لا تزال سوق التأمينات في الجزائر، تراوح مكانها وسط فوضى عارمة باعتراف المتعاملين ذاتهم، ويشير من تحدثوا “للسلام” أنّ سمة الهشاشة لا تزال طاغية رغم الإمكانات الهائلة المسخّرة لمنظومة هامة بهذا الوزن، حيث يعدّ القطاع آلة منشّطة للاستثمار لو جرى توظيفها على النحو الأكمل، وسط انتقادات لاذعة لمتخصصين يجزمون أنّ الإصلاحات لا تتقدم والقطاع بحاجة إلى إصلاحات عميقة بلغة الأرقام، لا يزال قطاع التأمينات في الجزائر محدودا، حيث لا يتعدّ إجمالي رساميله الخمس ملايير 1.5 مليار دولار، وهو مصنف في المركز 70 عالميا، بنسبة التأمين على السكان لا تتجاوز 0.6 بالمائة وبمعدل 23 دولارا لكل ساكن، في وقت بلغ رقم سوق التأمينات في تونس (10 ملايين نسمة) 1.2 مليار دولار، فيما يقدّر في المغرب (35 مليون نسمة) 3.6 مليار دولار. يحدث هذا، رغم ارتفاع رقم أعمال قطاع التأمينات في الجزائر بارتفاع نسبته 9ر6 بالمائة بقيمة 3ر87 مليار دج، ويمثل فرع السيارات حصة الأسد من السوق، حيث يشكل أكثر من نصف إنتاج القطاع بمبلغ 4ر43 مليار دينار، وبنسبة تطور بلغت 5ر9 بالمئة خلال العام الأخير، بعدما أصبح تأمين الأشخاص بالنسبة لمحترفي القطاع خدمة جد مربحة. تتكون سوق التأمينات في الجزائر من 16 شركة أربعة منها عمومية اذ تمثل أكثر من 70 بالمئة من هذا الفرع وشركتي تأمين مختصة في التأمين على القرض في مجال الصادرات والعقار وشركة عمومية للتأمين واعادة التأمين وتعاضديتين، اضافة إلى 7 شركات تأمين خاصة جزائرية أو ذات رأسمال مشترك وأخيرا شركة تأمين وطنية خاصة. وارتفع رقم أعمال فرع التأمين على الأشخاص الذي يضم التأمين على “الحوادث الجسدية” و«الحياة” و«السفر” ب4ر12 بالمئة. وقدر رقم أعمال قطاع التأمينات في 2010 بحوالي 79 مليار دينار أي ارتفاع ب 6 بالمئة مقارنة ب 2009 حسب توقعات المجلس الوطني للتأمينات. ويسجّل عمارة العتروس، رئيس اتحاد شركات التأمين وإعادة التأمين، وجود ثلاث شركات فقط مرخص لها على مستوى السوق الوطنية للاكتتاب وتسويق منتوجات التأمين على الأشخاص، ويتعلق الأمر ب«تأمين لايف الجزائر” و«كرامة أسورانس” و«شركة التأمين والاحتياط و الصحة (سابس). ومنذ دخول القانون 04-06 المؤرخ في 20 فبراير 2006 التكميلي للأمر رقم 95-07 المؤرخ في 25 يناير 1995 في الفاتح جويلية الماضي، الذي يلزم كل شركات التأمين بفصل نشاط التأمين على الأشخاص عن نشاط التأمين على الخسائر، قام العديد من المؤمنين العموميين بإنشاء فروع متخصصة في هذا المجال والتي كانت غير متداولة بكثرة في الجزائر من قبل. كما سمحت مطابقة شركات التأمين الوطنية لاسيما التابعة للقطاع العمومي بفتح آفاق جديدة بالنسبة للمؤمنين الجزائريين، والتي دخلت سياق المنافسة الدولية في هذا المجال مع قدوم مجموعات أوروبية وعالمية كبيرة لاسيما العملاق الفرنسي “أكسا”. كما ترتقب الشركة الجديدة للتأمينات (أكسا تأمينات الجزائر) برأسمال إجتماعي يقدر ب3 ملايير دينار بنسبة 49 بالمائة من طرف المجمع الفرنسي، و36 بالمائة من طرف الصندوق الوطني للإستثمار- البنك الجزائري للتنمية و15 بالمائة من