صرحوا مرارا وتكرارا بأنهم لا يعلمون السبب وراء التهميش الذي يقابلون به من طرف الإدارات والمؤسسات القائمة على الشؤون الثقافية في الجزائر، ورغم علمهم بخبايا عوالم الإبداع من مسرح ورواية وبحث.. إلا أن الأمر اختلط عليهم ولم يميزوا ملامحه إلا مؤخرا، حيث تمكّن بعض هؤلاء من أمثال الدكتور، أحسن ثليلاني، والروائي، سمير قسيمي.. من تلمّس موضع الخلل، ليعرف كل منهما الدافع وراء استبعادهما من التظاهرات الثقافية الكبرى، على غرار المهرجان الوطني للمسرح المحترف، الذي تتواصل فعاليات طبعته السابعة حاليا، والصالون الوطني للكتاب المنتظر افتتاح طبعته ال17 صباح الغد، والتي تدخل جميعا خلال العام الجاري في إطار الاحتفالات الوطنية بالذكرى الخمسين للاستقلال. قال الدكتور أحسن ثليلاني، أن تهميش أدباء الجزائر العميقة وأدبائها في الداخل من قبل بعض الأوصياء على الشأن الثقافي، لاسيما في المناسبات الثقافية الكبرى على غرار الصالون الدولي للكتاب، هو حقيقة ملموسة نعانيها بمرارة ونبتلع آلامها بصمت دفين. وأضاف المتحدث من خلال رسالة نشرها بحسابه الخاص على موقع “الفايسبوك” بالقول: “أنا مثلا حاصل على شهادات عليا من البكالوريا إلى الليسانس إلى الماجستير في أدب الحركة الوطنية وانتهاء بشهادة الدكتوراه في الأدب الحديث، وأعمل أستاذا محاضرا بجامعة سكيكدة وفي رصيدي عشرة كتب مطبوعة تشمل المسرح والنقد والترجمة وأدب الأطفال.. في حين تمتد تجربتي الأدبية لأكثر من ثلاثين سنة في الكتابة والإبداع وإلقاء المحاضرات بمختلف ولايات الوطن، كما أنني حاصل على عدد من الجوائز الوطنية والعربية وربما لا يوجد مني طاولني في الحديث مثلا عن موضوع المسرح والثورة، مادمنا نحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال، لكن مع كل هذا لم توجه لي الدعوة يوما للمشاركة في الصالون الوطني للكتاب، ولا في الصالون الدولي ولا في ما يسمى بالأسابيع الثقافية الجزائرية بالخارج”. ثقافة ضائعة في أيد لا تُشرّف واصل ثليلاني في رسالته الباحثة عن أجوبة لأسئلة عشرات المهمشين على مستوى المشهد الثقافي الحالي، بالقول: “الأمر الغريب بالنسبة لي أن توجه الدعوة لبعض الرهط من قومنا ممن لا يشرفون الثقافة ولا الوطن كوطن، في حين يتم تهميشنا نحن الذين نناضل يوميا من أجل ثقافتنا الوطنية.. بكل صدق أنا أتعجب وأشك أحيانا في نوايا هؤلاء الناس.. ليت الأمر يتوقف عند تهميش الدكتور حسن تليلاني فقط، ولكنه يطال قامات ثقافية وإبداعية كبيرة من جيلي ومن غيره، وأستطيع أن أعدد قائمة طويلة عريضة في هذا المجال، إنهم أدباء الجزائر في الداخل، والأمر هنا يذكرني بقضية مجاهدي الداخل في مواجهة مجاهدي الخارج، وهي قضية معروفة في تاريخ ثورتنا التحريرية”. ويؤكد المتحدث أن القائمين على الشأن الثقافي الوطني يفرشون بساط الحرير للقادمين من الخارج، رغم أن المثل يقول: “ما أكذب الذي يأتي من بعيد”، ويصف الشعور بالتهميش “المقيت المؤلم” ويقول: “تعبنا كثيرا في الدفاع عن ثقافتنا الوطنية وحمل رايتها عاليا، نحن نناضل يوميا نحرث ونغرس ونسقي لكن الثمار يقطفها أناس آخرون يأتون من بعيد ويقدمون للرأي العام على أساس أنهم كتاب كبار ومشاهير في الإبداع والثقافة، وهم في الحقيقة أوهام في أوهام وعصب وشلل تتقاسم الريع وتضحك على الذقون، ومع ذلك ليس الريع من يغيرنا أو يبدل قناعتنا في حب وطننا وإحياء تراثنا ونشر ثقافتنا، وأما الزبد فيذهب جفاء أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. محاباة وصداقات.. على حساب مستوى الفعاليات قال ثليلاني أنه رفض سلطة التيارات الإيديولوجية والعصب المشبوهة دوما: “غير أن أي فحص من طرف المتتبعين أو الصحفيين للبرنامج الثقافي والأدبي المرافق لفعاليات الصالون الدولي للكتاب، سيؤكد له بما لا يدع أي مجال للشك أنه قد دبر بليل من قبل عصبة لا يهمها الوطن أو ثقافته، بقدر اهتمامها بإرضاء الصحاب والخلان والعصبة أولا، وإرضاء التيار الفرانكفوني المتنفّذ في ثقافتنا الوطنية أيضا”. وأشار إلى تخصيص الدولة أموالا طائلة في سبيل نشر الثقافة الوطنية وتشجيع مبدعيها وكتابها: “لكن للأسف تذهب هذه الأموال سدا في استقدام كتاب مشبوهين لا وزن لهم في بلدانهم، في حين يتم تهميش كتّاب الجزائر الذين يعيشون داخل الوطن يناضلون من أجله ويحترقون في الدفاع عنه.. ورغم تكرار هذه الممارسات المشينة في كل طبعة من صالون الكتاب حيث تتم دعوة نفس الأسماء بنفس التهريج وبمزيد من الريع إلا أن أكثر ما يلاحظ هو صمت الجميع وكأن الأمر يتجاوزهم”. فشلك إبداعيا.. صك قبولك وبروزك ثقافيا!؟ نشر من جهته الروائي الفذ سمير قسيمي، بعد اطلاعه على برنامج محافظة المعرض الدولي للكتاب وغيره من تظاهرات ثقافية وطنية-كما قال- تعليقا أكد من خلاله أنه قد توصل أخيرا إلى معرفة سبب تجاهل القائمين على البرمجة لأسماء كثيرة لا تتم دعوتها حيث قال: “أدركت أن أهم ما يشترطه المنظمون لمثل هذه التظاهرات ممن لا يوجهون دعوات لأسماء كثيرة من أصحاب الإصدارات الجديدة على غراري وبشير مفتي وأمين الزاوي وخالد بن صالح وربيعة جلطي وإسماعيل يبرير ومحمد جعفر والكثير الكثير.. أن لا تكون قد أصدرت كتابا واحدا منذ أربع سنوات على الأقل، وأن تكون قد فشلت إبداعيا في إصداراتك، وأن تملك منبرا إعلاميا تثمن فيه هذا الفشل، وأن تكون في منصب يسمح لك بدعوة من دعوك في مهرجان لاحق، كما يمكن أن تتلقى دعوة مثلا، حين تتمكن من تنشيط ندوة حول رواية لك لم ولن تصدر أبدا أو هي في قيد الكتابة.. الرجاء ممن تحققت فيهم هذه الشروط الاتصال بمحافظة المعرض وبمصالح وزارة الثقافة للحصول على دعوة”..