«النهار» تنقل معاناة اللاعبين الملتزمين في الملاعب الجزائرية «لسنا كفارا… خبزتنا مُرّة.. أوقفوا الشتائم وقصّات النساء»! يعيش مختلف لاعبي البطولة الوطنية، الذين أعلنوا سابقا عن التزامهم الديني التام، سواء بإطلاق لحيتهم أو ستر عوراتهم بارتداء لباس طويل تحت التبان، وحتى المعروف عليهم بالمواظبة على الصلاة في وقتها والأخلاق العالية، أسوأ لحظات حياتهم في مختلف الملاعب الجزائرية، سواء أثناء المباريات الرسمية لفرقهم أو حتى خلال التدريبات، أين يتعرضون دائما مثل باقي زملائهم للشتم والسب والوصف بأقبح العبارات، من طرف فئة معنية من الجماهير والأنصار، وذلك بسبب أو من دونه، ليكونوا هم الضحايا الأوائل من العنف اللفظي خلال تسجيل فرقهم للتعثرات. تعد الملاعب الجزائرية ومختلف بطولاتها، بدءا من الرابطتين الأولى والثانية إلى أدنى الأقسام السفلى، قبلة لمختلف شرائح الأنصار ومن مختلف الأعمار، مما جعل العقليات تختلف من فئة لأخرى، الأمر الذي ساهم في تنامي العديد من الظواهر في المدرجات لتطغى عليها السلبية، وعلى رأسها ظاهرة الشتم والسب وحتى العنف الجسدي، الأمر الذي ضيّق الخناق على اللاعبين على أرضية الميدان وجعل البعض منهم يتصرف بغرابة ويفقد تركيزه حين يتم استهدافه، سواء بشتمه أو السخرية منه بسبب أحد صفاته أو بمناداته باسم شقيقته أو حتى والدته، وهو الأمر الذي يعاني منه كثيرا اللاعبون الملتزمون، الذين رغم قلتهم في البطولة إلا أنهم في كثير من الأحيان يكونون تحت مجهر أشباه الأنصار، رغم أخلاق اللاعب الملتزم سواء فوق أرضية الميدان أو خارجه، أين تجده لا يفرط في صلاته في وقتها المحدد حتى لو اقتضى الأمر التضحية بدقائق من وقت التدريبات، أو أدائها داخل غرف تغيير الملابس ما بين شوطي المباريات الرسمية، أين يتطوع اللاعبون الملتزمون دائما نيابة عن باقي زملائهم لأداء دور الإمام في الفريق، سواء خلال التربصات التحضيرية المغلقة، أو حتى أيام التدريبات العادية. ووجد بعض اللاعبين، سواء الذين أظهروا التزامهم أو غير الملتزمين، طريقا واحدا مختصرا للتخلص من ظاهرة العنف اللفظي الذي يتعرضون له في مختلف الملاعب الوطنية، وهو إعلان اعتزالهم الميادين من دون أي سباق إنذار، وهو ما حدث مع المهاجم السابق لاتحاد الحراش وشببية القبائل وشباب بلوزداد رمزي بورقبة، الذي أعلن اعتزاله في سن الثلاثين بعد رفضه شتم أمه المتوفاة من دون أي شفقة أو رحمة. قال إنه وزملاءه يؤدون دائما الصلاة جماعة في غرف تغيير الملابس بين شوطي المباريات قراوي ل«النهار»: «أصبحنا نفكر في الاعتزال وأقول للجماهير الجزائرية ارفعوا مستواكم» كشف متوسط ميدان مولودية الجزائر، أمير قراوي، أنه وبعض زملائه الملتزمين أصبحوا يفكرون حقا في اعتزال كرة القدم، بسبب الأوضاع التي يعيشها المحيط الكروي في الجزائر، داعيا في الوقت ذاته، في تصريح خص به «النهار»، الجماهير المحلية للرفع من مستواها: «الإنسان في هذه الدنيا يعلم أن الأمر المهم هو الله سبحانه، وعليه نحاول أن تكون صلاتنا دائما قبل كل شيء وفي المسجد، ونتفادى أن نتأخر عن أدائها خلال التدريبات، ومثلما نفعله الآن في المولودية أو عندما كنت مع وفاق سطيف نؤدي الصلوات جماعة مع اللاعبين، وفي