طرف بنك الجزائر الخارجي بعث في السوق الجزائرية للتأمينات لاسيما في فرع “الخسائر” ب2 ملايير دينار و1 مليار دينار للتأمين على الحياة. وأفاد محترفو القطاع أن دخول القانون الجديد حول التأمينات حيز التنفيذ إبتداء من 1 جويلية 2011، بعد الأجل الجديد لمدة ثلاثة أشهر الذي منحته وزارة المالية، قد سمح بفتح آفاق جديد لتطوير وتوسيع القطاع. وقد تم الإعلان عن إنشاء ثلاثة فروع متخصصة في التامين على الأشخاص. ومن شأن ذلك أن يعطي معلما جديدا للمنتجات المقترحة إلى حد الآن من طرف شركات التأمين. حتى وإن يبقى القطاع الخاص لحد الساعة متخلفا عن هذا الاتجاه الجديد. ويتعلق الأمر بالنسبة للفروع الثلاثة التي تم إنشاؤها من قبل المؤمنين الوطنيين و التي دخلت إحداها في الشراكة مع مجموعات أجنبية بشركة التامين والاحتياط والصحة، وشركة التامين على الحياة “تالا” والشركة المختلطة الصندوق الوطني للتعاضدية الفلاحية وسلامة للتأمينات-الجزائر. وحسب المؤمنين ينتظر التحاق فروع جديدة أخرى للتامين عن الأشخاص. وتعد شركة التامين والاحتياط والصحة للتامين أول شركة تأمين على الأشخاص في الجزائر، وقد أنشئت بالشراكة بين المجموعة الفرنسية التعاضدية لتأمين تجار وصناعيي فرنسا، وإطارات وأجراء قطاعي التجارة والصناعة (ماسيف) والشركة الجزائرية للتأمينات وبنك التنمية المحلية وبنك الفلاحة والتنمية الريفية. كما يقدر رأس المال الاجتماعي لشركة التامين والاحتياط والصحة بملياري (2) دينار، حيث تحوز “ماسيف” على 41 بالمائة منه، في حين توزع 59 بالمائة التي يحوزها الطرف الجزائري كالتالي: 34 بالمائة للشركة الجزائرية للتامين و10 بالمائة لبنك الفلاحة والتنمية الريفية و15 بالمائة لبنك التنمية المحلية. أما الفرع الثاني للتامين على الأشخاص شركة التأمين على الحياة “تالا” فقد تم تنصيبه من قبل الشركة الجزائرية للتأمين على النقل. وحسب الرئيس المدير العام لهذه الشركة السيد عبد الكريم جعفري، الذي لم يكشف عن رأس مال الشركة الاجتماعي ستدخل “تالا” الخدمة خلال شهر افريل الماضي. وفيما يخص الفرع الثالث الذي دخل السوق الوطنية للتأمينات على الأشخاص، فتم تنصيبه من طرف الصندوق الوطني للتعاضدية الفلاحية وشركة “سلامة للتأمينات-الجزائر”. حسب البيان الذي توج الاتفاق المبرم بين الشركتين ستكون منتجات هذا الفرع موجهة حصريا نحو المهن الفلاحية والعالم الريفي. منتجات ضعيفة وتراشق للتهم تأمين باهظ الثمن وتعويضات مجحفة وبطيئة، وراء غياب ثقافة التأمين على مختلف الأخطار في الوقت الذي فتح فيه الباب أمام الشركات الخاصة لدخول سوق التأمين، فإن باباً آخر فتح على مصراعيه، عندما بدأت المنافسة في هذه السوق تشتد على جبهتين، شركات التأمين فيما بينها، ثم شركات التأمين مع المؤسسة العامة للتأمين صاحبة التاريخ الطويل من الانفراد بالسوق، إلا أنّ التماطل ميز أغلب المؤسسات عند تسديد التعويضات للمؤمن. رغم الانفتاح أمام شركات التأمين العامة والخاصة على حد سواء، يبقى المواطن أو المؤمن يدفع فاتورة تماطل هذه الشركات. تذمر وسخط الشركات المؤمنة لم ينف محمد صليبي، مدير