تجلب آلاف السياح وتجعل من سطيف مفترق طرق دافئ رغم أنها منطقة داخلية، إلا أن ولاية سطيف تحظى في فصل الصيف بحركة كبيرة من المواطنين الذين يقصدونها من مختلف المناطق وحتى من خارج الوطن، من أجل قضاء عطلة الصيف، وهذا راجع لعدة اعتبارات نابعة من تاريخ المنطقة وجمالها وجاذبيتها، ناهيك عن كونها إحدى أهم المدن الجزائرية، وقربها من بعض الولايات الساحلية كجيجل وبجاية، حيث يمكن للمقيم بسطيف تنظيم رحلات للبحر بالذهاب صباحا والعودة مساء، فمعظم الفنادق الموجودة بالولاية في فصل الصيف تجدها مكتظة، وهذا ما جعل المنطقة تعرف في السنوات الأخيرة قفزة نوعية في مجال هياكل الاستقبال التي تسمح للزوار بالإقامة في ظروف مواتية، كما أن تنظيم تظاهرات ثقافية في فصل الصيف يساهم كثيرا في اختيار ولاية سطيف لقضاء العطلة الصيفية، والتي يقصدها سكان الجنوب الجزائري بنسبة معتبرة. ولا يخفى على أحد أن أهم العوامل التي تجلب السياح هو الثروة المائية الحموية بعدة مناطق، نذكر منها حمام السخنة، حمام ڤرڤور، حمام أولاد يلس، والحامة وغيرها. ونتطرق في هذا الروبورتاج إلى حمام ڤرڤور، هذه المدينة الصغيرة الجميلة التي تحتضن بين جنباتها ثروة مائية حموية هائلة سمحت بإنجاز حمام معدني تقليدي ومركب معدني، ورغم ذلك فإن استغلال هذه الثروة لا يبعث على الارتياح بالنظر للإقبال الكبير للزوار الذي يصل سنويا إلى ما يفوق مليون زائر للبلدية من أجل السياحة الحموية. ومن بين المنشآت التي تجلب إليها الزوار أكثر، حمام سيدي الجودي، الولي الصالح الذي حط بالمنطقة بعد سقوط الأندلس عام 1842 رفقة غلامه حماد، حسب الروايات المتداولة، الذي عاش بالمنطقة وتوفي بها ودفن بمقبرة سميت باسمه، إضافة إلى الحمام المعدني الذي سمي باسمه كذلك. السمعة تجلب مليون زائر سنويا والغزالي واحد منهم الطريق إلى حمام ڤرڤور مميز بمنعرجاته ويختلف عن غيره، وما أن تطأ قدماك أرضه وترصد عيناك مناظره حتى ينتابك إحساس وكأنك في مكان مميز، الهدوء وراحة البال والنفس وسحر يجلبك إلى هذه المنطقة التي تقع على بعد 50 كلم شمال غرب ولاية سطيف، وعلى ارتفاع 680م على مستوى سطح البحر، تتربع على مساحة 76.45 كلم مربع، ويقطنها ما يقارب 15 ألف نسمة. تتميز مدينة حمام ڤرڤور بطابع معماري روماني، وذلك منذ سنة 193 للميلاد، وحملت اسم "أدسافا مونيسيبيوم" والتي تعني بالرومانية وادي بوسلام، الذي يشكل محور الروابي المترامية على محيط هذه القرية التي تواصلت مع المدن الأخرى عبر ممر ثنية المقسم المؤدي إلى منطقة بني وسين حاليا، ومتصلة بمدينة حورية، عين الروى، حاليا، وقد أحيطت بالنصوص الشعرية والروايات، مما أضفى عليها الصبغة الفلكلورية وجعل هذه المدينة أسطورية. ونظرا للمؤهلات السياحية التي تمتلكها، تستقطب بلدية حمام ڤرڤور حسب الإحصائيات التي تحصلنا عليها، ما يفوق مليون زائر سنويا، قادمون من مختلف جهات الوطن خاصة من ولايات البرج، مسيلة، بجاية وولايات أخرى، ويبقى هذا العدد مرشحا للارتفاع لو توفرت شروط الإقامة والترفيه بالنسبة للأطفال خاصة. ورغم وجود مركب معدني إلا أن الحمام التقليدي يجلب اهتمام الكثير من الزوار لعدة اعتبارات، وخاصة التبرك بالولي الصالح، ولتاريخ هذا الحمام والشهرة التي يتميز بها، إضافة إلى الدور الذي يلعبه سواء من الناحية المادية كمصدر تمويل لميزانية البلدية من جهة، وكونه العامل الرئيسي في دفع الحركية التجارية من جهة أخرى، إلا أن البلدية لم تستغل هذه الإمكانيات والعمل على تحسين ظروفه، فرغم إعادة بناء الحمام الخاص بالرجال إلا أنه لم يكن وفق المواصفات التي تليق بحمام يوفر الراحة والاستجمام للزوار، إلا أن الاهتمام المنصب من قبل المسؤولين هو المداخيل المتمثلة في قيمة الكراء والتي تقارب مليار ونصف سنتيم وكفى، رغم أنه كلما كان الاهتمام أكبر كلما زادت المداخيل، كما ساهم التوافد الكبير للزوار في ازدهار التجارة والتخفيف من حدة البطالة. ماء حمام ڤرڤور الأول عربيا وإفريقيا والثالث عالميا ويتميز حمام ڤرڤور عن غيره كونه معدني من جهة، ويحتل ماؤه المرتبة الثالثة عالميا، حيث