سبّ الذات الإلهية ظاهرة غريبة عرفت انتشارا واسعا في المجتمع الجزائري حيث تحول هذا سلوك إلى ردة فعل تعبر عن الغضب والتهديد والتخويف، فالشاتم باستعمال جمل تحمل سبًّا للذات الإلهية وبمجرد غضبه يبدأ بتوجيه شتائم وسب الله دون وعيه أن من يسب ليس الشخص بحد ذاته ولكنه يسب الله عز وجل، فالسبُّ موجَّه للفرد لكن بعبارات تمس الله سبحانه وتعالي ليقوم بعدها وبمجرد زوال الغضب بالاستغفار وتأدية عبادته في وقتها وهذا إنما يدل على انعدام نية انتهاك عظمة الله، فأغلب الجزائريين لا يقصدون التمرد على الله عز وجل كونه من أقبح المكفرات وكون أنّ الدين مبنيٌّ على تعظيم الله وإجلاله، لكن وللتنفيس عن الغضب مباشرة يلجأ الشاتم لا إراديا ودون نية التمرد على الله إلى سبه بمختلف العبارات. الظاهرة استفحلت في جيل ما بعد الاستقلال لم يعد التلفظ بعبارات تسيء لله عز وجل تقتصر على الشباب المنحرف بل تعدت وتحولت إلى عادة أثناء الغضب من الآخرين فأغلب الناس بمجرد غضبهم يبدأون بالتلفظ بألفاظ موجهة للفرد لكن فيها سب للذات الإلهية، وهناك من يتلفظ بها لمجرد المزاح دون النية في المساس بالله، وهذا راجع إلى أنهم تربوا على هذا النوع من الألفاظ منذ الصغر، والبعض الآخر يعتبره وسيلة لإثبات الرجولة وفرض الرأي على الآخر، فالفرد لا يجد حرجا في التلفظ بعبارات السبّ لأتفه الأسباب ظنا منه أنه بسبّه سيمس الفرد بتلك العبارات وليس الله، فظاهرة سبّ الله لا تُعبّر عن أصالة وحرمة المجتمع الجزائري، عكس ما كان عليه الأمر في وقت أجدادنا، أين كان الكبير يحترم الصغير والصغير لا يرفع عينيه أمامه، فلا يتبادر إلى ذهنه حتى مجرد التفكير في السب كون أنه مجرد ذكر الله فيما لا يليق يعتبر كفر بحد ذاته، وهذا ما قاله لنا عمي فاتح ذو 71 عاما عن أن ظاهرة السب في وقتهم لم تكن موجودة فالصغير لا يمكنه التنهد حتى في حضور الكبير، أضف إلى ذلك "أننا كنا نخاف من الله عز وجل فلا يتبادر إلى ذهننا حتى مجرد التفكير في سب الخالق فهذا يعتبر أمر مشين". "رغم بطش الاستعمار إلا أن الجزائري كان دائم التكبير بالله"، هذا ما قاله عمي موسى ذو 93 عاما المتكئ على عصاه التي لا تفارقه، ويضيف أن في وقت الاستعمار لم يكن يعرف المجتمع الجزائري المسلم معنى سب الله سبحانه، فكيف نسمي أنفسنا مسلمين في مجتمع انتشر فيه السب والشتم، أفلا يخافون من سخطه ومن غضبه!"، وتؤكد الحاجة فتيحة ذات 97 التي أكل الدهر شبابها وصحتها أن المجتمع الجزائري معروف بغضبه السريع منذ أزمنة لكن سبه لله عز وجل، لم يُلاحظ إلا فترة بعد الاستقلال أين عرف انتشارا واسعا، وهذا يعود حسبها إلى الكبت الذي عاشه خلال فترة الاستعمار. أما الحاج يوسف ذو 89 عاما الجالس في أحد زوايا البريد المركزي قال متحسرا على شباب اليوم أن "جيل اليوم ماشي كيما جيلنا، فأولادي يسبوا أمامي بدون خجل لا من أبيهم ولا من خالقهم"، مضيفا أن هذه الظاهرة عرفت تطورا منذ الاستقلال خاصة وقت الإرهاب، أين أصبح الفرد يُفرغ المكبوتات من خلال السب ليصبح سلوكه منافيا للأخلاق. سب الله كرسته العادة وبات تصرفا لا إراديا.. "أندم كثيرا بعد السب بالله عز وجل"، هذا ما أخبرنا به يونس ذو 27 عاما، وأنه وبمجرد غضبه يلجأ إلى سب الغير بكلمات تمس الله لكن دون أن يقصد بذلك التمرد على جلالته فالسب موجه للغير لكن بعبارات تمس الله تعالى. أما فريد ذو 19 عاما فحكى لنا عن والده الذي يسب الله في كل ثانية، إما