انتشرت مؤخرا مهنة أعوان الحراسة بعقود عمل محدودة بشكل ملفت للانتباه في العديد من الولايات، وفي المقابل زاد عدد المراكز المتخصصة في تكوين هؤلاء الأعوان من أجل تلبية طلب المؤسسات والشركات التي تحتاج لأعوان حراسة من أجل تأمين ممتلكاتها المادية والبشرية. أما العديد من الشباب فقد وجدوا في هذه المهنة آخر حل لأزمة البطالة التي مستهم، ولكن هذا العمل ليس بأحسن من غيره، فالكثير منهم يتخبطون في مشاكل مهنية واجتماعية معقدة أهمها نهاية العمل بعد انتهاء مدة العقد. حاولنا الوقوف من خلال هذا الموضوع على أوضاع هؤلاء الحراس الذين يعتبرون عمالا حتى إشعار آخر لكون فترة عملهم مع المؤسسة المتعاقدة تكون محددة بتاريخ نهاية وقد لا يتم تجديدها إلا في حالة الحاجة إليهم. تبدأ قصة هؤلاء بإعلان في الجرائد أو بموقع على شبكة الانترنت لمؤسسة تؤطر أعوان حراسة بغرض تكوينهم، ثم توفير منصب عمل لهم، كما يمكن أن يرسل هؤلاء من طرف وكالات تشغيل الشباب. اتصلنا بأحد مراكز تكوين أعوان الحراسة لمعرفة خبايا هذه المهنة، فقال لنا السيد زاوي، ممثل أعوان الحراسة في أحد المراكز، أن لهم خطا على شبكة الأنترنت يستقبلون من خلاله السيرة الذاتية لكل راغب في التكوين، ليتم اختيارهم بناء على شرط أساسي وهو القوة البدنية التي يعتبرها نعمة بالنسبة لهؤلاء، ويبدو أنها ستشفع لهم في الحصول على منصب عمل ولو كان بشكل مؤقت، ثم يتلقوا بعدها تكوينا يختلف من مركز تكوين إلى آخر، فهناك يتم تكوينهم لفترة ستة أشهر وهناك من لا تتجاوز مدة تكوينهم 15 يوما، ويتم التركيز فيها على هيئة العون وكيف يعتني بهندامه وضرورة التزامه بالانضباط خلال العمل، كما يتعلم المتربص كيفية استعمال بعض الأجهزة التي يجدها في المؤسسة المتعاقدة على غرار أجهزة الإنذار ومطفئات الحرائق، وفي هذا الصدد يؤكد من مارسوا هذه المهنة أنها تطورت بشكل يخدم العون في حد ذاته، ففي زمن سابق لم تكن تتوفر تلك الأجهزة التكنولوجية التي ساعدت العامل في مهمته وبات عليه فقط أن يعرف كيف يستعملها والوقت المناسب لهذا الاستعمال. مؤدو الخدمة الوطنية أكثر المطلوبين كثيرا ما يطلب أصحاب مراكز تكوين أعوان الحراسة شبابا أدوا واجب الخدمة الوطنية، لأنهم الأنسب والأفضل مقارنة مع غيرهم، وذلك بسبب الخبرة والمهارة في أداء المهام بسبب طبيعة التدريبات التي كانوا يقومون بها في فترة الخدمة الوطنية، ما جعلهم أكثر التزاما، لأنهم تعودوا على الانضباط، وهذا ما يسهل التعامل معهم مقارنة مع الآخرين. مهنة جمعت بين شباب بمستويات علمية مختلفة حاولنا البحث في المستوى التعليمي لشباب يعملون كأعوان حراسة، فوجدنا أنهم من مستويات مختلفة، فأغلب طالبيها من الشباب الذين تلقوا نصيبا ضئيلا من التعليم ولكن منهم حاملو الشهادات الجامعية الذين وجدوا من هذه المهنة مخرجا إلى غاية الحصول على ما يتناسب مع