يبدأ الأبناء عادة في مرحلة المراهقة بالمطالبة بالحصول على قدر أكبر من الخصوصية، وهي ظاهرة طبيعية، غير أن هذه الرغبة تصطدم مع غريزة الأمومة التي تناديك بحماية ابنك، من خلال مراقبة تصرفاته والاطلاع على أسراره. فإذا أردت أن تمسكي العصا من منتصفها، وأن تشبعي غريزة الأمومة لديك وتحترمي رغبة ابنك في الوقت نفسه، عليك بمحاولة حل المعادلة الصعبة، وذلك بالوقوف على مجريات الأمور فيما يتعلق بحياة ابنك، وفي نفس الوقت منحه الخصوصية الكافية، حيث يبدأ في هذه السن بالمطالبة بها، وعلى الرغم من الألم الذي تشعرين به عندما يطالبك ابنك بالابتعاد عنه، يجب أن تسلمي بأن مطالبة الابن بمساحة خاصة به، جسدية ونفسية هي ظاهرة طبيعية تتماشى مع متطلبات النمو، ويبدأ هذا المطلب في الإعلان عن نفسه مع دخول الأطفال مرحلة البلوغ، إذ تتغير أحوالهم، كما تتغير أجسادهم. إن السماح للمراهق بالحصول على الخصوصية يساعده على تنمية حسه الخاص بالصواب والخطأ. وإذا كان السبب الوحيد الذي يدفع المراهق إلى القيام بعمل ما، هو ممارسة الوالدين سلطتهما التي تذهب إلى حد تهديده، فإن هذا السبب ينتفي حال وجود المراهق بين أصدقائه بعيدا عن الوالدين، في هذه الحالة سوف يزداد ميله للتمرد. وهذا لا يعني أنّك يجب أن تنسحبي مبكرا من حياة ابنك، أو أن تختفي من عالمه طوال الوقت، فقد أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يبقى أهلهم إلى جوارهم عند اتخاذ القرارات ولا يقطعون صلاتهم النفسية بهم مبكرا، يكونون أكثر توفيقا وتميزا في المدرسة، كما تنخفض بالنسبة إليهم احتمالات الإتيان بسلوكيات غير مستقيمة، والأكثر من ذلك أن المراهق رغم رفضه الظاهري، يريد من الأهل فعلا أن يكونوا جزءا من حياته، فإذا أبدى أحد الوالدين تجاهه اهتماما و تعاطفا، يبدو العالم بالنسبة إليه مكانا آمنا. إذن يجب عليك منح طفلك قدرا من الخصوصية مع تأكيد أن هذا الحق يلقي على عاتقه بعض المسؤوليات، إضافة إلى ذلك ادخلي معه دائما في نقاشات لمعرفة حجم الخصوصية التي يحتاجها ولسن القوانين التي يشعر كل منكما بالراحة تجاهها، يجب أن يعرف أن الثقة تقترن بالمسؤولية وأنه مهدد بفقدان هذا الإمتياز، في حالة تهاونه في الاضطلاع بمسؤولياته، فإذا وجدت في داخلك رغبة قوية في التجسس على حياة ابنك، فإن هذا يعتبر مؤشرا قويا على غياب التواصل فيما بينكما، ويدل على أن الأوان قد آن لمد جسور الحديث بينكما من جديد، أما إذا راودك الشك في تورط ابنك في سلوكيات خطرة، يمكنك عندئذ نسيان جميع المحاذير، إذا شعرت أن تحمسك على طفلك يوفر لك معلومات تساعد على حمايته، فافعلي ذلك ولا تهتمي لغضبه، ويفضل إخبار ابنك بنيتك هذه قبل أن تبدئي في التفتيش، أو يمكنك أن تقومي بهذه المهمة في وجوده، أما إذا فتشت أغراضه دون علمه، فإنك تكونين مهددة بفقدان الثقة بك. مشاركة الأستاذ محمد الطاهر سحنون