في رحلة مع عدة صحفيين قدموا من أكثر من 30 بلدا إفريقيا إلى مقاطعة شانشي وسط الصين، نظمها المركز الصيني الإفريقي للصحافة، التابع لوزارة الخارجية الصينية، وقفت الاذاعة الجزائرية على بدايات تاريخ الصين ومقومات نجاحها. ففي هذه المقاطعة بالذات كانت بداية طريق الحرير في القدم حيث كانت تنطلق القوافل محملة بالحرير والأقمشة والأمتعة لتباع في عدة مدن المتواجدة على طول الطريق إلى غاية أوروبا، قبل أن تنقطع تلك خلال العهد العثماني. اليوم الصين الجديدة، تريد إعادة إطلاق هذا الطريق من جديد، بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، التي تسمى الحزام والطريق والتي هي عبارة عن منشئات قاعدية تتمثل في الموانئ والطرقات السريعة والمطارات والسكك الحديدة لربط المدن فيما بينها ولربط الشعوب بعضها ببعض. هذه المبادرة شهدت انضمام العديد من البلدان من بينها الجزائر التي انضمت في الخريف الماضي. وصادفت زيارتنا إلى مدينة شي آن عاصمة شانشي، انعقاد المنتدى الرابع لطريق الحرير الدولي، والذي استضاف عدة دول، والتي أبدت الصين إرادتها القوية في بناء أكبر أرضية عالمية للتجارة التي يمكن لعدة دول ومن بينها الدول الإفريقية تسويق منتجاتها مع ضمان الجودة العالية. وأنا أحضر المحاضرات، تبادر إلى ذهني مفاوضات الجزائر مع منظمة التجارة العالمية التي مازالت ممتدة منذ سنوات والتي لم تتمكن الجزائر الانضمام إليها بسبب الشروط التعجيزية التي تفرضها بعض دول المنظمة. كما حضرنا مؤتمر حول محاربة الفقر في بلدان الطريق والحزام، حيث عرضت تجربة شانشي في هذا الصدد، فقد حققت نتائج ملموسة وتمكنت من إخراج عشرات الآلاف من السكان من الفقر. ولقد اعتمد المسؤولون الصينيون على استراتيجية أساسية ترتكز على توفير ضمانات التدريس والتغطية الصحية وتوفير السكن اللائق مع محاولة توفير مناصب العمل قرب مساكنهم. ضريح الإمبراطور الأول للصين تشين شي هوانغ وجنوده : ولقد أكد المسؤولون في شانشي رغبتهم في تقاسم تجربتهم مع بلدان الطريق والحزام في ميدان محاربة الفقر. ويجب التنويه أن الصين حققت قفزة عملاقة في تحسين حياة مواطنيها ومحاربة الفقر وهي اليوم تملك أكبر طبقة وسطى في العالم. مقاطعة شانشي تملك تاريخ كبير، ومدينة شي آن، كانت عاصمة الصين القديمة والمحطة الأولى لطريق الحرير، ففيها ضريح الإمبراطور الأول للصين تشين شي هوانغ وجنوده الذين صُنعوا كتماثيل من الطين بإتقان شديد. ويقدّر عددها ب 7 آلاف تمثال موزعة على ثلاث حفر تم دفنها في مقبرته، لترافقه إلى ما الحياة الأخرى. وفضلا عن الجنود، تضم الحفر المستكشفة 130 عربة و520 حصانا و150 حصانا للفرسان، في حين يتوقع الخبراء وجود المزيد من الحفر التي تحوي الكثير من التماثيل التي لم تُكتشف بعد. البندا رمز الصين الجديدة : في زيارتنا لمنطقة فوبينغ، ذهبنا لزيارة محمية حيوان البنداحيث أقامت حكومة المقاطعة محمية طبيعية كبيرة الحجم عبارة عن غابة تتربع على مساحة 12 ألف هكتار مربع بالمنطقةالجنوبية لجبال تشين الضخمة من أجل حماية هذا الحيوان الرمز للصين. يكن الصينيون حبا جما لحيوان البندا، فهو يشكل رمزا وتراثا أيضا، وتعمل الحكومة الصينية في حملاتها الاتصالية لتعريف العالم بثقافتها وحضارتها على استعمال صورة البندا وجعله رمزا لصينيين. فنجد مثلا أن هناك عدة أفلام كارتونية حيث يكون البندا البطل، ونجد الكثير من الشعارات تتضمن حيوان البندا. فهذا الحيوان وكأنه الذرع الواقي لحملات الإعلامي التشويهية التي يشنها الغرب ضد الصين. يزور المحمية 100 ألف سائح سنويا، وتتوافر لهم فقط فرصة مشاهدة اثنين من الباندا العملاقة في قفص حديدي والباقي حر طليق محظور الدخول إلى مكانه، نظرًا لأن الباندا لا حيوان لا يسمح لأحد بالدخول إلى مكانه أو التطفل عليه. في مزارع الشاي الصيني الفاخر وبعد زيارتنا لمنبع نهر هان، أحد أكبر الأنهار في الصين، ذهبنا لزيارة مزارع الشاي الصيني. تلك المزارع التي تم إعادة تنظيم العمل بها بشكل عصري، سمح للمزارعين الذين كانوا فقراء برفع دخلهم ليصل على الأقل إلى 7000 يوان صيني، أي ما يعادل 120 ألف دج للعائلة. حيث تم إدراج تلك المزارع في مخطط لنهوض وتطوير صناعة الشاي عموما، فتم بذلك تخصيص مساحات كبيرة لزراعة الشاي مع توفير جميع الإمكانيات المادية لرفع كمية المنتوج مع ضمان الجودة الفاخرة للشاي الصيني. في حقول الشاي تلك، لفت انتباهي الموسيقى الصينية التقليدية الهادئة التي كانت تسود أنحاء المزرعة. حيث وضعت مكبرات الصوت في كل مكان يبث من خلالها تلك الموسيقى، فتجعل عمل المزارعين هادئا ومتناغما. وكانت لنا الفرصة أن نرى كيف يتم تحضير الشاي بالطريقة الصينية. فهناك طقوس خاصة في كيفية إعداده. وبالمناسبة هناك دروس جامعية في مجال تحضير الشاي وكل ما يتعلق بزراعته وتحضيره. في متحف الترقية الثقافية الصينية.. وكانت لنا الفرصة في زيارة متحف الترقية الثقافية الصينية بمدينة شين غان، وهو عبارة عن متحف كبير في شكل قرية سياحية، بناءه يمزج بين الهندسة العصرية مع الحفاظ على الطابع الصيني التقليدي. لقد كانت الفرصة للوفد الإفريقي التعرف على ثقافة وتاريخ الصين خصوصا في ما يتعلق بتاريخ طريق الحرير من خلال الألواح والتماثيل التي تجسد تلك الرحلات التجارية والثقافية. وهناك أيضا أخذنادرسا في الكتابة الصينية التقليدية. حيث ارتدينا لباسا صينيا تقليديا وجلسنا أمام طويلة مثلما كان يجلس الطلبة الصينيون في زمن ما في القدم وكتبنا الكلمات الصينية القديمة. سمحت الرحلة التي نظمها المركز الصيني الإفريقي للصحافة إلى مقاطعة شانشي بالتعرف على تاريخ الصين العظيم، هذا التاريخ الذي تتكئ عليه الصين الجديدة اليوم، مبرزة قيمه ومحافظة عليه، كي تتبوأ المرتبة الأولى عالميا، كقوة اقتصادية وأكبر بلد في العالم.