شهاداتهم، وهو حلم يعتبره بعضهم بعيد المنال، عمر 25 سنة، يقول: «أمضيت سنوات في الدراسة، ورغم مرور ثلاث سنوات على تخرجي لم أجد عملا سوى عون حراسة إلى أن أجد عملا آخر». وفي الوقت الذي لم يجد بعض الأفراد فرصة للظفر بهذه المهنة، وجدها آخرون أحسن مهنة تمكنهم من الكسب السهل دون بذل مجهود كبير قبل أن يصطدموا بذلك الواقع المرير، فقد كان يظن البعض أن عون الحراسة يعني ارتداء زي معين والوقوف في مكان محدد زمنا معينا وهو ليس بالأمر الصعب بالنسبة لهم، ولكن النظرة تختلف كل الاختلاف بالنسبة للأعوان الذين يعملون ليلا، فقلة النوم قد تنعكس سلبيا على صحة بعضهم وتقلب نهارهم ليلا وليلهم نهارا، وفي هذا الصدد يقول إلياس «أعمل عون حراسة ليلي في شركة، وفي النهار أتجه إلى البي وأنا أتمايل كالسكران لأنام طوال النهار استعدادا لقضاء ليلة أخرى لا يطلع نهارها إلا بعد أن أرتشف أكثر من أربعة فناجين من القهوة لعلي أستطيع أن أبقى مستيقظا»، هي رحلة من المعاناة يقضيها بعض أعوان الحراسة في كل مرة وهم ينتظرون فرصة عمل جديدة تنتشلهم من عالم البطالة بعد انتهاء العقد السابق ورفض المؤسسة تجديده. فترة نهاية العقد أسوأ مرحلة يمر بها أعوان الحراسة إن أسعد يوم يمر على الكثير من أعوان الحراسة هو يوم توقيع عقد العمل، خاصة إذا كانت مدته طويلة، لأنه سيتخلص من البطالة التي كان يعيشها حتى وإن كان متأكدا أن الأمر مؤقت، وهذا ما يسبب له الكثير من الحيرة والقلق مع اقتراب نهاية مدة العقد، حيث تتبادر إلى ذهنه الكثير من التساؤلات من إمكانية تجديد العقد أو عدمه، وفي حالة حدوث الأمر الثاني يعني انطلاق رحلة بحث عن فرصة عمل جديدة قد تستغرق أياما أو شهورا أو أكثر، وما يعقد الأمور أكثر هو إن كان عون الحراسة مسؤولا عن عائلة أو يسعى لتكوينها وهذا ما يجعله ينتظر القرار المصيري على الأعصاب، وهذا ما أكده «سمير» 32 سنة، عمل كعون حراسة في العديد من المؤسسات، أحيانا في الليل وأحيانا أخرى في النهار، ورغم المخاطر التي كان يتعرض لها في بعض الأماكن المعزولة، إلا أنه كان يفضل حراستها على أن يبقى بدون عمل، هذا الشاب الذي كثيرا ما خطط لإتمام نصف دينه لم يتمكن من تحقيق هذا الحلم، لأنه ببساطة لم يتمكن من الاستقرار في مؤسسة معينة، لأنه يسرح بعد انتهاء العقد مباشرة حتى وإن جدد له العقد فلفترة أخرى قصيرة إلى غاية انتهاء الأشغال بالمنطقة التي يقوم بحراستها، أما عن فترة نهاية العقد فيقول «هي من أصعب اللحظات التي أمر بها ربما لا يشعر بها رب العمل ولا حتى المحيطين بي، ولكنني أعد الأيام والساعات وحتى الدقائق، لأنني أشعر حينها أني على حافة البطالة التي أعرف كثيرا معناها، فقد سبق لي وأن عشتها مرارا، أمر صعب أن يشعر الإنسان أنه لا يملك مصروفا ولا حتى ثمن الحافلة التي يستقلها بحثا عن عمل»، ويضيف «هذا ما أشعر به هذه الأيام، خاصة