تلمسان زينة الفرسان أو كما يطلق عليها جوهرة المغرب العربي من أجمل المدن الجزائرية، مبهرة هي بوقعها الاستراتيجي الهام وطبيعتها الخلابة و أحيائها العتيقة ولهجة أهلها الرقيقة وكرمهم وطيبتهم . أول ما تلمحه عيناك في حضرتها هي تلك الحركة الدؤوبة التي تزيدها تألقا وتميزا عن باقي المدن. يشدك عندما تزور تلمسان لأول مرة، زينة عمرانها الممتدة من عمق حضارة المدينة. ما أجملها من جوهرة؛ فكل شيء مبهر في كنفها.. ننسى أنفسنا وسط ذهولنا بمعالمها التاريخية التي جعلت من قصدها العام المنصرم، بمناسبة احتضنها عاصمة الثقافة الإسلامية أن يتعهد بزيارتها مرة سواء من داخل الوطن او خارجه فلقد شدت إلى كل من زارها خاصة الدول العربية الاسلامية التي تربها بهم تاريخا وحضارة. ما يميز تلمسان هو موقعها الاستراتيجي الهام لقربها من الشريط الحدودي الغربي، وكذا قربها من المملكة المغربية التي تقاسمها العادات وللتقاليد، إضافة إلى إطلالتها على ساحل البحر الأبيض المتوسط. في تلمسان تلتقي الأضداد في سلاسة، فهي تلك الودودة الحنونة التي تأسرك بشراسة طبيعتها ونعومتها في نفس الوقت.. كم جميل أن تسير في أزقة تلمسان وتتمتع ببراءتها عندما تبدو لك كالطفلة الحسناء التي تنتظر من يعلوا بها نحو السماء نظرا لجمالية موقعها الذي اخذ عقول من شيدوها.. بين أحضان تلمسان لا تستطيع التفكير في غيرها، حتى أنها تثريك حنينا إليها و أنت فيها.. هي تلمسان الفاتنة التي لا تقوى على فراقها ولا تجد غير الغزل ترجمانا لمشاعرك نحوها. مهد عريق شهدت تلمسان عدة حضارات إسلامية تعاقبت عليها كانت أولها دولة بني يفرن سنة 767 م تحت قيادة أبو قرة، وفي 173 هجري و789م، قدّم "محمد بن خرز" البيعة للملك الجديد "إدريس الأول" بسِلم غير أنه تعرّض لمؤامرة من طرف العباسيين عليه، فنصّب أخاه سليمان حاكماً على أغادير. واستمر حكم أبناء محمد بن سليمان في تلمسان حتى تغلب الفاطميون عليهم واستولوا عليها عام 973 م تحت إمرة "يعلي بن محمد". وفي سنة 1069 حكم الزعيم "يوسف بن تاشفين" تلمسان تحت الدولة المرابطية حتى 1143م، فلما ضعُف أمرُهم قام "المهدي ابن تومرت" بالاستيلاء على إرث المرابطين وجاء قائده ثم خليفته "عبد المؤمن البربري" سنة 1145 م فأقام دولة الموحدين، فجاء بعدها المرينيون والزيانيون. ودخل "بابا عروج" تلمسان في رمضان 923 هجري سبتمبر1517م واستحوذ على الملك بعد دخول الدولة العثمانية الجزائر. وكل ما نود ان نقوله هو ان مدينة تلمسان تستحق لقب العاصمة العربية، وذلك راجع لتعاقب عدة وأبرز الحضارات العريقة عليها، وتركِ بصمات بارزة يشهد لها التاريخ من خلال المخلفات الأثرية المتواجدة في أنحاء هذه المدينة الجوهرة، فزيارتها تعطي نفسا جديدا في حب الاستطلاع والاكتشاف في ثنايا الحضارات. من المؤسف جدا أن نجد معظم الجزائريين يقضون عطلهم في دول أخرى، في حين أن هناك مدنا جزائرية لا تجد وصفا لإبداع الخالق فيها كمدينة تلمسان، والتي تعد من أجمل المدن السياحية في وطننا ففيها كل ما يهوى السائح خاصة في فصل الصيف، فهي ساحرة تأسرك بجاذبية شواطئ مرسى بن مهيدي، رشقون. هنين وغيرها، إضافة إلى غاباتها ومرتفعاتها وليالي السمر فيها. كما أن تلمسان تزخر بفنادق شاهدة على عراقة و تاريخ المدينة تعطي الزائر فرصة الاستمتاع بجبال المدينة المحيطة بها كجبال هضبة لالة ستي.. إنها تلمسان التي تحرك فينا الأحاسيس وجعلت العديد من الفنانين والأدباء يعشقونها على غرار شاعر الثورة مفدي زكرياء، وكذا محمد الشفيع الذي قال فيها في هذا البيت: هذي تلمسان التي قد أنجبت~ من صلب زيان المجيد الأقمرا.. وتتعدد سبل الاستمتاع في تلمسان ولهذا جدير بنا أن نحافظ عليها ونطور من ثقافتنا السياحية لكي نزيد من نسبة السياح سواء من الداخل أو من الخارج . جولة شائقة في أيقونة متميزة الكل يدرك أنّ تلمسان بها مناطق رائعة غير شواطئها وجبالها الساحرة، فان أردت التمتع بمرتفعاتها ما عليك إلا ركوب التيليفيرك والذي يتيح لك فرصة التنقل والتمتع بالمرتفعات ومبانيها الجميلة إلى قمة غابة لالة ستي، التي تشبه المناطق الخيالية التي لا نراها إلا في الأفلام.. بعيدا عن المرتفعات يرى الزائر روعة منارة قلعة المنصورة، الشاهدة على تاريخ المدينة التي إن رأيتها من أعالي هضبة لالة ستي فترى وكأنك ترسم في مخيلتك مكانا لها فجوها الرومانسي يسوده الهدوء لا تسمع إلا صوت الطيور التي امتزجت معا لتطرب بمعزوفة طبيعية يصعب على الإنسان جذب مصدرها. تلمسان جميلة بأهلها وجودهم وعاداتهم الرائعة وأعراسهم المدهشة التي باتت من ميزاتهم أيضا. كم جميل أن تتجول في ساحة المدينة التي تسمى "البلاس" عند عامة الناس ليلا أو نهارا ستنشرح نفسك ويرتاح بالك، وما سيزيدك حبا لها هو إحساسك بالأمان، فلا أحد يزعجك وأنت تتجول في أزقتها المتعددة. إنها تلمسان الحنونة تحتضنك كل أيام السنة إن رغبت الحلول ضيفا على أهلها. ولها هذه الكلمات الشجية: ليس منا من زار تلمسان ولم يعجب به ولم تترك بصمتها في قلبه وكيانه