مدرسة الإخوة هلال في بلكور، تذمره وسخطه من شركات التأمين التي تتماطل في عملية تسديد المستحقات للمؤمن، الأمر الذي يتطلب ضرورة الإسراع بتفعيل دور هيئة الإشراف والرقابة على شركات التأمين، سيما ما يتعلق بالأمور الفنية والمحاسبة. هذا ما أكده محدثنا في الوقت الذي استطلعنا فيه آراء بعض المواطنين على اختلاف شرائحهم الاجتماعية، لنصل إلى نتيجة مفادها أن بعض شركات التأمين كثيرا ما تتأخر في صرف تعويضات الحوادث للمتضررين المؤمنين لديها. في حين أكد لنا بو اللحم طارق مدير مؤسسة الزجاج والحديد في باب الزوار، أن سوق التأمين شهد خلال السنوات الماضية تطوراً ملموساً في التأمين على الأفراد والمنشآت وغيرها من الأنشطة الأخرى، ورغم ذلك تتوفر تحديات قد لا تؤثر بصورة مباشرة على مسيري شركات التأمين وإنما تؤثر على المؤمنين، خاصة في حال عدم التزام هذه الشركات بتسديد التعويضات الناجمة عن الأضرار المادية، مشيرا إلى أن سداد الأقساط يتم على أسس قانونية لا يمكن التنازل عنها من جانب شركات التأمين، حيث أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقبول الشركة للتعويض وسدادها له. وهو الرأي الذي شاطره فيه الأستاذ الجامعي بجامعة الجزائر أنور السادات، مؤكدا أن المشكلة ترتبط أساسا في تأخر التعويضات التي تصل إلى أكثر من سنة كاملة، رغم أن التشريع ينص على أحقية المؤمن في الحصول على التعويضات الفورية في حال سداده للأقساط بطريقة منتظمة. وبالمحصلة فإن ضعف منتوج التأمين هو الذي يدفع بالعديد الى التهرب من تأمين ممتلكاتهم خاصة في مجالات السكن والفلاحة ولم يعد للتأمين أهمية سوى في مجال الشغل والسيارات، حيث المراقبة أكثر صرامة. وفي هذا الشأن، يجدر التذكير بالكارثة التي حصلت للفلاحين والموالين بولاية البيض نهاية أكتوبر الماضي، حين هلكت أكثر من 700 رأس ماشية في ظروف مختلفة، حيث كوّنت لجنة تحقيق طالب بها اتحاد الفلاحين لتقصي أسباب ومخلفات الكارثة، اذ تبين أن عددا كبيرا من الموالين هم ضحايا غير مؤمنين لا في التأمين الفلاحي ولا في غيره، وكان مبررهم -حسب اتحاد الفلاحين- غلاء التأمين مقارنة بمداخيلهم فضلا عما يروّج من حديث عن عدم تعويض الشركات أو قلة تعويضاتها في هكذا كوارث. ويؤكد مواطن انه لا يجوز تأخر سداد التعويضات عن التأمين لدى الشركات ولابد من أن يكون التأمين مسددا مقدما، على الأقل خلال الشهر الأول من دفع الوثيقة، مشيرا إلى أن أي تأخير في سداد الأقساط سوف يؤدي إلى إلغاء هذه الوثيقة من جانب الشركة، موضحا أن شركة التأمين تتحمّل مسؤوليتها الكاملة. من المفروض أن يتقدم المؤمن بالمستندات المطلوبة للحصول على خدمات سريعة وفورية بنفس الطريقة التي تم فيها تسديد المبالغ للشركة عند تأمينها، منوّها بضرورة تزويد مؤسسات التأمين بفريق يضم موظفين متخصصين لتسهيل تقديم الخدمات للعميل وتسريع إتمام معاملاته. كما لفتت إحدى المواطنات، النظر - في حديثها معنا- الى تواطؤ خبراء السيارات مع وكالات التأمين بإعداد محاضر خبرة تتضمن مبالغ تعويضية أقل بكثير من الأضرار الحاصلة للمركبة. تأخر كبير في التعويض