كانت الثانية زوالا عندما مر عليها من أمام الجامعة، لينقلها على متن سيارته إلى المطعم جلسا في مكان مقابل للبحر، لم يطل في صمته المعتاد، بادر هو بالكلام هذه المرة.. - "سارة" أعرف أن السؤال الذي يلح عليك الآن، لماذا لم أتصل بك؟ في الواقع، في تلك الليلة ترددت كثيرا في الحديث إليك، كنت متخوفا من مصير هذه العلاقة قبل أن تبدأ، أردت قبل أن تنجرفي نحوي، أن تكوني على علم، بأنني رجل لم أعش منذ عشرين سنة قصص الحب، ورغم كل تجاربي، لم أعر أي امرأة اهتماما خاصا، كل ما بحثت عنه كان النسيان والهروب من الماضي، وأنت مازلت بعمر الزهور التي تتفتح، وستكون أنانية مني أن أقحمك في علاقة مقدر لها الفشل من الأول و ... لم يكمل كلامه حتى قاطعته .... - الله وحده يعرف مصيرنا، البداية والنهاية بيده .. المهم هل أنت مستعد لتبدل عالمك بعالم آخر ... السؤال كان يحتمل الإجابة بنعم أو لا، لم يكن هناك حيز لإجابة أخرى. بدت له من الجدية حتى أنه لم يجد أمام إصرارها إلا أن يقبل خوض المغامرة... ولكنه طلب منها أن يعطي كل طرف للآخر مهلة التفكير في الموضوع... وفاجأته لما قالت له... أما أنا فقد أخذت مهلتي وأخذت قراري ولم يبق إلا قرارك .. كي نعلن عن ميلاد لحظة انتظرها كلانا. لم تكن أبدا تتحدث بسنها كانت أكبر، وأنضج من ذلك. وقد أحس اتجاهها بنوع من الارتياح، ما جعله يقدم ولأول مرة على الدخول في تجربة جدية، وحتى وإن لم يكتب لها النجاح ستكون مؤكدا إضافة مهمة إلى حياته. توالت المكالمات وتوالت لقاءاتها به، وجدتها تلحظ في كل مرة تغير يطرأ على سلوكها اليومي حين أصبحت تختلي بنفسها كثيرا. وهو كذلك غيّر كل عاداته، وغيّر رزنامة حياته التي تعوّد عليها طوال 20 سنة... لقد تعلم منها أن الحياة نعيشها مرة واحدة، في هذه المرة فقط نستمتع بمذاقها الحقيقي، .. وما دون ذلك فهو لا يستحق أن يعاش.. استطاع أن يفلت من كل أسئلة الأصدقاء عن أسباب التغيير ومن ملاحظات زملاء العمل، الذي بدّل معاملته بهم، لطالما كان جافا ومتعصبا معهم، ولكنه فجأة غير كل ذلك ، لقد أصبح يبدي نوعا من الرأفة، والتعاطف والحب الذي ساد مؤسسته بعد ذلك. ولم يخف هذا الشعور الذي أحسه على الصديقة المقربة "كاميلا"، كما تعوّد أن يناديها، والتي اعتبرها ملاكه الصغير يلجأ إليه في كل مرة، وتعاطفها معه جعله يصر على لقائها، هذه المرة أكثر من أي وقت سبق، وبعد إلحاحه وإصراره حددت هي الموعد والمكان...