ملايين الشباب الجزائري وليسوا الآلاف فقط، ممن تراهم اليوم منخرطين في إسقاط الكثير من النماذج و«الماركات» الغربية الأوروبية منها والأمريكية على مظاهرهم الخارجية، سواء تعلق بألوان الألبسة أو أشكالها أو مع تسريحات الشعر، بالإضافة طبعا إلى وضع القلادات والأقراط وبعض الأسوار على معاصم اليد. وليس هذا فقط، فقد وصلت درجة هوس التقليد والتأثر إلى طريقة الكلام والمشي وبعض السلوك والحركات، كل هذا يحدث طبعا باسم الحريات المطلقة والتحضّر اللامحدود إلى درجة المسخ، وحينما تحاول التقرب من كثير من هذه الفئات العمرية، فأنت لا تسمع إلا إجابات من قبيل «إنها الحضارة وآخر مودة.. ألم تصلك يا أخي؟». ولحظتها قد تشك في نفسك بأنك لم تسمع بها أو أنك لا زلت متأخرا عن الركب الذي يعتقدون بأنه في المراتب المتقدمة، وأنهم هم الحقيقة بعينها وأنت الخطأ! . ظاهرة مثل هذه يمكنك إطلاق عليها عدة تسميات، أولها «التقليد الأعمى» وما تبعه من نعوت وأوصاف، وقد سُمي ب«الأعمى» لأنه لا يمت بأي صلة لما تعوّد عليه الناس وسيرورة المجتمع، وأعمى لأنه يتخذ مسارا غريبا وشاذا، لا يتناسق أو يتناغم مع الآداب العامة وأخلاقيات الأغلبية من موظفين وإداريين. وحتى مسؤولي مصالح أو أي نوع من البشر، فقط يمكن حشرهم في فئة عمرية تبدأ من ذوي العشرين سنة وما تحت، والعلماء يحصرونها في مرحلة الإرهاق، لذلك فهي نتاح طيش وعدم نضج، كما أن الأمر لا يقتصر على تقليد «الموضات»، بل هناك من يحيي المناسبات وبعض الطقوس التي لها علاقة مباشرة بالديانات الأخرى، أي الخاصة بأصحابها في الضفاف ما وراء البحر وليس هنا. ولو عدنا إلى الوراء أي لعشريات، لوجدنا أن شباب الستينات والسبعينات كانوا مقلدين لبعض التسريحات أو ما شابهها من ألبسة متأثرين بالسينما وما تنقله بعض الأفلام والمجلات. لكن مع التدفق الشنيع لوسائل الاتصال، وفي زمن أصبح العالم مفتوحا على مصراعيه، كان بمكان أن يكون التأثر وليس التأثير أكبر بكثير مما يتصوره أي عاقل، وللأسف الشديد بقيت هذه النماذج دوما في موقع التلقي والتأثر، وليس إنتاج خصوصيات ما، وعلى الرغم من وجود خصوصيات تتعلق بالتقاليد والأصالة، إلا أنها ظلت محل سخط واستخفاف من طرف الذين يرون في ذلك نوعا من التخلف والرجعية. لقد شاهدنا كثيرا من الأمم التي أثبتت جدارتها في مجالات عدة، كاليابان والصين وبعض الدول الخليجية، خاصة في الاقتصاد إنتاجا وتصديرا، لكنها لم تتخلَ عن تقاليد سلفها وأجدادها الأولين، بحكم معرفتها وعلمها أن اللباس المحلي والإبقاء على كثير من المرجعيات المتوارثة، لا يقف حجر عثرة في مسارها التنموي أو التقدمي. وقديما قيل إن العلم في الرأس وليس في الكراس، لأن هذه الأمم التي سبق ذكرها تعي جيدا بأن الجهات التي تقوم بتصدير هذه «الموضات»، تهدف إلى إلهاء شباب العالم وتخديره بطرق غير مباشرة من أجل أن تظل هي المصدر، الآمر الناهي متحكمة على جميع الأصعدة. خاصة إذا تعلق بعقول الأجيال المتعاقبة التي تتهافت على كل ما هو برّاق ومغرٍ ومنمق، ولا تعير أدنى اهتمام للمجالات المعرفية والعلمية وحتى الأدبية، وهذا فعلا ما ينطبق على جيل يعيش ويحيا بيننا، حيث تعجز الألسن عن وصفه بأي صفة. فقط يمكننا اختصار ذلك في قول الشاعر:«ملء السنابل ينحنين تواضعا والفارغات رؤوسهن شوامخ»، أي أنه جيل عنيد ولا يحبذ النصح والتناصح، بل متهور وعنيف وخفيف، وزنه أقل من وزن الريشة.