نفى رئيس الجمهورية السابق ''اليامين زروال'' ترشحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة المزمع تنظيمها شهر أفريل المقبل، وقال زروال في بيان أصدره أمس وتحصلت ''النهار'' على نسخة منه إنه إعتزل الممارسة السياسية نهائيا، مشيرا إلى أن البيان جاء في سياق الرد على ما راج مؤخرا حول اعتزامه الترشح للرئاسيات قبل أن يؤكد تلقيه اتصالات وطلبات في هذا الصدد، وفيما يلي نص للبيان كما ورد إلينا. لقد تناقلت مؤخرا، بعض عناوين الصحافة الوطنية، خبرا مفاده أن ترشحي للإنتخابات الرئاسية القادمة لم يعد محتملا، فحسب، بل أكثر من ذلك، مقترنا بجملة من الشروط التي يبدو لي هنا، من غير المناسب ومن غير اللائق ذكرها في هذا البيان. وبهذا الصدد، فإنه بودي أن أؤكد بأني تشرفت فعلا، أيما شرف، باستضافة العديد من المواطنين الذين توافدوا من مختلف مناطق البلاد، فأتاحوا لي فرصة تبادل أطراف الحديث معهم حول موضوع ذي صلة بالإنتخابات الرئاسية القادمة، إيمانا منهم بأن هذا الأمر يكتسي أهمية ثابتة وحسا رفيعا وبديهيا. وإذ تأثرت شديد التأثر بكل المشاهد المفعمة بالثقة والمودة الفياضة إزاء شخصي المتواضع، فإني أود قبل كل شيء أن أتوجه الى كافة هؤلاء المواطنيين بأخلص عبارات الشكر وأن أؤكد لهم امتناني الدائم وقد لمست لديهم اقتناعا عميقا بأن مسعاهم هذا يأتي من منطلق تلك الروح الوطنية المتجذرة على الدوام في الفرد الجزائري، ومن استعداده التلقائي لتحمل المسؤوليات كلما تعلق الأمر بالذوذ عن قضية تحظى بإيمانه. غير أنه من واجبي، ولدواعي موضوعية أراها كافية للإقناع، وذلك بما يتصل ويتطابق وروح خطابي الذي توجهت به الى الأمة في 11 سبتمبر ،1998 وبياني الصحفي الصادر في 06 جانفي ،2004 أن أذكر بعض الأفكار الرئيسية، حرصا على إزالة أي التباس وكل غموض قد يعتري رؤيتي الخاصة الى الممارسة الديمقراطية وإلى العمل السياسي ومنتهى إدراكي لمصلحة الجزائر العليا. وفي البداية يجب أن أشير إلى أنني، في سنة ،1994 كنت قد قبلت بالفعل،التكفل بشؤن الدولة في ظروف كانت غاية في التعقيد والصعوبة من أجل تحقيق جملة من الأهداف التي أعتبرها كلها أساسية، من وجهة نظري، لكونها تتمثل في تقويم البلاد ولا سيما من خلال استعادة، الأمن للأشخاص والممتلكات، وإذكاء روح المواطنة لدى كل القوى الحية للأمة، وإعادة بناء الصرح المؤسساتي، وبعث التنمية الإقتصادية الإجتماعية وتفعليها من جديد، وأخيرا إعطاء المكانة اللائقة للجزائر في محفل الأمم. فبالنسبة لاستعادة الأمن للأشخاص والممتلكات، فقد تطلب ذلك خوض معركة ضاربة ولا هوادة فيها للتصدي لموجة العنف التي كانت تلقي بظلالها على البلاد في شكل إرهاب وحشي لم تكن غايته سوى زعزعة النظام الجمهوري للدولة، وتدمير القدرات الاقتصادية لبلادنا، وتقتيل الآلاف من المواطنين وأعوان الدولة ورجال الثقافة والأدب، بهدف إفراغ المجتمع الجزائري من جوهره ومن طاقته الخلافقة، وقد كان لابد لهذا المطلب، الذي التف حول تحقيقه وتقاسمه جميع المواطنين والمواطنات تقريبا، وأن يسمح للجزائر بالمحافظة على كيانها وباستعادة الثقة في ذاتها، وقد أثبتت هذه الثقة التي تعززت بعودة الآلاف من الجزائريين إلى أسرهم وذويهم بفضل تدابير الرحمة وقانون الرحمة، بأن السبيل الذي انتهجه الكثير من الشباب الجزائريين المغرر بهم، قد كان طريقا مسدودا ولا طائل من ورائه . أما تقويم البلاد، فلم يكن يتطلب، يومها تعبئة القوات المسلحة فحسب، بل تطلب أيضا توظيف حس المواطنة لدى كل القوى الحية للأمة من أجل التغلب على وحش الارهاب الذي لم يفتأ يدوس على الطابع المقدس للروح البشرية، ولم ينفك يضاعف من آلام الجزائر كل يوم أكثر فأكثر، ويعرض تمساكها الإجتماعي الى التلاشي، وتلكم هي الروح التي تم على أساسها مباشرة الحوار، الذي أقيم وكرس كإطار مفضل للتشاور مع كل الجزائريين والجزائريات الذين يحدوهم الإنشغال بمصير الجزائر كدولة أمة. بيد أنه في نفس الإطار المفضل للتشاور هذا بالذات، قد تم تنظيم الانتخابات الرئاسية لسنة، 1995 التي أجريت في سنة، 1996 ثم تنظيم ندوة