يبدو راهن الفقراء عشية حلول رمضان مقلقا, مع اضطرار الكثيرين لمواجهة أعباء شهر الصيام بمنح لا تتعدّى السبعة آلاف دينار, ويضطر قطاع من العائلات المحدودة الدخل لرهن ذهبها, وأخرى للاقتتات من مطاعم الرحمة حتى يمرّ عليها رمضان بردا وسلاما. قدرت مراجع غير رسمية عدد الفقراء عبر القطر الجزائري بتسعة ملايين من المعوزين وذوي الحاجات الذين رصدت لهم كل من وزارتي الداخلية والتضامن والأسرة خمسة ملايير دينار كميزانية دعم خلال شهر رمضان المعظم، وهو غلاف ضخم موجه لتموين ستمائة مطعم رحمة وتوزيع قفة رمضان التي تتراوح قيمتها من خمسة إلى سبعة آلاف دينار، في مقابل ارتفاع مسعور لأسعار المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك وكذا اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء عشية حلول الشهر الكريم، وسط استثمار السماسرة في جيوب المحتاجين كعاتهم في كل رمضان أو مناسبة دينية، هذه الأخيرة التي تفوق نفقاتها خلالها أضعاف قدراتها المادية وبالخصوص التي لا يتعدى دخلها الشهري السبعة آلاف دينار، ويكون رب الأسرة مجبرا على الاستجابة لمتطلبات عائلته في تأمين مائدة رمضان باستدانة من الغير، أو بجلبها من مطاعم الرحمة التي توفر الأطباق الضرورية للصائمين، وفي حالات كثيرة يضطر أفراد العائلات إلى الإفطار داخلها وبالخصوص المتشردة منها المتواجدة عبر أرصفة وشوارع المدن الكبرى، على غرار العاصمة التي تشهد ارتفاعا محسوسا في عدد النازحين خلال شهر رمضان، كما سيضاف إلى جيب رب العائلة خلال السنة الجارية أعباء إضافية ترهق كاهله فاتورة ملابس عيد الفطر وكذا الدخول المدرسي والاجتماعي، بعدما تزامن موعد رمضان والعيد مع الدراسة. وخلافا لشريحة الأثرياء التي تستقبل الشهر الكريم بلائحة ضخمة من المقتنيات وما إلى ذلك من المستلزمات، أبرزت عائلات فقيرة ومحدودة الدخل مآسيها، حيث أكدت الخالة كهينة بأنها تضطر إلى الإدخار طوال شهور السنة من أجل تأمين لقمة الشهر الكريم، أين تكثر النفقات ولا تكفيها رواتب أبنائها الثلاثة، على اعتبار أنها تستأجر شقة منذ أزيد من 20 سنة. بدورها أكدت إلهام وزوجها فاتح المشردان بشوارع حسيبة بن بوعلي بالعاصمة، بأنهما يضطران إلى الإفطار بمعية ابنتيهما بمطاعم الرحمة طوال سنتين على التوالي، بعدما طردهما مالك المنزل، موضحين في سياق حديثهما بأنهم يفترشون "الكرتون" والأفرشة البالية للنوم ليلا بالقرب من المؤسسات المحروسة، لتفادي تعرضهما لأي اعتداءات قد تطالهما من قبل المختلين عقليا. من جانبها أكدت الخالة حسيبة القاطنة بباب الوادي بالجهة الغربية للعاصمة بأنها اضطرت في عديد المرات لرهن ذهبها، من أجل تأمين فطور شهر رمضان بعدما عجز زوجها عن تلبية متطلبات أبنائهما، مضيفة "السنوات الأخيرة تزامن مع موعد الشهر الكريم وعيد الفطر مع الدخول المدرسي والاجتماعي، ولم يستطع "مولى" بيتي الذي لا يتعدى راتبه الثمانية آلاف دينار شهريا تلبية متطلباتنا، وفي غالب الأحيان أطباق مائدتنا الرمضانية تقتصر على ما تقدمه مطاعم الرحمة المتواجدة بالمنطقة". 5 ملايير دينار لتموين 600 مطعم وقفة رمضان وفي موضوع ذي صلة رفض عبد العزيز لحلو مدير مركزي مكلف بعملية رمضان على مستوى وزارة التضامن والأسرة، إلصاق مسؤولية انتشار الفقر والعائلات المتشردة عبر القطر الوطني على عاتق مصالح القطاع الذي يمثله، مؤكدا في تصريحاته ل"السلام" بأن الجزائر توجد ضمن المراتب الأولى للدول التي تهتم بشريحة الفقراء والمساكين، مستندا في رده على رصد السلطة ل13 بالمائة من المدخول الخام للبلاد لنفقات في الميدان الاجتماعي، حيث اعتبر بأن مهمة القضاء على هذه الظاهرة تشترك فيها جميع قطاعات الجهاز التنفيذي بدون استثناء، مضيفا: "المتشردون والفقراء موجودون حتى في الدول الكبرى على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا". وفيما يتعلق بالميزانية التي رصدتها الدولة لصالح شريحة المعوزين والمساكين خلال رمضان، كشف عبد العزيز لحلو عن تخصيص الحكومة ل500 مليار سنتيم، قدرت نسبة مساهمة وزارة التضامن فيها 200 مليون سنتيم أي ما يعادل خمسة بالمائة، في مقابل دفع وزارة الداخلية والجماعات المحلية ل95 بالمائة من النسبة الكلية، مشيرا إلى أن نسبة الفقراء بالجزائر لم تحدد بعد غير أنه أفصح عن تواجد أكثر من 600 مطعم رحمة متواجدين عبر 48 ولاية، معظمهم من تبرعات المحسنين وكذا الكشافة الإسلامية والهلال الحمر الجزائري. وقال المدير المركزي المكلف بعملية رمضان على مستوى وزارة التضامن والأسرة، بأن تحيد قيمة قفة رمضان عن مهام الجماعات المحلية الممثلة في البلديات التي تنسق مع مديرية النشاط الاجتماعي على مستوى الولايات، تحت إشراف وزارة التضامن التي ستتراوح من 5 آلاف إلى 7 آلاف دينار، مبرزا في سياق حديثه دور بعض القطاعات على غرار الصحة والتجارة والمؤسسات الوطنية الممثلة في الجمارك والحماية المدنية التي ستكون حاضرة على مستوى مطاعم الرحمة، والتي ستسهر على السير الحسن فيها طوال 30 يوما.