تشير مؤشرات توافرت ل»السلام»، أنّ حل أزمة الكهرباء المحتدمة في الجزائر لن يكون غدا، وإذ يطمئن مجمّع سونلغاز جمهور المستهلكين بحل جزئي للمشكلة اعتبارا من شهر سبتمبر الداخل، فإنّ مصالح نور الدين بوطرفة تتبرّأ من المسؤولية وتلقي باللائمة على المواطنين، جرّاء ما تسميه «الاستهلاك غير العقلاني». وتتقاطع تصريحات مسؤولين حكوميين في أنّ أزمة الانقطاعات مرشحة للاستمرار إلى أجل غير مسمى، وفي إشارة قوية إلى أزمة انقطاعات الكهرباء أكد يوسف يوسفي وزير الطاقة والمناجم، على تخصيص غلاف مالي يقدر بألفي مليار دينار (2.7 مليار دولار) لدعم برنامج الاستثمار لمجمّع سونلغاز لبلوغ طاقة انتاجية إضافية من الكهرباء تصل إلى 12 ألف ميغاواط في آفاق 2016. وكمخطط للقضاء على مشكل انقطاعات التيار الكهربائي الذي أرّق الجزائريين خلال صيف هذا العام وبصفة خاصة في شهر رمضان، أكد المسؤول الأول عن قطاع الطاقة أنّ الحكومة أعادت النظر في مخطط رفع طاقة إنتاج الكهرباء خلال الأربع سنوات المقبلة، والتي كانت بسقف 4 آلاف ميغاواط وقررت رفعها ب 8 آلاف ميغاواط تلبية للطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وبذلك تصبح مع حلول العام 2016 طاقة إضافية للإنتاج ب 12 ألف ميغاواط وهي استثمارات تكلف قرابة 3 مليارات دولار. وقال يوسفي إن نصف هذا الغلاف المالي يخصص لرفع الطاقة الإنتاجية فيما يخص الشطر الآخر لتدعيم وتطوير وسائل نقل وتوزيع بالتيار الكهربائي، مشيرا إلى أن الدولة ستقف وراء سونلغاز لتنفيذ المشروع. وأكد الوزير أن تجسيد هذا المشروع يعني أنه تم تحقيق أهم إنجاز في قطاع الكهرباء منذ الإستقلال، حيث لم يسبق رفع القدرة الانتاجية لهذا المستوى كما أنه سيسمح بمسايرة الإرتفاع المضطرد للإستهلاك بسبب تطور البلاد في كافة مناحي الحياة، كما أعلن أن الحكومة ستعمل على تسهيل تجسيد المشروع بخفض آجال الإنجاز إلى 3 سنوات بدلا عن 5 سنوات إلى جانب تبسيط الإجراءات الإدارية أمام سونلغاز للحصول على التجهيزات اللازمة. وتنتج الجزائر حاليا 10 آلاف ميغاواط من الكهرباء، فيما يتراوح متوسط الإستهلاك السنوي ما بين 7 و8 آلاف ميغاواط ويصل إلى حدود 9 آلاف ميغاواط خلال فصل الصيف، كما أن الإستهلاك الوطني ارتفع بنسبة 14.5 بالمائة في 2012 مقارنة ب 14 بالمائة في 2011، في حين بلغت توقعت سونلغاز ارتفاعا ب 6 بالمائة فقط. وأشار أن «السلطات العمومية رصدت أموالاً ضخمة وبذلت مجهودات جبارة لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء لاسيما في السنوات الخمس الأخيرة»، مشيرًا إلى «أن إنتاج هذه الطاقة قفز من 300 ميغاواط سنة 1962 إلى 1000 ميغاواط في 1980 ليصل حاليًا إلى 11 ألف ميغاواط». تضارب تصريحات.. والمطلوب ترشيد الاستهلاك وفي تصريحات خاصة ب»السلام»، سعت فاطمة الزهراء مرزوقي المكلفة بالإعلام على مستوى شركة توزيع الكهرباء الوسط، للتهوين من حجم الأزمة الواقعة، معتبرة أنّ منطقة الوسط لم تشهد انقطاعات كبيرة، بالمقابل تشير مرزوقي إلى زيادة الطلب بنسبة كبيرة في ولاية البليدة، ما أدى إلى عدم تحمّل الشبكة الأرضية للكوابل الكهربائية للضغط، على نحو يفسر سلسلة الانقطاعات في منطقتي أولاد اعيش وبني مراد، فضلا عن الانقطاعات التي طالت ولاية المدية. وتركّز مرزوقي على كون الأسباب الحقيقية لانقطاعات الكهرباء عبر الوسط متنوعة، وتعود بالأساس إلى عامل الاستهلاك الكبير لهذه المادة من قبل المواطنين من خلال استعمال العديد من الأجهزة الكهربائية على غرار المكيفات الهوائية. على النقيض، يركّز مواطنون تحدثوا ل»السلام» أنّ سبب الانقطاعات الكهربائية المتكررة التي تشهدها العديد من ولايات الوطن منذ فترة ليست بالقصيرة، مردّه ضعف إنتاج واستثمارات مجمع