وأنني أعمل بمؤسسة منظمة وبراتب محفز يوفر لي ما أريد وفي ظروف عمل جيدة، لكن فترة العقد تقارب على الانتهاء وأخشى من عدم تجديده». أما عن الراتب الذي يتلقاه هؤلاء حسب ما أكده لنا الأعوان الذين التقينا بهم فهو لا يتعدى أحيانا مليون ونصف مليون سنتيم حسب المؤسسة التي يعملون بها، في حين قال الممثل السابق أن المبلغ قد يزيد عما سبق ذكره، وذلك متوقف على المؤسسة المستقبلة، أما بالنسبة للتأمين الاجتماعي فهو يقع على عاتق مركز التكوين. في حين أكد نفس المتحدث السابق أن أي مركز مسؤول عن إعادة استقبال العمال بعد انقضاء مدة عملهم أوف ي حال توقيفهم إلى غاية إيجاد عمل آخر، خاصة وأن الأعوان أصبحوا يتمتعون بالخبرة ولا يمكن الاستغناء عنهم. هذه المهنة التي توفر للشباب مناصب عمل مؤقتة مقترنة بفترة العقد التي قد يتم تجديدها، كما قد يتم الاستغناء عن العامل وتعويضه بآخر بنفس الشكل، ما يجعلها مهنة مع تاريخ انتهاء الصلاحية. حسب أحد المحامين تجديد عقد العمل مباشرة بعد انتهائه ليس واجبا في توضيح للوضعية القانونية لبعض عمال الحراسة، أكد المحامي (ب.ن) من نقابة المحامين ببومرداس أن أعوان الحراسة لا يعتبرون موظفين، وإنما عمال حسب ما تقتضيه مدة عقد العمل التي تم الاتفاق عليها مع صاحب العمل، وكل عقد عمل يجب أن يتوفر على شروط لا تضر بأحد الطرفين، وفي حال وجدت مواد عرف العامل أنها لا تصب في صالحه فإنه يرفض الإمضاء على العقد، ولكن في حال أمضى عليه معناه أن يلتزم بشروطه، وفي حال أن صاحب العمل أوقف العامل قبل انتهاء مدة العمل التي تم الاتفاق عليها في عقد العمل، هنا يكون العامل كطرف ثان متضرر، وله الحق بطلب التعويض، لأن إنهاء العمل جاء من طرف واحد حسب ما تقتضيه المادة 24 من القانون المدني، وهذا التعويض يكون حسب الفترة التي قضاها العامل في العمل، وهي لا تتجاوز ستة أشهر من الأجر، وحقهم يظل مقتصرا على طلب التعويض وليس طلب الأجر، لأنهم لم يعملوا كل المدة التي تعطيهم الحق في أخذ الراتب كاملا. ويضيف نفس المتحدث أن العقد يجب أن يتوفر على شرطين أساسيين، هما مدة العقد، كأن يتم الاتفاق مع أعوان الحراسة على حراسة ورشة خلال انجازها لعمل سيستغرق مدة معينة، أو حراسة شركة خلال ظرف معين، هنا فإن عقد العمل يجب أن يتضمن كم تستغرق هذه المدة، والسبب وراء تحديد هذه المدة، أي لماذا هذه المدة بالتحديد؟ ويعتبر هذا السبب هو الشرط الثاني في عقد العمل وإلا أصبح العقد المحدود المدة عقدا غير محدود المدة بقوة القانون. أما بعد انتهاء مدة العمل وتقاضي العامل أجره ورفض رب العمل تجديد العقد لمدة أخرى فهذا لا يوقعه تحت طائلة أي تعويض. وفي الأخير، كانت نصيحة المحامي لمثل هؤلاء الأعوان في حال وجدوا خروقات أو إمضاء عقود عمل غير قانونية هو الاتصال بمفتشية العمل أو المطالبة إما بإعادة الإدماج أو بالتعويض.