أيام المباريات المصادفة ليوم الجمعة نؤدي الصلاة في المسجد، وعند الوصول إلى الملعب نتجه لأداء صلاة العصر جماعة أيضا، وحتى ما بين شوطي اللقاء نصلي الصلاة التي يحين وقتها، مثل صلاة المغرب، سواء لاعبين أو أعضاء الطاقم الفني الذين يصلون، وبعد المباراة نصلي أيضا صلاة العشاء»، وأضاف: «ما نسمعه من مدرجات الملاعب من شتائم لا يعجبنا، خصوصا عندما نكون نحن المقصودين من وراء ذلك، لكن «الله غالب» نحن نقوم بعملنا ونستغفر الله وأتمنى أن ترفع الجماهير الجزائرية كلها من المستوى، وأمر واضح أننا أصبحنا نفكر في الاعتزال بفعل كل هذه الأمور، والإنسان بقدر ما يقترب من ربه يصبح يرى أنه يجب الابتعاد عن الأمور التي تبعده عن دينه». قال إن اللاعبين ليسو كفارا العيفاوي ل«النهار»: «هذا موسمي الأخير بسبب الشتم وتشبّه اللاعبين بالنساء» اعتبر المدافع الدولي السابق والحالي لاتحاد البليدة، عبد القادر العيفاوي، ما يحدث له ولباقي اللاعبين في مختلف الملاعب الوطنية من طرف الأنصار بمثابة العيب، الأمر الذي جعله يتخذ قرار الاعتزال نهاية الموسم الحالي، خصوصا بعد أن كثرت ظاهرة تشبّه اللاعبين بالنساء في تسريحات شعرهم، حيث قال ل«النهار» في هذا الصدد: «نتواجد في وضعية حرجة وكل ما ندخل أرضية الميدان نسمع السب والشتم، ويتم شتم أمهاتنا، نحن لسنا كفارا ولا أستطيع القول أكثر من هذا لأن ما يحدث عيب، هذا موسمي الأخير في مشواري الكروي وذلك بسبب ما نعاني منه في ملاعبنا، سواء من شتائم وحتى قصات شعر اللاعبين الحاليين التي تشبه قصات شعر النساء، ولا نستطيع المواصلة ومقابلتهم»، وأَضاف: «نحن كلاعبين لا يتم منعنا أبدا من أداء الصلوات في الملاعب، سواء جماعة أو على انفراد». أكد أن مطالبة الأنصار بتركه كرة القدم والاكتفاء بالصلاة حزّ في نفسه كثيرا بوقجان: «لحيتي جعلتني أتعرض لمضايقات المنافسين ورفضت مناداتي بالزرقاوي» أكد المدافع السابق لشباب بلوزداد، خليل بوقجان، أن إعفاءه للحيته وإظهار التزامه أيام كان لاعبا جعله يتعرض لعدة مضايقات من طرف لاعبي المنافس، في خطوة منهم لنرفزته، موضحا أن الأمر الذي يعاني منه اللاعب الملتزم كثيرا في الملاعب الجزائرية هو صلاته، كاشفا في الوقت ذاته خلال تصريحاته ل«النهار»، أنه كان يرفض خلال مسيرته الكروية مناداته بأسماء لا تعتبر بمثال قدوة لأي شخص، حيث قال في هذا الصدد: «أول ما يعاني منه اللاعب الملتزم هو صلاته، على سبيل المثال قبل سنوات كانت مبارايتنا تلعب على الثانية والنصف يوم الجمعة، وهو ما لا يكفينا لأداء الصلاة، خصوصا بالنسبة للاعب الذي يظهر ويعلن عن التزامه، مما يتسبب له في حرج كبير أمام بقية الناس، لأنهم يرون فيه قدوة، لكن بعد تضييعه الصلاة ينتابه شعور بالنقص، أمام ثاني أمر فهو وجود بعض اللاعبين الذين يضايقونك لأنك ملتزم وملتحٍ، مثلما حدث لي شخصيا خصوصا عندما يكون فريقي متأخرا في النتيجة، أين كانوا يقولون لي أنت ملتزم وتلعب بخشونة وتفادي هذه الأمور وذلك لإفقادي أعصابي، وكانوا يستغلون ذلك أيضا لنرفزتي، أما من جهة الشتائم فأي لاعب ينزعج كثيرا في حالة شتم أمه وحتى من دون أن يكون ملتزما فما بالك إن كان ملتزما، وهناك من اعتزل الملاعب بسبب شتم أمهه وهناك من التزم