أدى اندلاع ثورات الربيع العربي لإختلال توازن السياسة الأمريكية في المنطقة، غير أن "الهبة الثورية" التي اجتاحت المنطقة بصورة تبدو عفوية وفطرية وفي توقيت واحد لم تكن تنطلق من خلفية أيديولوجية أو فكرية، بل كانت ثورة إجتماعية بمطالب شعبية، لكن كان صوت الجماعات الإسلامية هو الأعلى من أي مجموعة أخرى، وهذا ما دفع الولاياتالمتحدة لدعمها وتمكينهم من الوصول للحكم، لكنهم لم يفلحوا في إدارة الدولة وتحقيق وفاق وطني يعزز الإستقرار.. في وقت برز ما يسمى الجيل الرابع من الحروب، وهو صراع غامض يتميز بعدم وضوح الخطوط الفاصلة المعتادة، مثل التي تحدث في الحروب العسكرية. ظلت أزمة التغيير الديمقراطي في العالم العربي كامنة في عدم التوافق المجتمعي، باستثناء الحالة التونسية التي حرجت بالنزاع الى بر الامان مع اقرار الدستور الجديد. تمسك جماعة الأخوان المسلمين في مصر “مثلاً” بتطبيق الشريعة الإسلامية بدعم من التيارات المتشددة، عجّل برحيلهم بموجة ثانية، وسارعت الإدارة الأمريكية لإعادة الإستقرار بمعالجة أزمة الإسلام السياسي والبحث عن إسلام معتدل ووسطي ودعمه بحلفاء من مختلف المذاهب الفكرية كالعلمانيين والليبراليين، وعملية إتخاذ القرار في الولاياتالمتحدة تمر عبر دراسات من مؤسسات أكاديمية وبحثية وتقوم تلك المؤسسات بالترويج والتمهيد لتلك القرارات بنشرها. "راند".. و"الدين المدني" وأعدت مؤسسة “راندا” الأمريكية، دراسة حول كيفية بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، وهي دراسة شارك في إعدادها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيترسكيل. وحددت الدراسة ثلاث قطاعات مهمة في العالم الإسلامي، قد تمثل نواة جيدة لبناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين من أجل مواجهة المتطرفين الإسلاميين، وهذه القطاعات هي العلمانيون والإسلاميون والليبراليون والمعتدلون التقليديون بما فيهم المتصوفة. وقسمت العلمانيين إلى مجموعات ثلاثة أولها: العلمانيون الليبراليون وهؤلاء يؤيدون تطبيق القوانين العلمانية في الدول الإسلامية، ويدعون لتطبيق ما يسمى ب"الدين المدني". النوع الثاني، فتطلق عليه الدراسة اسم "الأتاتوركيين" نسبة إلى العلمانية التركية، التي تحرم أي مظاهر للدين في الحياة العامة كالمدارس أو الأماكن العامة. أما النوع الثالث فهم "العلمانيون السلطويون" وقائمتهم تشمل البعثيين والناصريين والشيوعيين الجدد، ورغم علمانيتهم الظاهرة إلا أن هؤلاء قد يتمسكون ببعض الرموز الدينية من الناحية الشكلية فقط، من أجل كسب التعاطف الشعبي، على غرار ما فعل الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبينت الدراسة أن الإسلاميين التقليديين والصوفيين يشكلون الغالبية العظمى من سكان العالم الإسلامي، ويعبرون عن الإسلام المحافظ، لكنهم من ألد أعداء الوهابيين والسلفيين الجهاديين. لكنها تتمتع بمكانة مميزة. وتسلط الدراسة الضوء على الجدل المحتدم في الولاياتالمتحدة وأوروبا، حول الموقف من دمج الإسلاميين في العملية السياسية، والتعامل معهم باعتبارهم شركاء. وتستعرض وجهتي نظر مختلفتين إحداهما تستند على أن العديد من الجماعات الإسلامية تتبنى أجندة ديمقراطية تقوم على احترام التعددية وحقوق الأقليات، إضافة إلى أن الإسلاميين الأكثر قدرة على مواجهة الخطر الراديكالي الذي يمارس العنف والإرهاب، وهم أقدر على ذلك من رجال الدين التقليديين. في حين تستند وجهة النظر الأخرى، التي تعارض دمج الإسلاميين ومعاملتهم كشركاء على ثلاث حجج: تتعلق بعدم التأكد ما إذا كان خطاب الإسلاميين بشأن موقفهم من الديمقراطية يعبر عن موقف تكتيكي أو استراتيجي، وما إذا كانوا سيقبلون بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، وما إذا كانت فكرة الدولة الإسلامية لا تزال تهيمن على مخيلتهم أم لا؟ وتتعلق وجهة النظر الثانية باحتمال قيام هؤلاء الإسلاميين، على المدى القصير، بدور فعال في مواجهة الجهاديين، وهو ما قد يفقدهم المصداقية أمام الشعوب، وتكون مواجهتهم باهظة الثمن في المدى الطويل. وثالثها: إن أفضل طريق للتعاطي مع هؤلاء الإسلاميين يكون من خلال تقوية شبكاتهم فقط وجعلهم ندا لغيرهم من الجماعات، قبل الحديث عن شراكة وتحالف معهم. وتخلص الدراسة في هذا الجزء إلى أن خمس فئات يجب دعمها في العالم الإسلامي وهي: فئة الأكاديميين، المفكريين، الليبراليين والعلمانيين، بجانب فئة الشباب من رجال الدين، نشطاء المجتمع المدني ومجال حقوق المرأة، إضافة إلى الإعلاميين، الكتاب والصحفيين. ضعف شبكات الإسلام المعتدل وتشير الدراسة إلى مدى ضعف شبكات الإسلام المعتدل في الشرق الأوسط، وهو ما يتطلب، بحسب الدراسة، خلق تيارات ليبرالية من أجل خطف التفسيرات المتطرفة للإسلام من أفواه الراديكاليين. فالتيار الليبرالي في مصر بحاجة للمساعدة، وأن هناك من يدعو إلى طلب الدعم من الولاياتالمتحدة من أجل بناء شبكات ليبرالية لزيادة التفاعل بين المثقفين الليبراليين، ذلك أن الإسلام "المصري" بطبيعته معتدل، ويتناقض مع نظيره السعودي. في حين تعد الأردن بلدا نموذجاً لبناء شبكات معتدلة في العالم العربي، وتستشهد الدراسة في هذا الإطار بما قاله الدكتور مصطفى الحمارنة مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في عمان، من أن “المجتمع الأردني أكثر نضجا من الحكومة”، وأن هناك طلبا داخليا قويا على الإصلاح والدمقرطة. مشكلة الكويت والبحرين والإمارات وتشير الدراسة إلى أن معظم بلدان الخليج لديها إسلام معتدل، كما هو الحال في الكويت والبحرين والإمارات، ولكن المشكلة أنه لا توجد شبكات تنظم المعتدلين في علاقات تفاعلية، في حين ينعم السلفيون والصوفيون بهذه الشبكات والروابط على حد وصف الدراسة. بالنسبة للكويت فإن جماعة الإخوان المسلمين تهيمن على جامعة الكويت وعلى بيت المال الكويتي، في حين يكافح الليبراليون في الكويت من أجل دعم الديمقراطية والتعددية والاعتدال، أما في الإمارات وبخاصة في دبي وأبو ظبي، فلا يوجد تيار ليبرالي حقيقي، وباستثناء ملتقى دبي الإصلاحي وجمعية حقوق الإنسان في دبي، لا توجد مؤسسات للتعبير. وعلى صعيد المشاريع البحثية، تشير الدراسة إلى أن هناك مجموعة من المشاريع التي تقوم بها المؤسسات الغربية، من أجل دعم الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. وتشير كذلك إلى أن أحد الأطراف القوية التي يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في حرب الأفكار هم العلمانيين في العالم الإسلامي، بيد أن ثمة عراقيل تواجه نمو التيار العلماني لعل أهمها: ارتباط العلمانية، خصوصا في العالم العربي، بالعديد من النظم الشمولية السلطوية، وارتباط العلمانية بالتيار اليساري سواء كفرادى أو مجموعات، وهو ما يواجه بمعارضة دائمة، وبخاصة في الولاياتالمتحدة، حيث إن هناك حساسية من مراكز الأبحاث لدعم هذه التيارات. دور العلمانية غامض في