يعرف سوق الشغل في الجزائر نقصا فادحا في اليد العاملة المتخصصة لاسيما في بعض المجالات التي شهدت في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا بسبب عزوف الشباب عنها. وقد انعكس هذا الوضع على العديد من المشاريع التي أطلقتها الدولة ضمن مخططاتها الخماسية، حيث تسجل عجزا فادحا من المؤهلين في مجال البناء الذين لا تتعدى نسبتهم ال10 بالمائة فضلا عن الترصيص والتلحيم والطلاء وسياقة الآليات الكبيرة الحجم. فيما تسجل معاهد ومراكز التكوين عدم إقبال المتربصين على مثل هذه التخصصات رغم حاجة السوق الوطنية الماسة إليها، مما يؤكد غياب التنسيق بين التأطير في التكوين وعالم الشغل. ويجمع العديد من أصحاب المؤسسات والمقاولين الذين حاورتهم ''المساء '' أن حقيقة هذا المشكل في ورشات الإنجاز كشفت عن وجود أكثر من 90 من اليد العاملة بالبناء غير مؤهلة وغير متخصصة، إذ أن نحو 10 منها فقط نجدها ذات خبرة وتكوين ميداني وهي نسبة ضئيلة جدا خاصة إذا ما علمنا بأن ورشات البناء تتطلب تشغيل العشرات بل المئات من العمال حسب حجم المشروع. ويترتب عن ذلك حسب صاحب مقاولة للبناء عدة مشاكل أخرى وخسارة مالية تتحملها مؤسسات الإنجاز بالدرجة الأولى وأرجع وجود هذا المشكل إلى عدم خضوع هؤلاء لأي تكوين واكتفائهم بالتدرب بالورشات ولفترات قصيرة قبل دخولهم سوق العمل قبل اكتساب الخبرة اللازمة ليكتشف بعد ذلك النقص الكبير في تأهيلهم المهني ومع ذلك غالبا ما يحتفظ بهم نظرا للنقص المسجل في اليد العاملة في قطاع البناء إجمالا لتفادي توقيف أوتعطيل الأشغال. وفي هذا السياق صرح المتحدث بأن نسبة قليلة جدا تكاد تكون منعدمة بأغلب ورشات الأشغال من اليد العاملة استفادت من فترة تكوين ومتحصلة على شهادة وهي نسبة قد لا تتجاوز 1 أو2 بالمائة وهو ما يعكس عدم الإقبال على تخصصات البناء بمراكز التكوين المهني. أما فيما يخص التخصصات أوالمهن التي تعرف هذا المشكل فأكد لنا صاحب هذه المقاولة بأن جميع مهن البناء يعاني ممارسوها من نقص التأهيل والتخصص من البناء إلى النجارة إلى العاملين بالتلبيس أوالبلاط أوالترصيص وغيرها من المهن التي على الرغم من مدخولها المالي الجيد إلا أنها لا تعرف إقبالا كبيرا لإمتهانها. فمثلا يتراوح الراتب اليومي لهؤلاء إجمالا بين 800 و1600 دينار أوما بين 20800 إلى 41600 دينار شهريا لكن رغم ذلك لا تلقى هذه المهن إقبالا من طرف الشباب وخاصة بالمدن، إذ أن نسبة كبيرة منهم قادمون من المناطق الريفية فمثلا نفس المؤسسة تشغل نسبة كبيرة من هؤلاء العمال القادمين من المناطق الريفية المجاورة وبالتالي تضطر لتوفير وسائل النقل لهم على مسافة تصل إلى أكثر من 50 كيلومترا يوميا. ومن جهة أخرى، أثار صاحب مؤسسة خاصة مختصة في الأشغال العمومية والبناء مشكل عدم استقرار اليد العاملة بالبناء إذ أن أكثر من 60 بالمائة منهم غير مستقرين بمؤسسة واحدة فتجدهم يعملون لفترة ثم يتوقفون ويتوجهون للعمل إلى ورشات أخرى، مما يؤثر سلبا على سير الأشغال ومرد ذلك هو وجود عرض كبير لفرص التشغيل بسوق العمل بالبناء مقابل يد