ويعزو البعض تأخر التعويضات أنه يرجع أساسا لتلاعب البعض بالنظام، من خلال وضع أحد المؤمنين مكانه في الحادث بدلاً عن مرتكب الحادثة الأصلي، إن لم يكن مؤمناً كي تتكفل شركة التأمين بدفع التكاليف عنه، مما كبد شركات التأمين خسائر فادحة أدت بها إلى المطالبة بنقله من التأمين على الرخصة إلى التأمين على السيارة ذاتها. وحسب مسيري بعض وكالات الشركة العامة للتأمينات المتوسطية، فإن هذه المؤسسة تعرف صعوبات ميدانية تبرز من خلال التباطؤ في تعويض المؤمنين لديها، مثلما هو الحال في الوكالة التابعة على مستوى بلدية اسطاوالي بالعاصمة، حيث تم تحويل عدد كبير من الملفات إلى المصفي، ولايزال أصحابها ينتظرون التعويض لمدة سنة كاملة. وفي الوقت الذي تُوجّه فيه أصابع الاتهام من طرف الزبائن إلى مسيري المؤسسات التأمينية بالابتزاز والتهرب من التعويض، تجد الوكالات التي تتعامل يوميا مع المواطن، مبررات لبطء التعويض وكذا عدم التعويض بنسب تغطي الأضرار الناتجة عن الحوادث إلى الإجراءات الإدارية المطبقة من طرف المديرية العامة، وهذه الأخيرة تبرر الموقف بكون الملفات التي تستقبلها تتطلب دراسة معمّقة تفاديا لبعض محاولات تزوير محاضر المعاينة وكذا تقارير الخبرة التقنية. كما أكد أحد الموظفين بمؤسسة ‘'لاكار'' عن وجود معوقات عديدة تواجهها شركات التأمين عند التعامل مع السيارات صينية الصنع، أبرزها انخفاض مبالغ التأمين لهذه النوعية من السيارات مما يؤثر بالسلب على حجم الأقساط، إلى جانب عدم توفر قطع الغيار بالسوق وعدم وجود توكيلات لبعض الماركات. وأشار محدثنا إلى ظهور ماركات سيارات صينية كثيرة جدا، من خلال أشخاص وتوكيلات صغيرة بدون قطع غيار أو مراكز خدمة ضعيفة، بالإضافة إلى أسعار بيع قطع الغيار المرتفعة للغاية، نظرا لبيع السيارات بمبالغ قليلة لتحقيق المنافسة والإقبال على الشراء، فضلا عن وجود مشاكل فنية كثيرة بمعظم السيارات الصينية أو المجمعة محليا، زيادة على أن بعض التوكيلات التي تقوم بتجميع السيارات محليا تتبع سياسة عدم بيع قطع غيار هذه السيارات بالسوق المحلي وتحتكر البيع والصيانة، إلى جانب أن السيارات الصينية تمنع حاليا عملية تقطيع السيارات وهو ما يطلق عليه قطع غيار استيراد، إلا أن خطورة الموقف ليس في قطع الغيار فقط ولكن عند حدوث عطب لمثل هذه الأنواع من السيارات، فإن موقف الحطام يكون عبئا ثقيلا على شركات التأمين لصعوبة التصرف فيه. وأوضح أن السيارات السياحية كماركة لونغ 127 ,120 أن الزجاج الأمامي يتم تغييره بمبلغ 13000 دينار والكشاف 4100 دينار على سبيل المثال. واقترح وضع ضوابط لكيفية التعامل مع هذه النوعيه من السيارات والبحث عن حلول للمشاكل التي قد تتسبب فيها هذه النوعية من السيارات لشركات التأمين في ظل ارتفاع معدل خسائرها، خاصة مع وجود سوق مفتوح وما يترتب على ذلك من المنافسة. مطالبا بضرورة زيادة السعر بحيث يكون متناسبا مع درجة الخطورة عند الاكتتاب لهذه النوعية من السيارات، مع التأكيد على أهمية وضع سعر استرشادي لهذه النوعية من السيارات ويتطلب ذلك توفر إحصائيات عن هذه السيارات. ناهيك عن وجود صعوبات