العالم العربي ويحيط مفهوم العلمانية الكثير من الغموض خصوصا في العالم العربي، وبخاصة أن البعض ينظر إليها باعتبارها ضد الدين، بيد أن ذلك لا يعني أن من الصعوبة دعم التيار العلماني، على مستوى المؤسسات والأفراد إلى بعض الكتاب العلمانيين في العالم العربي وخلصت الدراسة بحزمة توصيات دعت الولاياتالمتحدة بالشروع في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، وتضمينها في الاستراتيجية الأمريكية الشاملة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال وجود جهاز مؤسسي يقوم بهذا الجهد، ونادت التوصيات بإهتمام الإدارة بدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، ببناء علاقات مع كل من العلمانيين ورجال الدين المعتدلين والمفكرين والصحفيين والناشطين في مجال المرأة. تثوير برامج التعليم والإعلام وجمعيات الدفاع وأكدت على ضرورة وضع برامج محددة في مجالات التعليم الديمقراطي، والإعلام، وجمعيات الدفاع المدنية، وعقد ورش عمل ودورات للمعتدلين والليبراليين والاستماع إلى أفكارهم، وبناء شبكة دولية لربط الليبراليين والمعتدلين الإسلاميين حول العالم ووضع برنامج محدد لتطوير أدواتهم وإمكاناتهم. الجيل الرابع يعتمد على التكنولوجيا والعولمة والأصولية الدينية يعتبر الجيل الرابع من الحروب، وهو صراع غامض يتميز بعدم وضوح الخطوط الفاصلة المعتادة مثل التي تحدث في الحروب العسكرية. استخدم هذا المصطلح لأول مرة عام 1989 من قبل فريق من محللين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى تم وضع تعريف حرب الجيل الرابع الذي ينطوي على عدة عناصر، على رأسها إذا كانت على الإرهاب واستخدام تكتيكات حرب العصابات والتمرد المسلح، أو حرب بين حكومة وطنية وحكومة لا مركزية، أو حرب على ثقافة العدو، وهناك أيضاً حرب نفسية متطورة للغاية، لاسيما من خلال التلاعب الإعلامي والحرب القانونية، ويستخدم في حروب الجيل الرابع كل الضغوط المتاحة سواء من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. في هذه النقطة، اللواء سامح سيف اليزل، مدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية، قال: إن حرب الجيل الرابع غالباً ما تشارك فيها جماعة متمردة أو غيرها من قوى العنف ضد مؤسسات الدولة في محاولة لتنفيذ حكومتهم أو إعادة تأسيس نظام الحكم والإطاحة بالسلطة الحاكمة الحالية. وتحاول قوى الجيل الرابع من المتمردين ببساطة أن تشوش على الشرعية القائمة، والهدف هو إجبار الحكومة أو النظام القائم على الاعتراف بالعدو، حتى يكون أمراً واقعاً داخل الدولة، موضحاً أنه غالباً ما ينظر إلى حرب الجيل الرابع في الصراعات التي تنطوي على الدول الفاشلة والحروب الأهلية، وخاصة في الجهات الفاعلة غير الحكومية، والقضايا العرقية أو الدينية المستعصية على الحل. إرهاب تقليدي، إرهاب حديث وحروب صغيرة وهناك العديد من هذه الصراعات تحدث في المنطقة، على رأسها الدولة المصرية، التي تواجه إرهاباً من كل صوب دولي وينفذ هذه الحرب بالوكالة جماعة الإخوان المسلمين، وهناك قواسم مشتركة تتمثل في أشكال كلاسيكية لهذه الحروب متمثلة في التمرد وحرب العصابات، كما هو الحال في جميع الحروب الصغيرة، حيث يبدأ الصراع من قبل الطرف الأضعف (الجماعة المتمردة) ضد الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية، من خلال الإجراءات التي يمكن تسميتها هجومية. وتستخدم في هذه الحرب التكنولوجيا، والعولمة، والأصولية