عاملة متخصصة ضئيلة ورغم ذلك فإن الإقبال على تخصصات التكوين بالبناء كما سبقنا الإشارة إليه ضعيفة وهو ما أكده لنا بعض المسؤولين على مستوى مراكز التكوين بالعاصمة الذين أوضحوا أن من بين جميع التخصصات التي يفتحها القطاع، فإن نسب التسجيل تكون كل سنة ضعيفة بتخصصات البناء والفلاحة وبعض التخصصات الأخرى وهذا رغم الفرص المتاحة بهذين القطاعين. وعن قطاع البناء دائما يعرف سوق الشغل عرض فرص كبيرة للتشغيل خاصة مع البرامج السكنية الجاري انجازها وتلك التي انطلقت مؤخرا وهذا مع الشروع في انجاز الحصص السكنية الجديدة في إطار البرنامج الخماسي الجديد 2010/2014 إلا أنه وحتى خلال هذه السنة تم تسجيل نقص وضعف الإقبال عليها رغم توفر عدد كبير من المراكز والمعاهد التابعة للقطاع ..كما أن مختلف المراكز والمعاهد توفر عددا كافيا جدا من المقاعد البيداغوجية للراغبين في التسجيل، علما أنها تخصصات لا تتطلب شروطا كثيرة بما في ذلك المستوى الدراسي. وبالمقابل يتوجه الشباب نحو تخصصات أخرى كالإعلام الآلي والإلكترونيك بالنسبة للحائزين على مستوى دراسي جيد والحلاقة والميكانيك وغيرها بالنسبة للحائزين على مستوى دراسي غير كاف، غير أنه ورغم الحملات الإعلامية المنظمة بالمؤسسات التربوية وعبر وسائل الإعلام لتشجيع الشباب للتسجيل والتكوين في هذه التخصصات، إلا أن الإقبال يبقى دائما ضعيفا مقارنة بما يتطلبه سوق العمل من يد عاملة في هذا المجال. ونجد من جهة أخرى أن بعض المتربصين يسجلون بهذه التخصصات غير أنهم لا يواصلون فترة تكوينهم لأنهم وبمجرد بدايتهم في مزاولة عملهم ضمن عقد التمهين مع مؤسسة معينة أوبورشة الأشغال يندمجون ويفضلون العمل وتلقي راتبا بدل البقاء كمتر بصين فيقاطعون التكوين وهنا تظهر فئة البنائين بالورشات غير الحاصلين على شهادات وبالتالي تبدو النقائص والعيوب في العمل جلية. اليد العاملة الأجنبية هي الحل المتوفر لتغطية العجز وأمام هذا النقص الكبير في اليد العاملة المؤهلة بالجزائر لاسيما في بعض التخصصات المحددة نجد اليد العاملة الأجنبية العاملة التي قدرت هذه السنة من طرف وزارة العمل والضمان الاجتماعي ب 42 ألف عامل تنشط بطريقة شرعية ضمن مؤسسات انجاز دولية حازت على صفقات بالجزائر أوالعاملين بطريقة حرة والتي تضاف إليها العاملة بطريقة غير شرعية ودون رخص وهذا لتوفر فرص تشغيل بالجزائر في مجال البناء نتيجة النقص المسجل محليا وهو ما يبرر تكليف مؤسسات انجاز أجنبية لإنجاز المشاريع الكبرى لحيازتهم اليد العاملة كمًّا ونوعا وعلى رأسها الشركات الصينية إذ أن ما يقارب 99 بالمائة من الصينيين العاملين بالجزائر يعملون بورشات البناء لتأتي بعدها اليد العاملة من جنسيات مختلفة أخرى ومنها من تنشط بطريقة غير شرعية منهم أتراك، مصريون، ماليون، انغوليون ومغاربة يتميزون بالإتقان في أعمال التلبيس والجبس والزخرفة. ويرى الخبير الاقتصادي حميدوش أن الإشكالية فيما يخص نقص اليد العاملة المتخصصة تكمن من جهة في أن الحلقة بين التأطير وعالم الشغل مفقودة وفي غياب المرونة في صيغ التكوين المعتمدة في