تحبني؟ - في الواقع أنا أحب لحظة تواجدك معي، دعينا نبتعد عن تصنيف مشاعرنا اتجاه بعض، المهم هو أن نعيش اللحظة .. هذا ما تعود على تكراره مع نساءه، اللواتي يفضلن تقبل إجابته، و الفوز بلحظات حميمية معه على أن يخسرنه، فهو من النوع الذي يصعب سجنه في أي علاقة مهما كان نوعها .. و بعد يوم طويل من صفقات الشغل، و بعد ليل صاخب في متاهات الرغبة و أحيانا في دهاليز المجون .. يعود وحيدا إلى بيته البارد، الذي لم يعرف الدفء يوما، منذ أن طلق زوجته، و منذ أن رحلت و في بطنها ذلك الجنين الذي لم يعرف أي شيء عنه منذ عشرين سنة .. عمرا بأكمله قضاه بعيدا عن كل ما هو عائلي، وعن كل علاقة فيها ارتباط واستقرار، كان يظن أنه بطريقة عيشه هذه، يتحرر من الأعراف البالية للمجتمع، و يفلت من تعقيدات الأخلاق و لكنه دون أن يدري كان ينتقم من نفسه .. و لا يشعر بهذا إلا حين يجلس وحيدا في ظلمة البيت الصغير، بعد أن يأخذ حمامه، ثم يتمدد على السرير، و هو يقلب نظره في جدران البيت ، الباهت لونها، التي لا تحتوي و لا على صورة تذكارية، تعيده إلى ذكرياته، و على أي رسم يعبر عن داخله... كأنه لا يريد أن يترك أي أثر على ذوقه، أو على طفولته و شبابه، لقد خبأ كل أغراضه في إحدى الغرف ... و خبأ معها أسراره، و خصوصياته، المليئة بالحزن و الوحدة و الرتابة و عذاب الضمير .. لا يجهد نفسه كثيرا في التعامل مع الجنس اللطيف، فقط، بكلمات سهلة، كأنه يعقد صفقة مربحة، توافق هي الخروج معه و يوافق هو أن يمنحها بعضا من وقته ...