عدة تواجه شركته في التعامل مع ورشات إصلاح السيارات ومشاكلها الكثيرة، خاصة عدم الالتزام بمعايير الجودة التي تحرص عليها شركات التأمين لإصلاح سيارات العملاء. وقد استنفذنا جهداً ووقتاً طويلاً حتى توصلنا إلى التعاقد مع شبكة واسعة من ورشات الإصلاح ذات السمعة الطيبة يضيف لكن هذه العملية كلفتنا أيضاً أموالاً طائلة، لأن الخدمة الجيدة التي نطلبها من ورشاتة الإصلاح ندفع مقابلها تكلفة عالية. وطالب المتحدث بضرورة أن يشمل التطوير أيضاً ورشات الإصلاح المتخصصة ذات الإمكانيات الفنية العالية وبإدارة حديثة، بحيث تتضمن عملية التأهيل وضع نظام محاسبي متطور ومرتبط بشركات التأمين، وجدولة عمليات الإصلاح لضمان إنجازها وفقاً لجداول زمنية معتمدة، إضافة إلى الاتفاق على معايير جودة تلتزم بها الورشات حتى تتم عملية الإصلاح بالمستوى المطلوب. وأوضح أنّ هذه الصعوبات تتمثل في ارتباط عملية التعويض بعدة أطراف منها ورشات الإصلاح، كما أنها تمر بعدد من العمليات تشمل تقدير التعويض وتكلفة الإصلاح ومتطلبات سرعة الصرف، وجميعها تتطلب خبرة واسعة في التعامل مع كل هذه المتغيرات. وقال أن الوضع المروري في الجزائر يعاني من إشكاليات كثيرة، بعضها يتعلق بتطبيق الأنظمة المرورية والوعي المروري والآخر خاص بمشاكل حوادث السيارات. ورغم جهود رجال المرور ووزارة الداخلية لتحسين مستوى المرور، إلا أن تحمّلهم المسؤولية الكاملة لمعالجة المشاكل المرتبطة بحوادث السيارات أضاف عليهم أعباء كثيرة، في الوقت ذاته لم ينخفض عدد الحوادث وضحاياها، بل ظلت الجزائر تدفع فاتورة حوادث السيارات والتي تقدر بحوالي 21 مليار سنتيم سنوياً، هذا الوضع الصعب دفع المسؤولين إلى ضرورة البحث عن آلية جديدة لمعالجة مشاكل حوادث السيارات بمشاركة نظام التأمين بحيث تتحمّل شركات التأمين جزءاً من هذه المسؤولية وبالتالي تتفرغ إدارات المرور لإنجاز مهامها الأخرى. يُشار إلى أنّ إدارات المرور لا تعتبر التأمين على رخص السير بمثابة وثيقة كفالة غارمة، بحيث يتم إخلاء سبيل الشخص الذي يترتب عليه حق عام أو خاص تجاه الغير نتيجة لحادث سير، ما لم تكن هذه الوثيقة صادرة عن شركة التأمين وحتى تحصل على تصنيف وزارة التجارة لهذه الشركات لممارسة هذا النشاط، ولكن سوف تكون ذات جدوى بالنسبة لحاملها في حال إلتزام الشركات المصدرة لها، بأداء الالتزامات المالية المترتبة عليها، ناهيك عن تغريمه بأكثر من 1500 دينار وحجز السيارة في حال سيرها دون تأمين. ضعف يعكس فداحة تنظيمية ويرجع ناشطو قطاع التأمين ضعف رقم الأعمال الذي تحققه شركات التأمين الجزائرية مقارنة بنظيراتها التونسية والمغربية إلى عدة عوامل، أبرزها ما يسمونها “الفوضى التنظيمية” وكذا سلسلة التخفيضات العشوائية للتكاليف، والتي أضرت بحسبهم بتوازنات قطاع التأمينات في ديارنا، بيد أنّ متعاملين يبدون تفاؤلا بآفاق سوق التأمينات، وقابليتها للتطوير، شريطة تدارك السلطات وعملها على تذليل العقبات وإذكاء التنافسية أمام شركات التأمين، دون ممايزة بين المؤسسات العامة والخاصة. ووافقت وزارة المالية مؤخرا على بروتوكول اتفاق بادرت