سونلغاز، ويبرز هؤلاء الخلل الكبير في منظومة إنتاج المجمع الذي مازال مستقرا في نسبة 3 بالمائة في وقت يتراوح الطلب الوطني ما بين 5 و7 بالمائة. ويقول الخبير الاقتصادي محجوب بدة ل»لسلام»، أنّ سونلغاز تعيش حالة شبه إفلاس بسبب الديون الكبيرة المترتبة عليها والتي تحفظ المتحدث بشأن الكشف عنها مؤكدا انهه تتجاوز رقم أعمال المجمع الذي صار مهدد في أي لحظة بالانهيار -على حد تعبير المتحدث- الذي كشف أن نسبة ضياع الكهرباء على مستوى كل فروع المجمع تتراوح ما بين 12 و17 بالمائة، منوها إلى أن أكثر من 10 بالمائة منها مصيرها السرقة. كما لم يخف بدة الدور الكبير الذي تلعبه ثقافة الاستهلاك الغائبة في المجتمع الجزائري في مثل هذه الحالات، مستدلا ببعض الحالات أين تستعمل العائلات ثلاثة مكيفات هوائية وأكثر من ذلك في منزل واحد، هذا فضلا عن التلفاز وبعض التجهيزات الكهربائية الأخرى، الأمر الذي يضاعف الضغط على المولدات الكبيرة التابعة لسونلغاز بشكل يؤدي حتما إلى انقطاعات تغيب وفقا للمتحدث في فصل الشتاء بحكم انخفاض الاستهلاك العام للكهرباء. ويرى بدة أنّ تشجيع الدولة للاستثمارات كفيل بتخفيف وطأة هذا المشكل من خلال تخفيض التسعيرة وإعادة رسكلة سلطة الضبط، مناديا بضرورة تنويع مصادر التوليد، في ظل توفر المصادر المساعدة على ذلك بالجزائر على غرار السدود وبعض الشلالات لرفع منسوب الإنتاج. وللرطوبة والحرارة تأثير أيضا تعزو مرزوقي الاختلالات الحاصلة، إلى ارتفاع نسبة الرطوبة والحرارة أيضا، وهما بنظرها عاملان يؤثران بصفة مباشرة الكوابل الكهربائية، حيث أنّ الحرارة الشديدة تساهم في ارتفاع حرارة الكابل الكهربائي وكذا قوة السحب من خلال الاستهلاك أيضا ترفع نسبة حرارته، ما يؤدي إلى حدوث انقطاعات كهربائية موضحة، كما أنّ الاعتداءات غير الشرعية على الشبكات الأرضية من خلال عمليات الحفر التي تقوم بها جهات معينة كالأشغال العمومية وغيرها تساهم أيضا في انقطاعها، فمعايير الكوابل على المستوى المتوسط يحدد القدرة. وتؤكد مرزوقي أنّه من الأكيد أن كل عام شركة توزيع الكهرباء تنشط محاضرات وتعقد محاضرات صحفية لتقديم شروحات وتوضيحات أكبر حول ما يتعلق بالكهرباء، كما تفيد المتحدثة باسم شركة توزيع الكهرباء الوسط أنّ الطلب على الكهرباء فاق التوقعات، فحاجيات المواطنين زادت بنسبة 30 بالمائة خلال الخمس سنوات الأخيرة، وعن زوال هذا المشكل، تحاشت مرزوقي الحديث عن آجال معينة، معلقة أنّها لا تستطيع التصريح عما إذا كان سيتم القضاء عن هذه الانقطاعات في الفترة القليلة القادمة. وحسب مسؤولة سونلغاز، فإنّ المخرج يكمن في ترشيد استعمال الطاقة الذي هو الحل الأنجع، فالمواطنين إذا اتبعوا منهجية معينة قيمة وصحيحة فسيزول هذا الانقطاع، وذلك من خلال الاستعمال الأمثل لاستهلاك الكهرباء، أيضا إذا انخفضت درجات الحرارة وقل الطلب، من المنطقي أن تحصل الانقطاعات في صورة ما حدث ويحدث في كل من الوادي، بسكرة وبرج بوعريريج، حيث أن الانقطاعات موجودة بفعل وجود خطين ذوي 2200 فولط يمران عبر المسيلة، وتؤدي الضغوطات الكبيرة على شبكة نقل الكهرباء إلى حدوث انقطاعات كثيرة. إنهاء انقطاعات الكهرباء في الشرق مؤجل إلى سبتمبر من جهته، يتوقع عبد الحميد بلاغة المكلف بالإعلام على مستوى شركة توزيع الكهرباء والغاز للشرق، أنهاء انقطاعات الكهرباء في الولاياتالشرقية في الشهر المقبل، ويقدّر بلاغة أنّ أسباب انقطاعات الكهرباء ترجع إلى الاستهلاك الكبير والقوي للطاقة الكهربائية من طرف المواطنين ما يؤدي بصفة مباشرة إلى حدوث الانقطاعات، موضحا بذلك أن هذه الأخيرة مست ولاية قسنطينة بشكل كبير، حيث أن هذه الانقطاعات جاءت في أواخر شهر جوان. وأضاف بلاغة أنّ سونلغاز لا يمكنها منع المواطنين من استعمال