عندما كان لاعبا وتوقف عن ممارسة الكرة بسبب الشتم»، وأضاف: «مناداتي بالزرقاوي لم تكن تزعجني في البداية، لأنني لم أكن أعرف قصته، لكن بعد أن بحثت عنه وعرفت تاريخه ومن يكون رفضت مناداتي باسمه، لأن أي أنسان تزعجه مناداته باسم ذلك الشخص، بل يجب أن ينادى باسم يكون قدوة، فمثلا الأطفال الصغار الذين كانوا يتابعون كرة القدم أصبحوا يحبون الزرقاوي الحقيقي بسببي أنا ومن دون معرفتهم له وحقيقته، وهو ما يجعلنا نفسد المجتمع، وعليه أنصح من يريد إطلاق تسمية على لاعب أن يكون هذا صاحب الاسم قدوة»، وبخصوص الحادثة التي اعترضته لما كان لاعبا وحزّت كثيرا في نفسه قال: «ما حزّ في نفسي كثيرا هو أنه في أحد الأيام تنقلت مجموعة من الأنصار للملعب من أجل شتمنا بعد دخولنا في أزمة نتائج، أين تكلم معي أحد الأنصار وقال لي أيها الملتحي لو تذهب للصلاة أليس أفضل لك؟ وهو ما بقيت أحتفظ به في ذاكرتي، لأنه كلام أثر فيّ كثيرا، لكن وبعد مُضي 10 سنوات كاملة تحدثت إلى أحد الأنصار صدفة، الذي كان حاضرا مع تلك المجموعة، وقالي لي إن ذلك الشخص لم يكن مناصرا لبلوزداد بل يحب المولودية وتعمّد قول ذلك الكلام». «الملتزم لا مكان له في الملاعب الجزائرية رغم وجود مدربين ولاعبين يحترمونه» أوضح بوقجان أن اللاعب الملتزم في الوقت الحالي لا يمكنه بأي شكل من الأشكال التواجد في الملاعب الجزائرية: «رأيي المتواضع أن اللاعب الملتزم لا مكان له في الملاعب الجزائرية لأنه يتوجب عليه أن يتحلى بالصفات الجيدة، ورغم هذا أدعو جميع الملتزمين لعدم الاعتزال، ويجب أين يعمل جميعهم لإصلاح المجتمع ووقف الظواهر التي نعاني منها، لأنهم في حال انسحابهم سيفتحون بابا آخر أمام الأمور التي كانوا يعانون منها، كما أن هناك أحد المناصرين وبعض اللاعبين دعوني لكي نقوم بحملة لإيقاف ظاهرة الشتم، وذلك بمشاركة اللاعبين من مختلف المناطق، أين يكون هدفنا إيصال الرسالة للأنصار كيف يشعر اللاعب الذي تشتمه»، وأضاف: «من ناحية الإيجابيات التي تصادف اللاعبين الملتزمين فهناك مدربون يساعدونهم، أين كانوا يتركونني أصلي وحتى بين شوطي المباريات، كما أن زملائي اللاعبين في الفريق كانوا يحترموننا نحن الملتزمين، سواء بعدم سماع الأغاني أمامنا أو في عدة جوانب أخرى». قال إن الظواهر السلبية دخيلة على الملاعب الجزائرية لعروم: «كنا نُسكت الأنصار في 30 ثانية وجميع الملتزمين في وقتنا كانوا محترمين» كشف المدرب بوعلام لعروم، أنه كان برفقة بعض زملائه الملتزمين سابقا، يقومون بإسكات الجماهير التي كانت تتواجد في الملعب خلال مدة قصيرة بإشارة منهم فقط، عندما يبدأون في الشتم، وذلك بسبب تواجد لاعبين مثاليين ومحترمين في مختلف الأندية، عكس ما يوجد خلال المواسم الأخيرة في البطولة الجزائرية، مؤكدا أن جميع اللاعبين الملتزمين سنوات الثمانينات، كانوا محترمين في مختلف الملاعب، حيث قال في تصريح ل«النهار» بخصوص هذا الأمر: «في وقتنا كنا نصلي في الملاعب قبل بداية المباريات بشكل عادي، والظواهر السلبية التي نراها الآن في ملاعبنا كانت قليلة في وقتنا، فنحن كلاعبين كنا نسكت الأنصار بعد أن يبدأوا في إطلاق الشتائم، أين كنا نوقف المدرجات بأكملها بإشارة منا فقط خلال 30 ثانية، في حين، بعض