مهما كانت العراقيل والمشكلات ومهما كانت الدسائس والمؤامرات لطمس معالم هذا الملك البربري العظيم «ماسينيسا» مؤسس العاصمة النوميدية، وغيره من الملوك والمحاربين ومنهم يوغرطة،لكن لا أحد يمكنه أن يمحو هذه الذاكرة من أذهان الأجيال، لأنها بكل بساطة منقوشة في الصخر العتيق، وهدم هذا الأخير يعني هدم تاريخ وحضارة كاملة، بل و هوية الجزائر التي يحاول البعض طمسها ونكران صنيع رجالها الذين أسسوها وجعلوها دولة ذات »سيادة«. فإنشاء مدينة على اسم الملك النوميدي «ماسينيسا» هو اعتراف بالجميل وتخليد لذكرى الرجل لاسيما وهي تعتبر من أكبر المشاريع وأهم الأقطاب السكنية والحضارية في الجزائر، لأنها تحمل كل المقاييس العصرية والحضارية، وتقع المدينةالجديدة ماسينيسا شرق مدينة الخروب عند مفترق طريقين وطنيين هامين هما الطريق الوطني رقم 03 من الغرب والطريق الوطني رقم 20 من الجنوب، ومن الشرق والشمال مساحات أرضية شاسعة مهيأة لمشاريع سكنية جديدة، وهي مقسمة إلى مناطق عديدة (منطقة «أ»، منطقة « ب»، و المنطقة «س» ومنطقة أخرى في طريق الإنشاء هي المنطقة «د»، بالإضافة إلى أنها تضم سكنات ترقوية التي بدأت تعرف شيئا من التطور وتحول البعض منها إلى «فيلات»، حيث تتربع على مساحة تفوق 500 هكتار بالنسبة للوحدات السكنية والمساكن الجماعية الموزعة عبر العديد من الأحياء، ويمثل حي 11 ديسمبر 1960 مدخل المدينة، تضاف إليها حوالي 800 قطعة أرضية للبناء الفردي، وحوالي 1600 قطعة أرضية ترقوية، تابعة ل: الترقية العقارية المنار، المنى، الرياض، الحياة وأخرى للترقية العقارية ماسينيسا، وسكنات أخرى اجتماعية تطورية، دون أن ننسى سكنات (لاكناب) والسكنات الخاصة بضحايا الإرهاب وغير ذلك.. سكان »الضيق« يستفيدون من الغاز، الماء والكهرباء وقد زودت المدينةالجديدة ماسينيسا ببعض المرافق الضروربة (الغاز الطبيعي، الماء والكهرباء فضلا عن الإنارة العمومية، فصارت لوحة فسيفسائية وخاصة في الليل، فكانت مقصد الكثيرين من سكان الولاية الذين فضلوها عن المدينةالجديدة علي منجلي، لكن سكانها يشكلون مزيجا من الأفكار والعادات والتقاليد، كونها جمعت بين سكان الأحياء الشعبية والأكواخ القصديرية والأحياء العصرية المعروفون بسكان «الضيق»، ووحدت بينهم، وبالرغم من اختلاف ذهنية سكانها الذين حولوا إليها من مختلف المناطق ومختلف المستويات الثقافية والاجتماعية، وبالرغم من طغيان «القبيلة أو العشيرة» في هذه المدينة (سكان أولاد سيدي أعمر، سكان أولاد عوينة الفول، سكان السوسيال..)، و هي حالات ربما تحتاج إلى إجراء دراسة اجتماعية نفسية عليها، للوقوف على ذهنية كل عائلة. فأولاد سيدي أعمر حسب ما قيل لنا أنهم ينحدرون من عين فكرون ولاية أم البواقي، عرفوا بإبائهم، يتميزون بعادات و تقاليد خاصة بهم، وقليلو الانصهار مع الآخر، والفئة الثانية (أولاد عوينة الفول) يقال عنهم أنهم يتميزون ب: «الزهو»، فإن رأيت المصابيح معلقة في الشارع بألوانها العديدة، فالعرس تابع لأولاد عوينة الفول، يجمعون الليل مع النهار على وقع الديسك جوكي أو «القصبة»، مما يؤكد أن تأخر إكمال نصف الدين عند شبابنا سببه أزمة السكن، أما ما عرف عنهم بسكان «السوسيال» فإن بعض سلوكاتهم تعكس هذا المصطلح (سوسيال social) وهذا طبعا لأسباب عديدة