المكيفات الكهربائية لأن ذلك من حقهم، لكن مصالحه تحرص على تنبيه المواطنين إلى استعمال الكهرباء بين السادسة مساء إلى العاشرة ليلا، فيجب أن يكون الاستهلاك عقلانيا وذلك أن خلال هذه الفترة يرتفع ثمن الكهرباء فالفاتورة تكون باهظة، ناهيك عن الارتفاع الكبير في درجات الحرارة لمنطقة الشرق الجزائري التي لم تنخفض عن 39 درجة مئوية، فهذا العامل أثر بشكل سلبي على الكابلات التي لم تتحملها، مما يؤدي إلى انقطاع الكهرباء، فالكابل لما يتعرض لأشعة الشمس بنسبة حرارة تقدر 40 درجة مئوية خلال خمسة أيام هنا من الطبيعي أن تنقطع الكهرباء. وعن المخططات المستقبلية للحد من مشكل الانقطاعات الكهربائية، يجيب المتحدث أن سونلغاز قامت بتجهيز مركز كهرباء بنواحي باتنة، وأفاد أنه سيتم القضاء على هذا المشكل خلال الشهر المقبل. من جهة أخرى، ذكر بلاغة أنّ مصالح سونلغاز تتلقى دائما مشاكل عقب قيامهم بمشاريع من حيث إيصال الأسلاك وذلك من جهة العقار، مؤكدا أنّ المواطنين يمنعونهم من تمرير الأسلاك الكهربائية بجوارهم، على خلفية مخاوفهم من حدوث أية أخطار، مشيرا إلى أنّ الأمر يتعلق تحديدا بولاية بجاية، ما عطّل ربط شبكة الكهرباء والغاز هناك. شبح فترة ظلام غير محدودة جدّد الخبير الاقتصادي بشير مصيطفى تخوفه الكبير من إمكانية تعرض الجزائر لما يعرف بظاهرة «البلاك أوت» والتي تعني فترة الظلام الطويلة، موضحا أنه مع استمرار وتيرة الاستهلاك الخالية للطاقة الكهربائية مع النمو الديمغرافي المتزايد، في ظل ضعف استثمارات المجمع الطاقوي سونلغاز الذي يمكن أن يعجز عن مجاراة الطلب المحلي يمكن للبلاد أن تدخل في فترة ظلام، قد تدوم لأسابيع مثلما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث أدى تضاعف الاستهلاك وبعض الأعطاب التقنية إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أغلب ولايات أمريكا لمدة تعدت الأسبوع، مشيرا إلى أنّ تعرض الجزائر لمثل هذا السيناريو قد يدمّر الاقتصاد الوطني دون شك -على حد جزم المتحدث- ويدخل البلاد في أزمة مجهولة العواقب. خسائر بالملايير خلفتها الانقطاعات المتكررة وأكد مصيطفى أستاذ الاقتصاد في جامعة الجزائر، أنّ الانقطاعات المتكررة للكهرباء التي تمتد في بعض المناطق إلى يومين على التوالي، قد خلفت خسائر بالملايير، مشيرا إلى تصدر القطاع التجاري لقائمة القطاعات الأكثر تضررا، تليه الصناعة بأقل درجة بحكم امتلاك أغلب الناشطين فيه لمولدات خاصة تخفف عنهم حدة التضرر. في السياق ذاته، عرّج المتحدث إلى المبالغ المالية الكبيرة التي خسرتها البنوك إن صح القول، جراء عملية الدعم التي وجهتها مؤخرا لفائدة الخبازين الذين استفادوا من مولدات جديدة باهظة الأثمان على مستوى كل ولايات الوطن. وقال أنّ مثل هذه الأموال كان من الأجدر استغلالها في استثمارات جديدة تدر بالفائدة على الاقتصاد المحلي بدلا من توظيفها في ترقيع أخطاء التسيير المسجلة على مستوى مجمع سونلغاز. كما لم يستبعد الخبير الاقتصادي إمكانية مبادرة الجزارين أيضا بحركة احتجاجية ليطالبوا هم الآخرون بدعم يمكنهم من اقتناء مولدات كهربائية تعفيهم من الخسائر المتكررة التي يتعرضون لها، فضلا عن هذا حذر مصيطفى من خسائر أكبر سيما مع احتمال هروب المستثمرين من البلاد نظرا لعدم توفر مناخ العمل الملائم الذي تعتبر الكهرباء أبرز معالمه وتغيير الوجهة نحو بلدان أخرى، أو تغيير وجهة نشاطاتهم نحو قطاعات أخرى لا تعتمد بصفة كبيرة على الطاقة الكهربائية. كما لم يستثن مصيطفى الخسائر التي يمكن أن تنجر عن الاحتجاجات المتكررة التي يبادر بها عدد من المواطنين في بعض ولايات الوطن، أين أقدموا على تحطيم عدد من المرافق العامة وحرق عدد من فروع سونلغاز، الأمر الذي كبد الخزينة خسائر جسيمة.