الدينية مروراً بالتشكيك في المعايير الأخلاقية والمعنوية، وهذا الاندماج أو التحول يجعل قوى الإرهاب تعلي راية الجهاد والدفاع عن الإسلام. وقال المتحدث إن العدو في حروب الجيل الرابع لديه عدة خصائص: أولاً عدم وجود قيادة موحدة أو هيكل رسمي، ثانياً: الصبر والمرونة عند المتمردين في اختيار التوقيت المناسب لتنفيذ الهجوم، ثالثاً: القدرة على تنفيذ المهام بصفته مقاتل محترف، وتنمي حرب الجيل الرابع على جميع الجبهات داخل الدولة، اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، ومدنياً، وعلى وسائل الإعلام. أهداف غير قابلة للتحقيق أو مكلفة للغاية ومن جانبه أوضح د. محمد قدري سعيد، رئيس وحدة الدراسات العسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حروب الجيل الرابع تكون أهدافها إما غير قابلة للتحقيق أو مكلفة للغاية، على سبيل المثال عندما قرر حلف الناتو التدخل العسكري في ليبيا، كانت هناك دعوات دولية لبقاء القوات على الأرض حتى بعد سقوط العقيد معمر القذافي، لحين استقرار الدولة وبسط الأمن، لكن القوات خرجت بعد نجاح عملياتها العسكرية وتركت الدولة تواجه خطر المليشيات المسلحة، وقوى الإرهاب، إضافة إلى أنه عندما حدثت أزمة القبض على أفراد من منظمات المجتمع المدني من قبل السلطات المصري، وكان على رأسهم 19 أمريكياً، ورغم سفر رعاياها دون محاكمة، لكن واشنطن قررت أن تكون حربها بالوكالة على القاهرة أو ما يعرف بحرب الجيل الرابع، وتدخلت كثيراً لحجب معونات ومنح دولية، ووقفت ضد قرض صندوق النقد الدولي، كما دعمت إرهاب الإخوان المسلمين ضد النظام السياسي المؤقت، لافتاً إلى أن كل حرب قائمة على الخداع، حتى في حرب الجيل الرابع يكون الخداع عن طريق إقناع الناس بالفوضى وتحرير أنفسهم من الديكتاتورية. وفي الواقع هم يسيرون نحو تقسيم وتدمير دولتهم لصالح جهات دولية غير معروفة. تهريب المخدرات وتسهيل الدعارة والتأثير على المدنيين ويرى اللواء ثروت جوده، وكيل جهاز المخابرات العامة المصرية الأسبق، أن حرب الجيل الرابع هي حرب الإرهاب بكل معاني الكلمة، سواء كان إرهاباً داخلياً أو خارجياً، والإرهاب في هذه الحرب يأخذ خطوة رئيسية في تجاوز المألوف تماماً، حيث يعمل على كيفية زعزعة استقرار الوطن من خلال التركيز على أهداف مدنية (مثل تهريب المخدرات أو تسهيل الدعارة) أو تفجير مؤسسات الدولة (سواء كانت أهداف عسكرية أو أمنية)، وقوى المتمردين والإرهابيين تجعل العنف أداة للتأثير على المدنيين، حتى يخرجوا إلى الشارع للضغط على السلطة الحاكمة من أجل مكافحة الإرهاب، وهنا يكون مسؤولو الدولة تحت ضغط الشارع، ولو فشلوا في تحقيق وتوفير الأمن للمواطن يطالب الناس بإسقاطهم أو تغيير القادة. وقال أنه من الصعب تنفيذ إستراتيجية الاستنزاف أو مكافحة الإرهاب ضد الجماعات التي تعتنق الاستشهاد، كون الفرد الاستشهادي هو أكثر استعداداً للموت من أجل قضيته التي يعتقد بها ويحارب من أجلها.
وتقريباً أصبحت حروب الجيل الرابع هي بمثابة حرب عالمية ثالثة؛ لأن التهديد والدمار يكون أمراً فورياً ومضموناً بعيداً عن استخدام الأسلحة الأكثر عنفاً في العالم، أو خلق عداوات مباشرة بين الدول، ورغم عدم وجود اتفاق على مصطلح حرب الجيل الرابع فإن قادة الدول والحكومات باتت لديهم كلمة حرب الجيل الرابع حجة سهلة ومألوفة لتبرير العنف والتفجيرات التي تحدث داخل نطاق دولتهم، وعدم قدرتهم على مواجهته.