اختزل الروائي الحبيب السايح، الحقبة الاستعمارية كاملة منذ وطئت أقدام فرنسا البلاد سنة 1830، إلى غاية خروجها منها سنة 1962، في نص مسرحي يعد التجربة الأولى له في المجال، حيث ولد بعد إلحاح من إدارة المسرح الوطني، وقد ضمّنه، السايح طموحاته في إنجاز نص يتم تجسيده في شكل ملحمة ضخمة تسخر لها أكبر الإمكانيات المادية والبشرية على الصعيد الفني. وضع السايح، كامل ثقته بالمخرج المسرحي عز الدين عبار، الذي ستوكل له مهمة تجسيد نصه الحامل عنوان "جلنار" على خشبة ركحية تصور نظرته الخاصة بخصوص الحقبة الاستعمارية، حيث أكد أنه لم يؤرخ للفترة، بل أعطاها طابع الجدارية في صورة ينقل فيها المشاهد عبر فترات مختلفة من الاحتلال دون أن يشعره بذلك، كما ارتحل عبر فتراتها باستعمال الرموز، محاولا تقديم خطاب مختلف قوامه اللغة كسند رئيسي في تمرير الرسائل العديدة التي يحويها النص. تحدث الروائي الحبيب السايح، خلال ندوة صحفية نشطها أول أمس عبر فضاء صدى الأقلام، عن مسرحية "الجلنار" المؤلفة من ثمانية فصول، بطلها محمد الذي يرمز للشخصية الجزائرية، وقال أنها تتضمن رسائل عديدة تتمحور حول العلاقة التاريخية بين الجزائروفرنسا من خلال شخصيتي محمد وماريا، كما يطمح السايح، أن يجسد نصه في قالب يصنع فرجة ضخمة، حيث يعول في ذلك على المسرح والمخرج عبار، وقال" أطمح أن يبلغ نصي الجدارية التي أرجوها، وإذا لم يحقق لي هذا الحلم فسوف أعدل عن التعامل مع المخرج والكتابة للمسرح". وعن حجم المجازفة بالنص لدى وضعه بين يدي مخرج يمكن أن يغمره بنظرته الإخراجية التي قد تنأى عن طموحات الكاتب، قال السايح:"كتبت النص في قالب مليء بالوصف والمشاهد حتى لا يبتعد المخرج عن الرؤية الأصلية، وأنا مطمئن من ناحية عبار، فهو لن يتخذ أية خطوة فيما يتعلق بتقليص المشاهد دون استشارتي" وأضاف أنه تعمد الإطالة في النص حتى لا يلجا المخرج إلى الاستعانة بإضافات أخرى. وأضاف المتحدث أنه منح المخرج الحرية المطلقة في تفكيك النص واختيار ما يراه مناسبا بالكيفية التي يوصل بها رؤيته الإخراجية دون المساس ببعض النقاط التي يحرص على عدم خرقها، وكون الكاتب متأثرا بالسرد الروائي، فقد أثمر ذلك على صعيد الكتابة المسرحية:"فالإشارات الإخراجية تسهل على المخرج عمله وتوفر له اختزالات عديدة، كما تضمن عدم خروج النص عن إطاره العام". وعن الصعوبات التي واجهته عند الانتقال إلى الكتابة المسرحية، قال السايح، أنه وجد نفسه في وضع ملائم، إلا أنه يتمتع في الرواية بحرية أكبر حيث لا يضطر لوضع قارئ أو إعلامي نصب عينيه، بينما في الكتابة المسرحية يولي عناية كبيرة للمشاهد باعتباره لا يترجم مزاجه الخاص كما في الرواية. للإشارة، عرج السايح في معرض حديثه على روايته الشهيرة "زمن النمرود" التي قال أنه كتبها في فترة حساسة، جنا بسببها العديد من المشاكل والملاحقات مما دفعه في تلك الفترة إلى مغادرة مدينة سعيدة:"لتتجلى تنبؤات الرواية حاليا بدليل أن من عارضوها في تلك الفترة عدلوا عن موقفهم، كما أنها ستبقى وصمة عار على جبين من صادروها وطاردوني لمدة طويلة".