في سنة 1938 قام مهندس المناجم "بازيلياك" بعدة قياسات جديدة للنشاط الإشعاعي الخاص بالمياه الحارة وصنّف ماء عين شوف، المنبع المائي لحمام ڤرڤور، في الصف الثالث للينابيع الحارة ذات النشاط الإشعاعي بعد مياه "برماخ" بألمانيا و"جاشيموف" بجمهورية التشيك حاليا، والمرتبة الأولى عربيا وإفريقيا من جهة ثانية، ودرجة حرارته المساعدة جدا والتي تقدر ب 45 درجة، ناهيك عن كونه شفاء من بعض الأمراض كالروماتيزم، الأمراض الجلدية، أمراض العيون، وبعض أمراض النساء وغيرها. كما يدخل هذا الحمام ضمن الحمامات المصنفة على مستوى وزارة السياحة والمتمثلة في "حمام الدباغ" بولاية ڤالمة و"حمام ربي" بولاية سعيدة و"حمام الصالحين" بولاية بسكرة و"حمام بوحنيفية" بولاية معسكر و"حمام ڤرڤور" و"حمام السخنة" بولاية سطيف و"حمام بوحجر" بولاية عين تيموشنت و"حمام بوغرارة" بولاية تلمسان و"حمام ريغة" بولاية عين الدفلى. ونظرا لهذا الاعتبار والتميز فقد زار حمام ڤرڤور علماء ومؤرخون، من بينهم الغزالي الذي دخله فاقدا للحركة وغادره ماشيا على قدميه، حسب ما أكدته بعض الروايات، كما يوجد برنامج للاستشفاء للدكتور "مازوك" الذي وضعه سنة 1954 يشرح فيه كيفية العلاج بهذه المياه الحموية المعدنية الاستشفاء بها، والتدليك وإعادة اللياقة البدنية بالاعتماد على أطباء أخصائيين في العلاج بالمياه المعدنية، كما توفر خدمات الاستجمام والسياحة. بعد تاريخي وديني، ومركب معدني تقليدي باستغلال ضعيف وحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فإن هذا الولي الصالح حط بالمنطقة سنة 1842 رفقة غلامه حماد، ومكث بها حتى وفاته حيث دفن بمقبرة سميت باسمه، وقبل وفاته ترك وصية عثر عليها لدى عائلة من عائلاته تنص على أنه في حال انقراض عائلته تعود ممتلكاته للزاوية، وقد تم تجسيد هذه الوصية على أرض الواقع بمشروع إسلامي ضخم على مساحة إجمالية تقدر ب 1713.5 هكتار منها 1055 المساحة المبنية بأربع طوابق بها 12 قسما و4 مراقد ومطعم، بالإضافة إلى الإدارة والمخازن، تتسع هذه الزاوية ل 600 طالب ووصلت نسبة إنجازها إلى 95٪ وبتحفة إسلامية رائعة. ويعد الحمام التقليدي المسمى باسم الولي الصالح سيد الجودي الأكثر إقبالا من قبل المواطنين مما جعله يعرف اكتظاظا كبيرا خاصة في العطل، كما يوجد المركب المعدني الذي يخضع في تسييره لمؤسسة التسيير السياحي بالشرق، والذي فتح أبوابه سنة 1987، به فندقين ب 96 غرفة و38 مسكنا عائليا من غرفة إلى 3 غرف وأربع فيلات، ومطعمين، إضافة إلى مسبح وقاعة سينما هذه الأخيرة مغلقة وليس لها أي دور. ويستقبل هذا المركب يوميا في العطل وأيام المناسبات حوالي 300 زائر يوميا. ورغم هذه الإمكانيات الضخمة، فإن هذا المركب يعرف تدهورا سواء في منشآته أو في طريقة استغلاله وتسييره مما أثر على الدور الذي يمكن أن يلعبه في هذه المنطقة الساحرة بطبيعتها الخلابة، ومناظرها الجميلة، وبجبالها الشاهقة وبواد بوسلام الذي يتوسط المدينة بمياهه العذبة المتدفقة من باطن الأرض، التي لا يضمأ بعدها العطشان. وكان هذا الواد يسمى في الماضي بواد الذهب، لكنه تعرض هو الآخر للتخريب عن طريق قنوات المياه القذرة التي تصب في هذا الواد بطريقة فوضوية، إلا أن إنجاز محطة تصفية المياه القذرة بالمنطقة من شأنه أن يحافظ على الثروة المائية في حال فرض رقابة على القنوات الفوضوية من بعض المواطنين، خاصة وأن هذه المياه صالحة للاستعمال المنزلي، كما يستعملها الفلاحون للسقي، إضافة إلى تحول هذا الوادي إلى مكان مفضل للسباحة في فصل الصيف من الكبار والصغار، وهو مكان أيضا مفضل للعائلات التي تقضي وقتها في الصيف بجوار هذا الوادي وتستمتع، فهي المدينة الصغيرة بمناظرها الطبيعية الخلابة والساحرة التي تستقطب كل عشاقها بتنوع بيئتها ونقاوة هوائها وعذوبة مياها. ليس هذا وفقط، فالمنطقة تزخر بآثار رومانية تعرضت للتخريب، على غرار الحمام الروماني التقليدي الذي يعاني الإهمال، والكثير من الآثار التي اندثرت على غرار العروس الطرشة، الحمامات الرومانية، العرسان، وهي عبارة عن أهرامات ذات مناظر خلابة.