اللاعبين حاليا لا يمكنهم فعل ذلك، بسبب تصرفاتهم خارج الميدان، في وقتنا كان هناك لاعبون مثاليون، كما أننا كنا نعتبر السكان الذين يحيطون بالملاعب جزءًا منها لاعتيادنا عليهم، وكنا نرفض أن يسمعوا هذه الشتائم، كما كان هناك مسؤولون بمثابة شخصيات بإمكانهم إسكات الجماهير لأنهم مسؤولون ومحترمون في حياتهم الشخصية قبل أن يدخلوا عالم الكرة»، وأضاف: «الحل للتخلص من الأمور السلبية في ملاعبنا، هو أن يكون هناك لاعبون قادرون على التحكم في الوضع، رغم أن الأمور تسير إلى الأسوأ حاليا، ونحن دائما نبحث عن العلاج من دون التوعية، وهذا الأمر لا يخص الملتزم فقط، بل جميع الناس، ويجب أن يعمل في محيط نظيف لكي يتمكن المناصر المتخلق والذي يصطحب أولاده من الجلوس في المدرجات مرتاح البال، وأظن أن سبب ما تشهده الملاعب الجزائرية حاليا يعود بالدرجة الأولى إلى دخول صغار السن، والذين لا يتجاوز عمرهم 15 سنة، عكس ما كان في الماضي». طالب الأنصار باحترام اللاعبين وتفادي شتم الأمهات، بن عيّاد ل«النهار»: «الكرة في بلادنا خبزة مُرّة بالنسبة للملتزمين وتغيضنا لما نشاهد مباريات الجيران» اعترف مهاجم نادي وفاق سطيف، مراد بن عيّاد، بالصعوبات الكبيرة التي يعيشها اللاعبون في الملاعب الجزائرية، خاصة الملتزمين منهم، بسبب ظاهرة الشتم التي غزت مدرجات الملاعب من طرف الأنصار، الذين طالبهم بتفادي شتم أمهات اللاعبين والتحلي بالروح الرياضية، كما عبر عن أمنيته في اقتداء أنصارنا بالجماهير التونسية والمغربية، وكشف في المقابل أنه لم يفكر، رغم هذا، في اعتزال الكرة، كونها مصدر رزقه، وكذا شغفا كبيرا بالنسبة له، حيث صرح في اتصال ب«النهار» قائلا: «صدقوني.. نحن نعاني من صعوبات كبيرة ونتألم كثيرا عندما نتعرض للشتائم، وحتى عندما تشتم أمهات لاعبين آخرين، لأنهم أمهاتنا أيضا، وما حدث مع اللاعب السابق رمزي بورڤبة واعتزاله بسبب شتم أمه، دليل على تأثير هذه الظاهرة على اللاعبين، هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا وأنصارنا، ونعلم جيدا حنّيتهم وأنهم سيغيّرون هذه العادة لو تتم توعيتهم»، مضيفا:«علينا الاقتداء بجيراننا، فعندما نشاهد المباريات في تونس والمغرب، وترى العائلات في المدرجات تغيضنا، ونتمنى أن نكون مثلهم»، وتابع: «رغم كل الصعوبات خاصة بالنسبة للملتزمين، إلا أنني لم أفكر أبدا في الاعتزال، لأن الكرة هي مصدر رزقنا، هذه خبزة مرّة، ولكن أيضا شغف وعشق للكرة». هذا وأكد محدثنا أنه شخصيا لم يسبق له التعرض للشتم أو مواجهة مشاكل بسبب التزامه ولحيته، بل بالعكس، ينال احترام الجميع: «بالنسبة لي، لم يسبق أن تعرضت للشتم، وحتى لحيتي تجلب لي احترام الأنصار والمدربين والمسيرين الذي يقدرون تديّني كثيرا»، وعن تعاملهم مع صلاة الجمعة عند تزامنها مع مباريات الفريق، قال بن عيّاد: «رغم أن برمجة المواجهات يوم الجمعة على الساعة الثالثة يصعّب وضعيتنا تجاه صلاة الجمعة، إلا أننا لا نمنع من أدائها واللعب بعدها، وأحيانا نصليها جماعة كصلاة ظهر لأنها رخصة، وعلى العموم، لن نلوم الرابطة على برمجة المواجهات في ذلك التوقيت، لأنه ليس خطأها، بل المشكل في بعض الملاعب التي لا تتوفر على أضواء كاشفة، خصوصا في فصل الشتاء».