تفتقد الحياة الزوجية في مجتمعنا إلى لغة الحوار، التي يجب أن تكون أساس العلاقة بين الزوجين، باعتبار أن النقاش بين هذين الأخيرين يعتبر بمثابة مفتاح لحل جل المشاكل التي تعترض مشوارهما في فترة الزواج. لا يؤمن الكثير من الرجال باللجوء إلى الحوار في حالة وقوع المشاكل بينهم وبين زوجاتهم، نظرا للاعتقاد الخاطئ لدى الكثيرين بأن الرجل هو الأساس في العلاقة الزوجية والآمر الناهي الذي يجب أن تنصاع المرأة لجميع أوامره دون إبداء أي رأي حتى وإن كان مخطئا، وهذا ما جعل الحياة الزوجية تفتقد إلى المبادئ الأساسية التي يجب أن تبنى على أساسها أي علاقة زوجية وفي مقدمتها الاحترام المتبادل، هذا الأخير الذي غاب في حياة الكثير من الأزواج لما غابت لغة الحوار بينهم. الكثير من النسوة اللائي تحدثن إلينا، تناولن هذا الموضوع باهتمام، باعتباره النقطة المشتركة بين الكثيرات في جل مشاكلهن الزوجية. «نادية» متزوجة منذ ما يقارب الخمس سنوات تقول: «في حقيقة الأمر أننا بعيدون كل البعد عن ثقافة النقاش بين الزوجين، فأنا وفي كل مرة يحدث فيها خلاف بيني وبين زوجي، أحبذ أن أبحث عن السبب الذي جعلنا نصل إلى هذه الدرجة من الخلاف، فأدعوه لأن نفتح الموضوع بيننا ونتناقش حوله، ولكنه يرفض بشدة ويتحجج أحيانا بأنه لا يملك الوقت الكافي من أجل أن يتحدث معي في أمور تافهة». أما «بشرى» فهي متزوجة منذ حوالي سنتين، قالت لنا: «سئمت كثيرا من المعاملة التي يعاملني بها زوجي، بالرغم من أنه لم يمض على زواجنا سوى عامين، فزوجي يرى أنه الكل في الكل، وهو صاحب القرار في كل المواضيع التي تتعلق بحياتنا الزوجية، وإذا ما حدث مشكل بيني وبينه يلجأ مباشرة إلى العنف اللفظي والجسدي، ولا يترك لي المجال أبدا لأناقشه في الأمر أو أدافع عن نفسي، مما جعل حياتنا الزوجية مملة جدا، إلى حد أن علاقتنا الجنسية تأثرت أيضا، وأضحت تميزها البرودة والجفاء». نفس الأمر تعاني منه «سامية»، متزوجة منذ عشر سنوات، قالت: «زوجي كثير الطلبات، و إذا نسيت يوما ما أمرا طلبه ولم أنفذه، يخاصمني ويقاطعني لعدة أيام، مما جعلني أحتار لأمره، وأردت في العديد من المرات أن أعرف الأسباب التي تجعله يتعامل معي بهذه الطريقة، وبالرغم من أنني لست المخطئة أطلب السماح، فطلبت منه أن نخصص جلسة في كل مرة يحدث فيها خصام بيننا من أجل أن يستمع كل منا لرأي الآخر، ولكنه قابل اقتراحي هذا بالرفض، قائلا بأنه رجل وهو من يجب أن يتحكم بزمام الأمور». إن غياب لغة الحوار بين الزوجين تؤدي في الكثير من الأحيان إلى طرق مسدودة، وتلك السيدات يجدن أن الزوج هو السبب فيها، والذي رأين أنه أعطى مفهوما خاطئا للعلاقة الزوجية وجعلها أشبه بعلاقة الرئيس بالمرؤوس، مما أدى في كثير من الأحيان إلى انفصال الزوجين، على غرار ما حدث مع «فوزية» التي قالت لنا: «باعتباري خريجة جامعة، فقد كنت متشبعة بثقافة الحوار بين الزوجين، إلا أنني اخطأت في اختيار شريك حياتي الذي لم يكن مثقفا مثلي، فكان لا يؤمن أبدا بلغة الحوار، وإذا ما أردت أن أفتح معه باب النقاش في أي موضوع