إن حق القرآن علينا كبير وواجبنا نحوه عظيم فمن حقه علينا الاعتقاد فيه بعقيدة أهل السنة والجماعة فهو كلام الله عز وجل، مُنزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم الله به قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، ولا نقول: إنه حكاية الله عز وجل أو عبارة، بل هو عين كلام الله، حروفه ومعانيه، نزل به من عند الله الروح الأمين، على محمد خاتم المرسلين، وكل منهما مبلغ عن رب العالمين، ومن حقه علينا إنزاله منزلته وتعظيم شأنه، واحترامه وتبجيله وكمال محبته، فهو كلام ربنا ومحبته محبة لقائله، قال ابن عباس رضي الله عنه: (من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن، فإن أحب القرآن فهو يحب الله، فإنما القرآن كلام الله، ومنها تعلم علومه وتعليمه والدعوة إليه قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري. فهو أفضل القربات وأكمل الطاعات، قال خبّاب رضي الله عنه: “تقرب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه”. فلنحرص على تعلم تلاوته وتجويده وكيفية النطق بكلماته وحروفه، قال صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرم البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) رواه مسلم. ثم أليس من الخزي أن يشيب الرجل في الإسلام وهو لا يحسن تلاوة القرآن؟! واحذر من القول فيه بلا علم أو برأيك، فهذا أبو بكر الصديق لما سُئل عن آية من كتاب الله لا يعلم معناها، قال: “أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، واحرص على الإخلاص عند قراءته وتعلمه وتعليمه فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال عن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: (ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها. فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار) الحديث رواه مسلم. ومنها المحافظة على تلاوته وترتيله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي، فاحرص أن يكون لك ورد يومي لا تتخلف عنه أبداً يفضي بك إلى ختم كتاب الله تعالى بصورة دورية ولتكن قراءتك للقرآن بتدبر وخشوع، تقف حيث يحسن الوقوف، وتصل حيث يحسن الوصل، إن مررت بآية وعد سألت الله من فضله، وإن مررت بآية وعيد تعوذت، وإن مررت بآية تسبيح سبحت، وإن مررت بسجدة سجدت. واجتهد في تحسين صوتك بالقرآن، والتغني به، فالقرآن ما نزل إلا للتدبر والتفكر، والفهم والعمل، وكيف يطيب لعبد حال ويهنأ بعيش أو منام، وهو يعلم أنه سيلقى الله تعالى يوماً وكتابه بين يديه، ولم يحسن صحبته، وقد يكون حجة عليه! ومنها الحرص على حفظه وتعاهده فهو غنيمة أصحاب الهمم العالية، والعزائم الصادقة، لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشارة السلامة من النار. ومن واجبنا نحو القرآن: إقامة حدوده والعمل به، والتخلق بأخلاقه وتحكيمه، فالعمل به أساس النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وهجره طريق الذلة والهلاك في الدنيا والآخرة، فعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم: (رأى في منامه رجلاً مضطجعاً على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة، فيشدخ به رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر، فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه.. فسأله عنه.. فقيل له: إنه رجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة..) رواه البخاري. قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان، فترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه الى غيره من شعر أو غناء أو لهو من هجرانه، وهجر القرآن طريق إلى أن يكون القرآن حجة على العبد يوم القيامة.