السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد: إخواني القراء، العقوق وما أدراكم ما العقوق؟ أنه أقبح فعل وأشنع ذنب، لا يقدم على هذا الفعل إلا من تجرد من كل معاني الإنسانية والأخلاق والقيم، لأنه لا يوجد أقبح وأشنع من هذا التصرف. هؤلاء هم أشقائي الثلاثة الذين نسوا والدهم إرضاءً لزوجاتهم، توفيت والدتي ونحن ما زلنا صغارا وأنا أكبر أشقائي الثلاثة، وتولى والدي رحمه الله تعالى تربيتنا ورعايتنا وحرم نفسه من الزواج حتى يتفرغ لنا، وكبرنا دون أن نشعر باليتم، لأن والدي عوضنا عن رحيل الوالدة بالحب والحنان والاهتمام والعاطفة غير المحدودة. حينما تزوج أشقائي واحدا تلوى الآخر، تركوا البيت الكبير، وخرجوا جميعهم في شقق، رغم أنّ البيت يسعنا جميعا، لكن الخبث كان في زوجاتهم هن طلبن ذلك من أزواجهن، لهذا كلما تزوج أخ لي طلب الاستقلال ولكن في شقة مع زوجته، بعد أن يتعهد أنه سيزوره في الأسبوع ثلاث زيارات. ست سنوات كاملة قضيتها مع الوالد المشلول المسن، قبل أن يوافيه الأجل المحتوم، أقوم بكل شيء له ابتداء من جلوسه على الكرسي المتحرك إلى بقية الخدمات التي أقدمها لإنسان مريض عاجز لا يقوى على شيء. وكنت في ذلك أشعر براحة وسعادة، ليقيني بأن هذا العمل أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى. ولكني في الوقت نفسه كانت تملأ قلبي الحسرة والألم من عقوق أشقائي الذين جفوا وقاطعوا والدي منذ أن تزوجوا وتركوا البيت، ولم يكلفوا أنفسهم بزيارته ولو في المناسبات أو السؤال والاطمئنان عليه، من خلال الاتصال الهاتفي. لكن تلك عقول بعض الرجال التي سيطرت عليها النساء، فزينّ لهم العقوق وصدقوهن ومشوا وراءهن، توفي والدي وكان يتمنى أن يرى جميع أبنائه مجتمعين حوله، لكنهم لم يدركوا تلك السويعات التي كان يحتضر بها، كان في أشد الحاجة لرؤيتهم ذهبت إليهم، رجوتهم أن يذهبوا كي يراهم قبل أن تخرج روحه من جسده، لكن لا حياة لمن تنادي، كانت على عيونهم غشاوة وأصموا آذانهم إلى أن يئست منهم فوكلت أمري إلى الله.. فله الأمر من قبل ومن بعد. توفي والدي الحبيب وانتقلت روحه إلى الرحمن، فجاء أشقائي نادمين ولم يحظ واحد منهم حتى بشرف زيارته ورؤية والده وهو يحتضر عوضا عن عقوقه السابق. لقد وقفت وقفة شجاعة في ذلك اليوم الذي جاؤوا به يتباكون عن ذلك النسيان والتجاهل وكيف أنّهم سمعوا من زوجاتهم ومشوا وراء نصائحهن بالعقوق، وما فعلوه بوالدهم المسن العاجز من هجر وقطيعة، وكيف أنه كان يتألم ويتحسر وهو الذي كان يتمنى أن يرى جميع أولاده مجتمعين حوله أثناء مرضه الأخير واحتضاره، وذكرتهم بعاقبة العقوق في الدنيا قبل الآخرة، لقد طأطأ جميعهم رؤوسهم إلى الأرض نادمين على ما فات، لكن لا ينفع الندم، لقد انتهى الأمر ورحل الوالد الغالي وهم عاقون له، ومات هو بحسرة على هجرانهم له. لي كلمة هنا إخواني القراء في هذا المقام للعاق والديه أو أحدهما، هل يضمن العاق أنه لن يكون من بين أولاده من يعقه وينساه ويتجاهله ويتركه لينهش المرض جسده ولا يكلف نفسه حتى السؤال عنه؟ باية من سطيف