منها النفسية والاجتماعية، لأنهم أصبحوا يعيشون جوا جديدا غير الذي ألفوه، لاسيما و عظمهم جاءوا من أحياء عصرية وهم يدخلون في قائمة سكان (الضيق). سكان ماسينيسا ينتظرون التفاتة محلية »صادقة« والمتأمل في هذه المدينة يقف على حقيقة، وهي علاقة الانفصال أو اللاترابط بين سكان المدينةالجديدة ماسينيسا و»الخروبيّين» الذين كانوا يعيشون في شبه عزلة، إلى حين أنشئ حي 1600 مسكن بالخروب والذي أصبح يعرف وسط مدينة الخروب من خلال المرافق الموجودة فيه (المركز الثقافي أمحمد يزيد، المجمع الصحي ville sante وغير ذلك)، معظم سكان حي 1600 هم من مدينة قسنطينة، ويعتقدون أنهم كانوا السبب في تغيير نمط معيشة الخروبيين، وشيئا فشيئا توسعت مدينة الخروب حتى أصبحت تشمل المدينتين الجديدتين علي منجلي وماسينيسا، خلق نوع من الصراع، إذ يعتقد الخروبيون أنهم سكان المدينة الأصليين، والقول أن (الخروب لهم وحدهم)، وأن السكان الجدد هم دخلاء عليهم، ومن هنا نشأت «الانفصالية DISSOCIATION»، غير أن القاسم المشارك لسكان ماسينيسا هو أن «الهدوء» يطبع سلوكاتهم رغم معاناتهم اليومية، ورغم ملامح البؤس التي على وجوههم وهم ينتظرون «الفرود» لكي يلتحقوا بأماكن عملهم، والمدينة بالفعل يغلب عليها طابع الهدوء، بحيث سميت بمدينة »المراقد«، لأن جل سكانها قدموا من وسط مدينة قسنطينة وهم يعملون بها، يودعونها صباحا ولا يعودون إليها إلى عندما يسدل الليل ستاره، وخاصة الشباب الذين اعتادوا على أحيائهم التي ولدوا وتربوا فيها وحولوا منها (السويقة، عوينة الفول، رحبة الصوف، رحماني عاشور..)، ويشدهم الحنين اليها، باعتبارها تمثل الرئة التي تتنفس بها الولاية ككل. ..ومطالب لتوفير المرافق الترفيهية والرياضية الشيء الوحيد الذي يجمع سكان ماسينيسا هو التلاحم والتعاطف فيما بينهم، خاصة عند تنقلهم أو عودتهم إلى مقر سكناهم في المساء، وهم يتقاسمون همومهم لنقص وسائل النقل، وافتقارهم إلى محطة نقل سيارات الأجرة، وهو المشكل الذي يشتكي منه سكان المدينةالجديدة ماسينيسا، رغم توفر 02 أو 03 لحافلات النقل الحضري (ETC) وأخرى تابعة للخواص، فهي تبدو قليلة جدا بالنظر إلى الكثافة السكانية والمشاريع السكنية المنتظر تجسيدها على مدى قريب جدا (أزيد من 10 آلاف ساكن سيتم ترحيله) أن تلقى السلطات المحلية و على رأسها البلدية في منحها شيء من الاهتمام و الرعاية، من خلال خلق مرافق للتسلية والترفيه عن أبنائها وشبابها من خلال إنجاز ملعب لكرة القدم، وخلق ساحات للعب الأطفال، مع دعمها بمرافق ثقافية أخرى، (مكتبة للمطالعة، مقاهي الكترونية cyber café وغير ذلك )، مع التركيز على توفر النظافة في شوارعها، فالمدينةالجديدة رغم حداثة إنشائها تكاد تغرق في أوساخها وهذا راجع إلى قلة أعوان النظافة، مع العلم أن الأعوان يفتقرون إلى وسائل العمل وملابس تقيهم من عدوى الأمراض، فهل ستلتفت السلطات الولائية إلى هذه المدينة التي تعتبر مدينة سياحية، نظرا للموقع الثري الذي تزخر به وهو ضريح «ماسينيسا» الذي من شأنه أن يساهم في دخل خزينة الولاية إن أدخلت عليه بعض المرافق السياحية، ونتساءل بالمناسبة عن مشروع القرية النوميدية الذي طالما انتظره وحلم به سكان الصخر العتيق أو الجسور المعلقة؟ هكذا تسمى مدينة قسنطينة عاصمة النوميديين.