غضبا أو مزاحا ولما يسأله عن سبب عدم توقفه في التلفظ بمثل هذا النوع من الشتائم التي تعتبر كفرا، يخبره أنه لا يقصد التطاول على الله عز وجل ولكنها مجرد طريقة للترويح عن النفس وإفراغ الغضب، دون نية في الكفر بالله. و قال العم منور أنه كثيرا ما يتفوه بكلمات فيها سب لله سبحانه، لكن دون قصد وذلك بسبب التّعود على مثل هذه العبارات أثناء الغضب. الضغوطات والمشاكل أبرز مسببات السب و تقول الحاجة سكينة ذات 77 عاما التي أرجعت سبب كثرة السب في مجتمعنا إلى المشاكل التي يعاني منها الفرد من انعدام السكن والبطالة و...، فكل هذه الضغوطات تولد انفجارات داخل المجتمع والتي منها انحراف الأخلاق ليكثر بذلك سب الله والعياذ بالله والكلام البذيء. في حين أن العم جعفر والعم صالح والعم عبد النور فقد أرجعوا ظاهرة السب إلى التسعينات وما فوق وذلك بسبب كثرة المشاكل التي عاشها المجتمع الجزائري من انعدام السكن والعمل، خاصة في فترة العشرية السوداء، ما جعل الجزائري يعيش في مناوشات مع الغير وبالتالي تجده يسب الله عز و جل "في الطالعة والنازلة" وهذا ما أوصلنا إلى هذه الحالة التي نعيشها الآن، حيث قال عمي صالح أن "في وقتنا هذه الظاهرة لم تكن موجودة ولا يمكنها أن تكون لكن بعد الاستقلال وبسبب النزوح إلى المدن التي أصبحت مكتظة، سَبَّبَ مشاكل وبالتالي انحلال الأخلاق. أما خالتي كريمة ذات 83 عاما فقد أكدت على كثرة فساد الأخلاق في بلاد الإسلام، أين قلَّ العارفون بالحق، لدرجة التطاول على الله تعالى، ففي وقتهم كان كبار السن يترددون على المساجد وأثناء غضبهم يكثرون من الاستغفار فالسب لم يكن بالعلن. سب الله عز وجل في المجتمع الجزائري من المفاهيم الجديدة للرجولة والبعض الآخر يعتبره وسيلة لإثبات الرجولة ليقول العم داود أن بسَبّ الله يظن الفرد أنه يعبر عن رجولته "إذا ما سَبْشْ ربي ماهُوشْ جزائري"، مضيفا أن خلال فترة الاستقلال كان أغلب الناس عمالا وفلاحين وإطارات وجامعيين فالثقافة والتربية كانت سيّد الموقف في المجتمع الجزائري، لكن بعد 1962 بسنوات ومع التفتح على ثقافة الغير، أتت هذه الظاهرة ليتحول المجتمع إلى ما هو عليه اليوم، فالقضية هي قضية مستوى وتربية وأخلاق. وهذا ما أكده من جهته العم حسين أن العديد من الناس يسبون الله، فلما لا يستطيع التغلب على الفرد يقوم بسب الله ظنّا منه أنه يخيفه وبالتالي يظهر رجولته، ويضيف، أنه مع الغزو الثقافي من أنترنت وبرامج تحول أغلب الجزائريين إلى أشخاص لا يؤمنون بالله والعياذ بالله لتجده يؤمن بالمادة متجاهلا الروحانيات والمقدسات.. وعمي منور ذو 83 عاما أكد من جهته أن بسبب ما يشهده المجتمع من تطور أصبحت ثقافة جيل اليوم غير ثقافتنا، أين أصبح يعتمد على التكنولوجيا ما جعله بعيدا عن ربه، حتى أنه لا يتوكل على الله بل على التقنيات الحديثة فكأنها هي الرب والعياذ بالله ليتناسى بذلك الله عز وجل ليسبه في كل زلة لسان. غياب الوازع الديني هوّن وقزّم حجم إثم سبّ الله للتربية دور كبير في انتشار هذه الظاهرة حيث تحسّر عمي عبد القادر ذو 72 عاما على تلك الأيام التي كان فيه طفلا صغيرا يذهب فيها كل يوم إلى المسجد مع جده، فكما قال "أن التربية تلعب دورا كبيرا، فظاهرة السب لم تكن موجودة في حياتنا اليومية كون أن قضية الله بعيدة وهي تعتبر من المقدسات فالسب كفر كبير لا يغتفر". أما عمي شعبان ذو 91 عاما فأرجع سبب كثرة سب الله إلى نموذج التربية الجديد/spa