يخصنا، يسخر مني بقوله أنني لست بصدد تقديم محاضرة جامعية، وبالتالي كان الوضع يتأزم بيننا وتفاقمت المشاكل بشكل كبير، مما جعل الحياة بيننا مستحيلة، فلجأنا إلى الطلاق». «يمينه» هي الأخرى لجأت إلى الطلاق كآخر حل لمشاكلها التي تطورت بينها وبين زوجها، لانعدام لغة الحوار بينهما، تحدثت إلينا قائلة: «كان زوجي لا يمنح لي الوقت الكافي للجلوس ومناقشة أمور البيت، إذ كان كثير التردد على المقهى، حيث كان يقضي معظم وقته مع أصدقائه، متناسيا أن له بيتا وأسرة، يجب عليه الاهتمام بأمرهم، ولما ضقت ذرعا بهذا الوضع، سألته أن نجلس ونضع برنامجا ينظم فيه وقته، فيمنح الوقت الأكبر للبيت، وما تبقى من ساعات فراغه يقضيها مع أصحابه، فثارت ثائرته وصرخ في وجهي قائلا أنني لست مؤهلة لإعطائه الأوامر، وأنه هو من ينفق علي، لذا لا يجب أن أبدي أي تذمر»، ثم واصلت قائلة: «كنت دائما أسمع هذه الأسطوانة، وأتغاضى عنها من أجل أبنائي، وكنت أدعو الله أن يهديه، ولكن تجبره كان يكبر يزداد يوما بعد يوم، وهنا طلبت الطلاق، وهذا ما حدث فعلا». أما الطرف الآخر، فقد قدم الكثير من المبررات للاتهامات التي وجهتها إليه النساء. «سمير» قال لنا: «المرأة دائمة الاتهام للرجل، وكأنه سبب كل المشاكل في البيت، ولكن في الحقيقة كلا الطرفين مسؤول عن نجاح الحياة الزوجية أو فشلها»، مواصلا: «أما فيما يخص لغة الحوار، فالرجل دائم الانشغال، فيدخل البيت وهو مرهق، فلا يتحمل الكلام كثيرا، لذا يتهرب من طرح المشاكل على طاولة النقاش إن صح التعبير، وهذا ما لا تتفهمه معظم النساء وتعتبرنه لامبالاة من قبل الزوج». وقد كان ل»مصطفى» نفس الرأي، حيث قال: «أنا أعمل في مصنع من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء، وضجيج الآلات يزعجني، بل جعلني كثير التوتر، ولما أصل إلى البيت أريد أن أرتاح أو أخلد إلى النوم باكرا، وهذا ما لا تتفهمه زوجتي، هذه الأخيرة لا تنتظر أبدا إلى أن أرتاح وتطرح المشكل الذي تريد مناقشته معي، بل في كثير من الأحيان تقابلني عند الباب بالمشاكل، وهذا ما جعلني لا أدخل إلى البيت كثيرا، تفاديا للمشاكل بيني وبينها». الأخصائية الاجتماعية «نعيمة.م»، قالت أن أي علاقة اجتماعية يجب أن تكون مبنية على مجموعة من الأسس التي يجب على كل طرف الالتزام بها في علاقته بالآخر، فما بالك بالعلاقة الزوجية التي تعتبر ركيزة العلاقات في المجتمع. أما لغة الحوار فهي سر نجاح العلاقة الزوجية، فالزوجان اللذان يتقنان هذه اللغة سينجحان في مواصلة حياتهما الزوجية، وأما اللذان لا يتمتعان بثقافة الحوار فسيصلان في غالب الأحيان إلى طريق مسدود وإلى الطلاق غالبا. وعن سبب غياب لغة الحوار بين الزوجين في مجتمعنا، أجابت السيدة «نعيمة» أن طريقة تفكير الكثير من الرجال هي السبب، فهم يرون أنهم أصحاب القرار في العلاقة الزوجية، فلا يمنحون للمرأة حق إبداء رأيها، وهنا تغيب ثقافة الأخذ والرد بينهما، وحتما تغيب معه لغة الحوار، لذا يجب على الرجل والمرأة إتقان لغة الحوار من أجل استمرار الحياة الزوجية بينهما.