بلادنا، حيث لا يتخرج من مراكز التكوين والمعاهد مؤهلين في التخصصات التي يحتاجها اليوم عالم الشغل، موضحا أن النمط المعتمد حاليا في التكوين المهني لا يجلب اهتمام الشباب كونه لا يسمح لهم بتطوير مسارهم المهني فقد كان يسمح للرصاص مثلا الانتقال بعد مدة من التكوين إلى مستوى تقني إلى أن يبلغ مستوى شهادة البكالوريا المهنية واقترح الخبير في هذا السياق ضرورة العودة إلى البكالوريا المهنية التي الغيت قبل سنوات. وبخصوص مشكل العجز المسجل في بعض التخصصات التي تتطلبها الورشات المفتوحة في إطار المشاريع المبرمجة ضمن المخططات التنموية يؤكد حميدوش أن سببه يعود إلى الأجور المعتمدة والظروف التي تحيط بالعمل لاسيما التأمين. وإذا كان البناء أوالرصاص مثلا مؤهلين فإنه يفضل العمل لحسابه الخاص ولا يفكر أبدا في العمل لدى الغير سواء القطاع الخاص أوالقطاع العمومي حسب محدثنا. ولاحظ الخبير من جهة أخرى أن طلبات العمل التي تتهاطل يوميا على مختلف الهيئات والمؤسسات كشفت أن أغلبية أصحابها يسعون إلى الحصول على منصب كحارس أوحاجب أوعون في الإدارة أوفي المناصب التي لا تحتاج إلى تكوين. مجالات مشبعة وأخرى مهجورة حتى في ''أنساج'' نفس الإشكال نجده على مستوى الآليات التي وضعتها الدولة لدعم تشغيل الشباب، حيث تسجل ''أنساج'' توجها مفرطا للشباب نحو المشاريع الخدماتية التي بلغت نسبتها 80 من مجموع المشاريع ويوجد على رأسها النقل بنوعيه للمسافرين والسلع والبضائع وتأجير السيارات وغيرها وهو ما أجمع بصدده الخبراء على أنه وضع ليس في صالح لا الشباب الذين يستفيدون من القروض ولا الاقتصاد الوطني. وشدد هؤلاء على أن الوضعية الراهنة تؤشر إلى وجود حالة إشباع لهذه الفروع، تفرض إعادة نظر شاملة وتوجيه جديد لمشاريع الشباب المقاول نحو نشاطات إنتاجية في قطاعات فلاحية وصناعية وعلى رأسها فروع الصناعات الغذائية والصناعات الكهربائية وصناعات قطع الغيار والصناعات النسيجية، باعتبارها تسيطر على حصة الأسد ضمن تركيبة فاتورة الاستيراد السنوية. وقال الخبير الاقتصادي، امحمد حميدوش، أن الإشكالية الحالية على مستوى الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، وحتى على مستوى الصندوق الوطني للتأمين على البطالة أوالوكالة الوطنية للقرض المصغر، تتمثل في أن منح القروض كان يتم إلى وقت قريب على أسس سياسية وليس اقتصادية، وبدون القيام بإعلان حصيلة شفافة لنتائج السنوات الفارطة من عمل هذه الوكالات المختلفة بالإضافة إلى الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار، مضيفا أن غياب خطة وطنية للتنمية جعل هذه الهيئات المكلفة بالتشغيل غير قادرة على الإسهام الإيجابي في خلق مناصب دائمة وتعزيز نشاطات اقتصادية قادرة على تعويض الواردات. وأوضح السيد حميدوش أن الطريقة الوحيدة التي تضمن تقديم إجابة موضوعية، هي وجود استراتيجية وطنية حقيقية للتنمية، تحدد بشكل علمي دقيق جميع قطاعات النشاطات الواجب تطويرها سواء أتعلق الأمر بتلبية حاجات السوق الوطنية بمختلف مجالاته أوالقطاعات الواجب توجيهها نحو التصدير.