تساهم الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار بسرعة البرق وبدون رقابة، حيث أصبح العديد من الأفراد ينشرون الأقاويل والمعلومات التي يرغبون في تسريبها عبرها، لدرجة أنها أصبحت وسيلة لقذف المحصنات عند البعض. هذه الظاهرة اانتشرت بشكل رهيب بين الشباب، وقد لقيت رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة على عكس ما كان سائدا من قبل ليصبح فيها كل ما هو ممنوع مسموح لدى البعض لدرجة القيام بقذف المحصنات لسبب ما، رغم أنهم متأكدون من براءتهن ومن تمتعهن بأخلاق عالية، إلا أنهم يتحدثون بسوء عن شرفهن وينعتوهن بصفات لا يتقبلها العقل، هن كثيرات من التقت بهن «السلام اليوم»، وكانت أولى العينات «حسينة» طالبة جامعية بجامعة الجزائر «2»، حدثتنا صديقتها عن قصتها مع أحد زملائها في الدراسة والذي قال عنها كلاما لا يتقبله أي واحد لرفعة أخلاقها وحسن سلوكاتها، وصفها بالساقطة واتهمها في شرفها رغم علمه بأنها فتاة شريفة، ولا تسمح لها تربيتها بفعل أي شيء خارج عن المعقول، لكنه تحدث عنها ولم يكتف بالحديث فقط، بل قام بقذفها في شرفها عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الأنترنت، لا لشيء سوى لأنها رفضته عندما عرض عليها صداقته والخروج معه، وليثبت وجود كيانه سلك هذا الفعل السيء. وفي قصة أخرى مشابهة لها، لكن بطلها هذه المرة شاب بطال قام بقذف فتاة من حيه بمثابة أخته، واتهمها بالخروج مع شاب آخر، بعد رفضها له عندما تقدم لخطبتها، وهذا بحكم أنه لا يملك عملا مناسبا وحتى سكنا يليق بأية فتاة، وبدأ بعدها يتحدث عنها عبر شبكة «الفايسبوك» لتصبح فيما بعد سيرتها على كل لسان، بعد أن انتشر الخبر بسرعة بين أبناء الحي والجيران، ووصل في الأخير لأهلها فقام بعد ذلك والدها المتعصب بالصراخ عليها وضربها ضربا مبرحا أدخلت جراءه المستشفى، ليرغمها فيما بعد على البقاء في البيت وعدم الخروج منه إلا للضرورة القصوى كالذهاب إلى الطبيب مثلا. هذا التصرف ورغم الضرر الذي يلحقه بالشابات، إلا أن بعض الشباب لا يجدون حرجا في إذاعة أخبار كاذبة عبر أكبر شبكات التواصل الاجتماعي ليطلع عليه أكبر عدد من معارف الفتيات بسبب الحقد أو الغيرة ومحاولة تشويه صورهن في أماكن العمل أو الدراسة أو الحي وفي نفس السياق تعرضت ضحية أخرى لظاهرة قذف المحصنات، وهي عاملة بمؤسسة خاصة، فبعد أن رفضت طلب زميل لها في العمل للخروج معه، قام هذا الأخير باتهامها بإقامة علاقة حميمية مع زميل أخر لهما، حيث تقول صديقتها: «بعد أن رفضت طلبه، بدأ بالتكلم عنها ونشر الأقاويل في المؤسسة، أنها أقامت علاقة مع زميلنا في العمل، وكما نقول نحن في مجتمعنا «لِمايُوصَلش للعنب يقول عليه قارس»، وبعد أن كبر المشكل ادعى أنه لم يقصد ذلك، وقال بأنها بنت محترمة وعفيفة لا ترتكب مثل هذه الأفعال». وقد دعت محدثتنا إلى ضرورة وضع حد لكل شخص يحاول خدش شرف إحدى الشابات، لأنه ليس بالأمر الهين. إن المثير للدهشة في هذا الموضوع هو اتهام هؤلاء الشباب للفتيات دون أي دليل كأن يكون الشاب قد رأى الفتاة أو أمسكها بالجرم المشهود، وهذا التصرف لا يلحق الضرر بالجنس اللطيف فقط، فحتى الشباب يتضررون منه، والدليل على ذلك الحادثة التي وقعت ل»إسلام» والتي وصفتها لنا أخته بالقاسية والشنيعة في حقه، فقد اتهم بالزنا من طرف الفتاة التي لم تجد حلا لمشكلتها التي وقعت فيها، فبعد أن علم أهلها بقصة حملها لم تجد إلا اسم ذلك الشاب لتوهم أباها أنه هو مرتكب الجريمة حسب أخته، ولا ذنب له في الموضوع إلا في كونه صديق الشاب الذي كانت على علاقة غير شرعية معه، هنا تقول أخت «إسلام» «هي لم تتعرف عليه ولم تر وجهه لا من بعيد ولا من قريب، إلا أن عشيقها حدثها عنه وأخبرها عن بعض حياته، فوجدته الحل الأنسب لها لتكبر القصة فيما بعد وتصل إلى المحاكم، وأخي البريء لم يأسف على شيء قدر أسفه على شرفه الذي أهين، ولو أنها كانت فعلا على علاقة معه لحاولت الحل بطريقة ودية عوض اللجوء إلى الفضائح، وهذا ما ساعد في تفاقم المشكلة التي استمرت في المحاكم لغاية وضعها المولود الذي أثبتت التحاليل أنه ليس ابن أخي، ليبرأ نهائيا من هذه التهمة». قذف المحصنات يدخل ضمن السبع الموبقات أكد إمام أحد مساجد جسر قسنطينة خلال اتصالنا به أن هذا الفعل قد حرمه الله سبحانه وتعالى و وعد القائم به بالجلد في قوله تعالى في سورة النور الآية «4»: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابعوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم»، ويضيف محدثنا «من هذه الآية الكريمة يتبين أن هذه الآفة هي من أشد المنكرات والموبقات المهلكات لما خص الله مرتكبها بعقاب جلد ثمانين جلدة، ورفض شهادته، وأخيرا الحكم عليه بأنهم فاسق، إلا من تاب منهم وابتعد عن هذه المعاصي»، ويضيف أيضا قوله تعالى في سورة النور: «إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين»، وهذه الآية التي نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين عندما اتهمت في شرفها، فنزلت من أجل إثبات براءتها ولكي يكون حكمها عبرة لمن أراد أن يعتبر». كما أن الآية 58 من سورة الأحزاب جاءت لتؤكد على توّعد الفاعلين بالإثم المبين لقوله تعالى: «والذين يوذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا».ك ما تطرق الإمام إلى الأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت هذا الموضوع والتي كانت صريحة في شأنها بخصوص الحكم، فنجد حسب الإمام ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، والذي رواه الإمام مسلم. و أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال»، وهو متفق عليه. كما أعطى دليلا آخر يثبت شناعة هذا الفعل الحرام في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات»، ثم عدّهن وذكر من بينها قذف المحصنات، وكما ورد في الأثر أن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، ولذلك فلنتق الله نحن المسلمين من هذا الفعل، ونستغفر الله في كل خطيئة ارتكبناها بدون قصد كانت صغيرة أم كبيرة.