به 13 شركة تأمين، يخص منتوج “التأمين على كل الأخطار”، وسيتم قريبا طرح آليات تطبيقه حتى يتم تسقيف التخفيضات ابتداء من هذا الخريف، ويهدف هذا الاتفاق إلى وضع حد للفوضى التي ميزت لوقت طويل التخفيضات الممنوحة في مجال التأمين على السيارات، حيث تلجأ بعض الشركات لمنح تخفيضات بنسب تتراوح ما بين 70 و90 بالمائة، وهو ما أضر بالمنافسة في هذا السوق، وحتى المستفيدون من التأمين لا يمكنهم الحصول على خدمة نوعية بالأسعار المقدمة. نحو تسقيف التخفيضات كشف “حسن خليفاتي” الرئيس المدير العام لشركة أليانس، عن اعتزام 13 شركة تأمين من خلال بروتوكول اتفاق تم التوقيع عليه مؤخرا، تسقيف التخفيضات على صيغة التأمين على كل الأخطار بالنسبة للسيارات، حيث يقضي الاتفاق بعدم تجاوز نسبة التخفيض حاجز 50 بالمائة. ونبّه خليفاتي إلى أنّ تكاليف تأمين المسؤولية المدنية المعروف بالتأمين القاعدي غير معني بهذا الاتفاق الجديد لكونه مقنن، مشيرا أن الاتفاق الذي وقعت عليه 13 شركة تأمين ما بين عمومية وخاصة، يحدد بنسبة 50 بالمئة التخفيضات على صيغة التأمين على كل الأخطار لفائدة المؤسسات و30 بالمئة لفائدة الخواص، وهي المرة الأولى التي تتوصل فيها شركات التأمين العمومية والخاصة إلى اتفاق من أجل وضع آلية دائمة للضبط، ما يعد مؤشرا إيجابيا حسب أكثر من متعامل. القوانين أداة عرقلة؟؟ يشدد متعاملون على أنّ القوانين السارية المفعول أكبر عائق لتطوير سوق التأمينات في الجزائر، بهذا الشأن، يستهجن “حسن خليفاتي” إلزام الدولة لمستثمري القطاع بإيداع مليار دينار على مستوى الخزينة العمومية كل عام، في وقت كان يُفترض أن يتم تحفيز متعاملي التأمينات على تخصيص القيمة المذكورة لتوفير مناصب الشغل وتحقيق قيمة مضافة نوعية. ويقدّر خليفاتي أنّ سيطرة الشركات العامة راجع لعامل ذاتي، مشددا على أنّ عموم الطلبات يتم امتصاصها من طرف القطاع الخاص، ويقرّ خليفاتي: “هناك دوائر تمتنع عن منحنا دفتر الأعباء تحت زعم أنّ جهات طلبت منهم ذلك”. من جهته، يتصور عبد الرحمان مبتول أنّ الحل يكمن في إصلاح النصوص التي تفرمل أي تطوير، وذلك مرهون بوضع الامكانات اللازمة للتحكم في تطور السوق عبر جهاز مستقل ويخضع لمعايير اقتصاد السوق، فضلا عن حتمية تطبيق القوانين على الجميع وعدم الكيل بمكيالين. كما يلح كل من خليفاتي ومبتول على توخي الدولة للمرونة وإزالة التعقيدات والحواجز الإدارية في صورة العدد الهائل من النصوص التي تعرقل نشاط شركات التأمين، في وقت تنتظر أي شركة تأمين في تونس أسبوعا للحصول على رخصة من مجلس الوزراء، بينما في المغرب الأمر لا يتطلب رخصة إطلاقا. ويبرز خليفاتي: “نضيّع 60 مليون دينار كل عام بفعل مضايقات إدارية”، متصورا أنّ تعويض الدولة للمواطنين تحت غطاء التضامن الاجتماعي يسهم بقسط ما في عدم تحفيز السكان على تأمين أنفسهم وممتلكاتهم، كما يبدي خليفاتي ثقة بأنّ شركات التأمين الجزائرية لديها القدرة على المنافسة بقوة مغاربيا وإفريقيا، لكن النصوص تمنع ذلك، متوقعا أن تصل السوق الجزائرية إلى مرحلة التشبّع، لذا من الضروري التفكير في فتح أسواق جديدة.