الوفاق الوطني التي عقدت في سنة 1996 وتوجت أشغالها، فضلا عن بيانها الختامي، بالمصادقة على النصوص المتعلقة بالمشاريع التمهيدية لتعديل كل من الدستور، والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية، والقانون العضوي المتعلق بالإنتخابات، كما تمت، في نفس هذا الإطار ايضا، المصادقة على جدول زمني لإجراء انتخابات تشريعية ومحلية. ولابد من الإشارة بهذا الصدد، إلى أن المشاركة التساهمية لأغلبية الفاعلين تقريبا، في الحياة الوطنية، كانت قد مكنت الجزائر من تجاوز صعوبات كبرى، مما سمح لها بالمضي قدما نحو تحقيق انتصارات أخرى جد ثمينة، وليس هناك أدنى شك في أن تجسيد هذه الأهداف قد شكل منعرجا حاسما في حل المأساة التي عاشتها الأمة بكل آلامها. وعلى الصعيد الإقتصادي والإجتماعي، فإن مسألة بعث وتفعيل التنمية قد كانت في صدارة مسعى التقويم الوطني وفي صميم كل الإنشغالات، ومن أكثر المسائل أهمية بحكم كونها تتعلق بمصير البلاد في حد ذاتها، وقد سمح التوقيع على الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي بتجنيب الجزائر وضعية عجز شبه كامل عن الدفع التي كانت تواجهها لأسباب سابقة لهذه المرحلة، كما مكنها، بمساهمة إطارات جزائريين نزهاء وأكفاء، من تجاوز وضع من أدق الأوضاع خطورة بالنسبة للبلاد، وإنه لمن خلال هذا السبيل الذي كان لا مفر منه، في ذلك العهد، لأمكن الجزائر أن تتصور وتشرع في بعث وتفعيل التنمية الوطنية، حيث أصبح التقشف الاقتصادي في الواقع، قاعدة سلوك لا مجال فيه البتة، للتساهل بل العمل على نحو يمكن من التخفيف الأقصى من آثار الأزمة على مستوى حياة المواطنيين التي كانت أيضا، إحدى الإنشغالات الدائمة. أما على الصعيد الخارجي، فإن الجزائر، ورغم مواجهتها منفردة، لأزمة متعددة الأبعاد ومن أشد الأزمات خطورة، منذ الاستقلال الوطني، يمكنها اليوم أن تفخر بما قامت به بالأمس عن جدارة حيث انها فضلا عن بقائها وفية، وفاء مطلقا، لمواقفها المبدئية إزاء كبريات القضايا الدولية، قد تمكنت بالإعتماد أساسا، على امكانياتها الخاصة وعلى قدراتها الذاتية، من أن تسجل عودة مستحقة على المسرح العالمي. والحال هذه، فإن الجزائر، بعد أن خرجت قوية من هذه التجربة التي اكسبتها إياها مرحلة من أصلب مراحل وجودها، ومتمرسة بالعبر التي يلقنها التاريخ في مثل هذه الظروف، من واجبها أن تتجه بحزم نحو المستقبل وتباشر مرحلة جديدة تتسم بانتهاج سبيل الديمقراطية الحقة وممارسة العمل السياسي السليم، وإذا كان يجب بالضرورة أن تقوم دولة الحق والقانون الأصيلة، على مؤسسات قوية متأتية من الإرادة الشعبية المعبر عنها بحرية، فإن السعي الى تحقيق هذا الهدف السامي يظل في نظر، شرط لا محيد عن تلبيته لكي يكون مفهوم المصلحة العليا للجزائر بمثابة القلب النابض لدى اتخاذ أي قرارحتى لا يرهن مستقبل البلاد ومصير الأمة. وفي الأخير، وإذ أجدد عميق احترامي وبالغ تقديري إلى كافة المواطنين الذين ابدوا ارادة صادقة لحثي على الترشح للاستشارة الإنتخابية القادمة، فإني أود أن أنتهز هذه الفرصة لأذكر الرأي العام الجزائري بأن قرار تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، الذي أعلنت عنه يوم 11 سبتمبر ،1998لم يكن نتيجة لمناورة سياسية، ولا نتيجة لأي ضغط داخلي أو خارجي كما لم يمليه تراكم الصعوبات المستعصية بل قرار اتخذته في الواقع من منطلق قناعتي العميقة بأن الديمقراطية لا يمكن أن تقام حقا وتترسخ دون فسح المجال للتداول على السلطة وبأن التنمية الاقتصادية المتوازية في فائدة كل شرائح المجتمع لن تكون مستدامة بعيدا عن الممارسة الفعلية للديمقراطية ودون التقيد الصارم بالارادة الشعبية، وخلاصة القول، فقد قررت بكل حرية التخلي نهائيا عن مساري السياسي، اعتقادا مني بأن الوقت قد حان لتجسيد التداول بما يضمن وثبة نوعية لأخلاقياتنا السياسية ولممارسة الديمقراطية، خاصة وأني لا أكاد أتصور مفهوم الرجل الملهم أو المنزل، كمفهوم لم أؤمن به مطلقا تحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار. حرر يوم الثلاثاء 13 جانفي 2009